طلبت وردة الجزائرية في اللّحظات الأخيرة قبل إسلامها الروح، نقلها سريعا إلى الجزائر، حسبما كشفت عنه زوجة نجلها رياض لموقع ''العربية''، وقالت السيدة لمياء، زوجة رياض نجل الفنانة، إن آخر شخص تحدّث إلى الراحلة كان مرافقتها الدائمة نجاة، وقالت إن آخر كلام قالته وردة لنجاة هو ''لا أريد أن أنتظر كثيرا، أريد العودة إلى الجزائر فورا''. وذكرت السيدة لمياء حسب نفس الموقع، أن ''وردة أتمّت هذه العبارات ثم هوت فجأة، لتنتقل إلى الرفيق الأعلى في ثوان''. وكشفت لمياء للعربية عن أن الفقيدة كانت تستعد لزيارة الجزائر هذا الصيف لتسجل عملا فنيا كبيرا جدا احتفاء بخمسينية الثورة. وكان آخر عمل فني بارز لدى جمهور وردة بالجزائر، هو أغنية ''مازال واقفين''، التي تم بثها على نطاق واسع قبيل الانتخابات البرلمانية. وقبل ذلك، أعلن نجل وردة أنها تستعد لتسجيل ''فيديو كليب'' جديد في الجزائر، سيكون مفاجأة لجمهورها في جميع أنحاء الوطن.
استقبلت بالزغاريد والدموع في مطار هواري بومدين جثمان وردة يصل إلى الجزائر على التاسعة والنصف ليلا وصل جثمان فقيدة الطرب العربي وردة الجزائرية أمس في تمام التاسعة والنصف ليلا، على متن طائرة عسكرية أرسلت بأمر من رئاسة الجمهورية إلى مصر. واحتشد العشرات من الفنانين والمسؤولين داخل القاعة الشرفية لمطار الجزائر الدولي هواري بومدين، لاستقبال جثمان الفقيدة، حيث كان في استقبالها وزيرة الثقافة خليدة تومي، رفقة وزير الخارجية مراد مدلسي ووزير الاتصال ناصر مهل وسفير مصر بالجزائر، إضافة إلى حضور مدير عام ''نجمة'' جوزيف جاد ومدير عام المؤسسة الوطنية للتلفزيون الجزائري توفيق خلادي ومدير الديوان الوطني للثقافة والاعلام لخضر بن تركي.. وآخرين. كما سجل وجود معتبر للفنانين الجزائريين من ممثلين ومغنين، تتصدرهم سلطانة الطرب العربي فلة عبابسة وسلوى وعبدو درياسة وبوعلام شاكر، إلى جانب بهية راشدي ونرجس ومحمد عجايمي وسلمى غزالي وفريد صابونجي وسيد علي كويرات، فضلا عن نجل الفقيدة رياض وإمام مسجد حيدرة.كانت علامات الحزن والأسى مرتسمة على وجوه الجميع، حيث خيم الصمت على الحاضرين الذين عبروا عن صدمتهم إثر رحيل الفقيدة، التي قدمت الكثير للفن، فكانت أحسن سفيرة للجزائر في العالم العربي. وأجمع الفنانون على أن رحيل وردة الجزائرية وقع كالصاعقة على مسامعهم. وقد استقبل الجمهور الغفير جثمان الفقيدة بالتكبير والزغاريد، وسالت دموع الكثير وهم يستقبلون من كانت تستقبل بالورود كلما حلت ببلدها، لتستقبل لآخر مرة ولترقد بسلام في الأرض التي أحبتها وغنت لها بأفضل الألحان. ولم يقتصر الحضور على الفنانين والمسؤولين فحسب، حيث احتشد العشرات من عشاقها خارج القاعة الشرفية لإلقاء نظرة على جثمان الفقيدة، التي سيوارى جثمانها الثرى اليوم بمقبرة العالية في الجزائر العاصمة، بعد أن يتم إلقاء النظرة الأخيرة عليها بقصر الثقافة ''مفدي زكريا''.
