لم يشهد حزب جبهة القوى الاشتراكية ''الأفافاس'' صراعا داخليا منذ تأسيسه في سبتمبر 1963 مثل الذي يعيشه في الآونة الأخيرة، حيث وصلت ذروته إلى حد تبادل التهم بين القيادة الحالية التي يقودها السكرتير الأول علي العسكري وبين المنتقدين لسياسته، وعلى رأسهم السكرتير الأول السابق كريم طابو، الذي يقود حربا داخلية، وممثل الأفافاس في الخارج سمير بوعكوير· وأرجع المتتبعون لشؤون الأفافاس أن هذا الصراع سببه ''الكرسي'' وخلافة منصب الدا الحسين· يتواجد حزب الأفافاس -حاليا- في امتحان صعب في تسيير الصراعات الداخلية التي طفت إلى السطح هذا الأسبوع بعد الخرجات الإعلامية التي يشنها قياديان بارزان في المجلس الوطني للحزب، ويتعلق الأمر بالسكرتير الوطني السابق للحزب كريم طابو، وهو نائب في البرلمان عن ولاية تيزي وزو، وسمير بوعكوير ممثل الأفافاس بالخارج ومترشح للتشريعيات بالمنطقة 1 بفرنسا، حيث اتهما الحزب ب ''التخلي عن المعارضة والتوجه للتطبيع مع النظام وعقد صفقة معه على مقاعد في البرلمان وعدم التنديد بالتزوير''، وقدما تصريحات صحفية ''نارية'' ضد إدارة قيادة الحزب الحالية، وبالخصوص ضد علي العسكري، هذا الأخير استهجن وأدان بشدة تصريحات طابو وبوعكوير واعتبرها ب ''محاولة لكسر الحزب وتقسيمه والمساس بسمعته ومصداقيته'' وكذا ''شن حملة ضد الحزب وإدارتها السياسية''، حيث سارعت إدارة الحزب إلى تنحية الغطاء السياسي على كريم طابو. كما تم إنهاء مهام سمير بوعكوير كممثل الحزب بالخارج. وسبق في ذلك طرد الحزب لرئيس فدرالية بجاية فريد خالف بتهمة تجاوز خروقات على القانون الداخلي للحزب وتنظيم حملة مضادة على الأفافاس. ولا يختلف إثنان على أن هذه الصراعات الداخلية خلقت حالات من القلق وسط القاعدة النضالية، التي أبدت تخوفها من مستقبل الحزب في ظل استمرار الصراعات القائمة، لاسيما وأن اجتماعات ماراطونية ينظمها إطارات الحزب المعارضين للإدارة الحالية بهدف كسب أكبر تأييد لهم من المناضلين لإحداث الانقلاب، هذا في وقت شرعت فيه إدارة حزب الأفافاس في تنظيم اللقاءات الميدانية الجوارية عبر التراب الوطني تطبيقا لبرنامج الحزب ما بعد التشريعيات، حيث بدأت، أول أمس الخميس، من برج بوعريرج وسطيف، وأمس الجمعة من ولاية قسنطينة، وبرمج اليوم لقاءين حيث سيتوجه علي العسكري إلى وهران والأمين الوطني والنائب البرلماني أحمد بطاطاش إلى غرداية. في حين برمجت فدرالية بجاية عقد دورتها اليوم بمدينة تيشي بقيادة البرلماني ورئيس الفيدرالية بالنيابة خالد ثزاغارث. ماذا يحدث ببيت الأفافاس؟ هذا السؤال أصبح يتردد على لسان كل مناضلي الأفافاس، حيث لم يفهموا ماذا يحدث بالحزب؟ ولماذا هذه الصراعات في هذا الوقت بالذات. والمتمعن في الوضعية التي يشهدها الأفافاس حاليا يفهم أن ''حرب الزعامة وخلافة منصب الدا الحسين'' تعتبر السبب الرئيسي في الصراع. وحسب المعلومات المتوفرة لدينا، التي قدمها بعض إطارات الحزب تفيد أن لعبة الكواليس وتحضيرات سرية نظمت طيلة سنة 2011 من طرف السكرتير الأول الأسبق كريم طابو بمعية بعض الإطارات والمنتخبين المحليين الموالين له استعدادا للمؤتمر الخامس للحزب ولعب ورقة ''الرئيس الجديد للحزب''· وتشير المعلومات المتوفرة لدينا إلى أن المؤتمر الخامس ''خيّط على المقاس'' مسبقا، لأجل تولي كريم طابو