الزمن الجميل لم يعد جميلا رحيل آخر أوراق شجرة العمالقة يفقد اليوم العالم العربي، برحيل المطربة وردة الجزائرية، آخر أيقونات طربه، كما يفقد قصر الطرب العربي آخر وريثة للفن الطربي الأصيل ويغلق بابه إلى إشعار آخر خلف آخر أميراته برحيل أميرة الطرب العربي وردة الجزائرية، التي كبرت مع العمالقة ورضعت الفن على أيدي افضل الملحنين. لم تكن انطلاقة وردة في عالم الفن سهلة في زمن اكتظ بالأسماء الكبيرة رجالا ونساء، ورغم ذلك شاءت الأقدار أن تبدأ عملاقة من شبابها ويرافقها العمالقة. فكان أول من لحن لها العملاق رياض السنباطي، ثم انطلقت في السينما مع حلمي رفلة، ثم سيد مكاوي مع أغنية ''أوقاتي بتحلو'' التي لحنها لكوكب الشرق أم كلثوم، فتنطلق بعدها عصفورة الجزائر في عالم الفن العربي نجمة تسطع مع نجومه، لا ينافسها أحد وهي تصول وتجولا بين ربوعه، خاصة بعد أن اجتمع بريقها مع شعاع اللحن الجميل وعبقري التجديد بليغ حمدي، ليقدم الثنائي أروع الأغاني العاطفية في الوطن العربي، زينت سماء العشاق وكبر على أنغامها المحبون وتذوقها المغرمون. غنّت وردة ''بلاش تفارق'' وفارقتنا دون سابق إنذار في غفلة ونحن نستعد لنستمتع بآخر مفاجآتها التي وعدت بها بمناسبة خمسينية الاستقلال.. غنّت ''أكذب عليك'' ولم تكذب أبدا في عشقها وحبها للجزائر ولفنها، فغنت للجزائر في كل مناسبة ولم تتأخر يوما، وواجهت طلبات اعتزالها بحزم، وقالت لن أكذب عليكم سابقى أغني.. صرخت وردة ''اسمعوني إقلكو إيه''، فقالت لكل العالم ''ما زال واقفين'' مخاطبة الشباب الجزائري، لأن الجزائر بحاجة إلى وقوفكم، لكن ''في يوم وليلة'' رحلت دون أن تودع أحدا و''عيونها السود'' نائمة ومغلقة وتقول من غير ''الملامة''، ''الوداع''.
ستدفن في مربع الشهداء العالية تتهيأ لاستقبال ''الوردة'' كانت الساعة تشير إلى منتصف النهار، عندما وصلت ''الخبر'' إلى مقبرة العالية بالعاصمة، أين كان يخيم صمت جنائزي على المكان، كسره صوت عمال المقبرة، وهم يهيئون المربع رقم ,260 حيث كانوا بصدد نزع الحشائش الضارة عن القبور، وتهيئة الأماكن التي من المنتظر أن تحتضن جسد أميرة الطرب العربي. وحسب مسؤولي المقبرة، فقد تقرر دفن الراحلة وردة الجزائرية بمربع الشهداء في العالية بقرب الطاهر وطار وغيرهما، لكن مع ذلك تم تهيئة مربعين، الأول يقع خلف مربع الشهداء، والثاني يقع بمحاذاة المربع الرئاسي، إلى جانب المرحومة زهرة بن بلة زوجة الرئيس الراحل أحمد بن بلة. وأسر محدثونا إلينا أنهم بمجرد علمهم برغبة الرئيس بوتفليقة في دفن وردة الجزائرية بمقبرة العالية، تم استدعاء عدد كبير من العمال قصد تهيئتها، ومن المنتظر أن تستمر العملية إلى ساعات متأخرة من الليل، قصد تحضير المكان على غرار ما حصل في جنازة الرئيس الأسبق أحمد بن بلة، خصوصا وأن المرحومة ستحظى بجنازة رسمية يحضرها عدد كبير من المسؤولين والشخصيات والفنانين من عدة دول عربية.
الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أسهمت بإبداعها في الاستقلال وبأموالها في الثورة بعث الرئيس بوتفليقة برقية تعزية إلى أفراد أسرة الفنانة وردة الجزائرية، جاء فيها ''صوت ينادي أحبك يا بلادي.. شاءت حكمة الله جل وعلا أن تكون هذه الكلمات آخر ما ختمت به أميرة الطرب العربي وردة الجزائرية مشوارها الطويل في فن الطرب الأصيل، وآخر ما غردت به في حب وطنها الجميل الذي أعطته من ذوب قلبها ومن إبداعها وسمو فنها أجمل ما تغلغل في وجدان وترنم به إنسان في حب الأوطان، حب رسمته كلمات وصاغته لحنا وصدحت به صوتا عذبا، سيبقى يتعالى في سماء الوطن ما بقي في الدنيا غناء''. وأضاف رئيس الجمهورية في برقيته ''شاءت حكمة الله جل وعلا أن تودع وردة دنياها وهي تستعد مع حرائر الجزائر وأحرارها للاحتفال بالذكرى الخمسين لعيد الاستقلال، وأن تسهم فيها بإبداعها، كما أسهمت في ثورة التحرير الوطني بما كانت تقدم لجبهة التحرير من إعانات في مكاتب الحكومة المؤقتة خاصة في مكتبها بلبنان''. وختم رئيس الجمهورية برقيته بالقول ''وأمام هذا الخطب الجلل لا أملك إلا أن أبتهل إلى الله الذي وسعت رحمته كل شيء، أن يجللها برحمته ورضوانه وأن يبني لها بيتا في الجنة، وأن ينزلها منزلا ترضاه مع الصديقين والأبرار، وأن يضاعف لها الحسنات كفاء إخلاصها لوطنها، كما أتضرع إليه تعالى أن ينزل في قلوب كافة أفراد أسرتها وأهلها وذويها وأسرة الفن قاطبة صبرا جميلا، ويعوضهم فيها خيرا كثيرا ويوفي لهم أجرا وفيرا.
الوزير الأول أحمد أويحيى رحيل وردة الجزائرية خسارة كبيرة للفن العربي الأصيل بعث الوزير الأول السيد أحمد أويحيى برقية تعزية إلى أسرة المطربة وردة الجزائرية، معتبرا رحيلها ''فاجعة أليمة وخسارة كبيرة للفن العربي الأصيل عامة وللجزائر خاصة''. وجاء في برقية التعزية ''لقد تلقيت ببالغ الأسى وعميق الألم نبأ وفاة الفنانة العملاقة أميرة الطرب العربي السيدة وردة الجزائرية، وقد تأثرت أيما تأثر لما أصابكم وأصاب الجزائر عامة بفقدان هذه الفنانة المتألقة صاحبة الموهبة الأصيلة المتجذرة التي تغنت بأمجاد الثورة المباركة وانتصاراتها قبل أن تصنع أمجاد الطرب الجزائري والعربي وتسمو به إلى أعلى المراتب والمنازل''.
وزير الثقافة المصري محمد صابر عرب ''أعزي المصريين والجزائريين'' عبر وزير الثقافة المصري، محمد صابر عرب، عن بالغ حزنه لرحيل الفنانة الكبيرة وردة الجزائرية، وقدم تعازيه للشعبين المصري والجزائري بمناسبة هذا الحدث الجلل. وأكد وزير الثقافة في تصريح صحفي أن الفنانة وردة ''جزء من مصر'' منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ومن الجيل الذي أحدث نقلة كبيرة في وجداننا العربي، ولعبت دورا كبيرا و''جسدت العلاقة بين مصر والجزائر''.
وزيرة الثقافة خليدة تومي
ومن جانبها، ذكرت وزيرة الثقافة الجزائرية، خليدة تومي، أن ''صوت وردة يعتبر من أروع الأصوات في الجزائر والعالم العربي''. وقالت تومي، في برقية عزاء بعثت بها ليلة أمس إلى أسرة الفقيدة ''إن وردة الجزائرية رحلت عنا تاركة وراءها صمتاً مطبقاً وحزناً عميقاً''، معبرة لعائلة الفنانة عن حزنها الشديد وتأثرها البالغ.
''نجمة'' تقدم تعازيها إلى الشعب الجزائري عبر متعامل الهاتف النقال ''نجمة'' باسم مديره العام جوزف جاد، عن تعازيه الخالصة لعائلة المرحومة وردة الجزائرية ولكل الجزائريين، ودعا الله أن يتغمد روحها بواسع رحمته ورضوانه ويسكنها فسيح جنانه. واعتبر البيان أن رحيل وردة هو رحيل الرمز الذي ستعيش ذكراه إلى الأبد، حيث ستبقى وردة الجزائرية أميرة الطرب دوما مفخرة للجزائر وللوطن العربي وللموسيقى العالمية. وقال في بيان التعزية إن صاحبة ''عيد الكرامة'' لبت نداء الجزائر في ذكرى خمسينية الاستقلال بتأدية ''مازال واقفين''، رسالة أمل وتفاؤل للجزائر والجزائريين الذين كانت تحبهم كثيرا. فقد حملت الجزائر في قلبها التي كانت تسميه ''وطني الأعظم''، هذا الوطن الذي تقاسمت أحزانه وأحيت أفراحه وانتصاراته إلى آخر لحظة. ''إنا لله وإنا إليه راجعون''