منصب رئيس الأفافاس خلافا للزعيم حسين آيت أحمد، حيث تفطن المعارضون لسياسة طابو ورفعوا ضده تقريرا لآيت أحمد حول خروقات كريم طابو في الحزب منذ توليه القيادة وأهدافه المستقبلية، حيث تدخل حسين آيت أحمد وقام بتنحية طابو من منصبه لإبعاد الخطر عن الحزب تخوفا من تحقيق كريم طابو المفاجأة في المؤتمر الخامس وتمرير مقترحاته في حالة كسب الأغلبية من المشاركين. من جهة مقابلة، فإن عملية الصراع على ''كرسي'' رئاسة الحزب أصبحت فاشلة مسبقا من قبل كل الأطراف التي ترغب في تحقيق هدفها، حيث أكد قيادي بارز في الأفافاس فضّل، عدم الكشف عن هويته، أن منصب ''آيت أحمد'' لن يحصل عليه أي إطار في الأفافاس، مشيرا إلى أن هناك ترتيبات لإجراء تعديلات هيكلية خلال المؤتمر القادم، مشيرا إلى هناك حديث عن إلغاء منصب رئيس الحزب، وإبقاء حسين آيت أحمد الرئيس الوحيد، وكشف أن الاقتراح ينتظر موقف الزعيم آيت أحمد. هكذا بدأ الصراع ببيت الأفافاس المتتبع لشؤون الأفافاس يكتشف أن جذور الصراع داخل الحزب بدأت يوم 18 نوفمبر 2011 بعدما قام زعيم الحزب حسين آيت أحمد بإنهاء مهام السكرتير الوطني كريم طابو، وتنحيته من منصبه وتعيين علي العسكري بدله. وظهر الصراع للعيان يوم 3 مارس المنصرم بعد إعلان المجلس الوطني للحزب مشاركة ''الأفافاس'' في التشريعيات، وهو القرار الذي خلف سخطا في أوساط القاعدة النضالية. ورغم ذلك استطاع الحزب أن يقنع أغلب المناضلين بأن المشاركة ''التكتيكية'' هدفها سياسي بحجة الوضع ''الخطير والساخن'' الذي تشهده الجزائر داخليا والتغييرات التي حدثت على المستوى الخارجي لاسيما في دول الجوار والحدود الجنوبية. وكان إعلان الأفافاس عن القوائم التي يدخل بها تشريعيات 10 ماي القطرة التي أفاضت الكأس، حيث ظهرت احتجاجات عارمة في القاعدة النضالية بعدة ولايات لاسيما بتيزي وزو وبجاية والبويرة وسطيف وغرداية، حيث طالب المناضلون بضرورة إعادة الاعتبار وإسقاط بعض الأسماء، وقامت إدارة الحزب بإجراء تعديلات طفيفة على القوائم ببعض الولايات لإرضاء المحتجين، حيث رفع الأفافاس التحدي خلال الحملة الانتخابية على جانبين، الأول عمل على إقناع المواطنين على الانتخاب، والثاني مواجهة الحملة المضادة التي فجرها بعض إطارات الحزب، حيث نجح في حصد أغلب مقاعد البرلمان بمعاقله بتيزي وزو وبجاية، واعتبر ذلك انتصارا. من جهة أخرى، فقد تعهدت إدارة الحزب خلال الحملة الانتخابية باتخاذ إجراءات انضباطية ضد إطاراتها التي عرقلت الحملة الانتخابية للأفافاس، لتبدأها بتطبيق أوامر حسين آيت أحمد. وتشير المعلومات التي بحوزتنا إلى أن فكرة نزع التغطية السياسة على كريم طابو نوقشت خلال الحملة الانتخابية من طرف قادة الحزب بتهمة القيام بحملة مضادة في عدة ولايات على غرار ملية، قسنطينة، ورفلة، برج بوعريرج، الأغواط، تيزي وزو، البويرة··· وغيرها، ومتهم أيضا بترويج إشاعات ''ملفقة'' تهدف لحدوث انقسام في الحزب، كما يعود سبب تنحية التغطية السياسية له على خلفية رفضه المشاركة في الحملة الانتخابية بالرغم من أن اسمه جاء في المرتبة الثانية بقائمة تيزي وزو بعد الدكتور رشيد حاليت، وكذا وصول معلومات مؤكدة للمديرية العامة تفيد بعقد عدة تجمعات سرية لبحث سبل الانقلاب على الإدارة الحالية للأفافاس، بعض هذه الاجتماعات حضرها كريم طابو.