فقدت الساحة الفكرية، نهاية الأسبوع الماضي، المفكر والفيلسوف روجي غارودي، الذي اعتنق الاسلام وأعلن قناعته عاليا في 2 جويلية 1982 بالمركز الإسلامي في جنيف. قبلها بسنوات كان ''رجاء'' قد اعترف بتأثره بالشيخ البشير الإبراهيمي الذي عرّفه على سيرة الأمير عبد القادر الجزائري. غارودي ''شيخ المشاغبين'' كما وصفه فهمي هويدي، ترك في رصيد الفكر العالمي مؤلفات تعبر عن حريته وتحرره من الأفكار الكاذبة، بدءً بقوة إسرائيل وجبروت أمريكا. يغادر غارودي إلى الحياة الأبدية وعمره 98 سنة، يحمل معه اسما عربيا وإسلاميا ''رجاء''، هوية جديدة اعتنقها بمجرد تعرفه على شهامة الجنود الجزائريين الذين رفضوا إطلاق النار عليه وعلى زملائهم في معسكر بالجلفة، وآثروا السوط والعقاب على قتل أرواح بريئة، كانت هذه الحادثة التي يرويها غارودي في كتابه ''الإرهاب الغربي'' الصادر عن دار ''الأمة''. وقد استطاعت الدارالجزائرية نشر الكتاب بعد أن اعترضت عليه الدور الفرنسية، خوفا من مضمونه الذي يزعج دوائر صهيونية هناك، فقد ظل ''رجاء'' غير مبال بالتهديدات والحصار الممارس عليه عن طريق الإعلام الغربي الموالي. غارودي سخر من اليهود سنة ,1990 يوم ذكّرهم أن بكاءهم الطويل على المحرقة ما هو سوى سيناريو من تلفيقهم، وواجههم بقوله، أنه لا يعقل أن يحرق هتلر زهاء ستة ملايين يهودي بينما لم يتجاوز عددهم في أوروبا كلها 5,3 مليون نسمة. تعرّف صاحب ''أمريكا طليقة الانحطاط'' على الإسلام في بداية الحرب العالمية الثانية، حينما ألقت قوات الاحتلال الألماني القبض على المجموعة الأولى للمقاومة الفرنسية، وصدر أمر بنقلهم إلى معسكر الجلفةبالجزائر، هناك قرر غارودي التمرد رفقة 500 سجين، وكادوا يفقدون حياتهم، حينما طلب من الجنود قتلهم. إلا أن هؤلاء رفضوا الإصغاء: ''ولم أفهم للوهلة الأولى سبب رفضهم، ثم عرفت أن هؤلاء الجنود كانوا من الجزائريين المسلمين، الذين يرون أن شرف وأخلاق المحارب المسلم تقتضي ألا يطلق النار على إنسان أعزل''، يقول رجاء. بقي غارودي في الجزائر سنة كاملة بعد إطلاق سراحه، التقى إثرها بالشيخ البشير الإبراهيمي، معترفا بالأثر الكبير الذي تركه هذا الرجل في نفسه ''في مقر الشيخ الإبراهيمي لاحظت صورة كبيرة لرجل مهيب. ولأول مرة أتعرف على صاحبها، عندما شرح لي الشيخ البشير جوانب من حياة الأمير عبد القادر الجزائري - عدو فرنسا - كبطل محارب وعابد ناسك؛ بل كواحد من أعظم أبطال القرن التاسع عشر''. للإشارة، ولد غارودي في 17 جويلية 1913 لأب ملحد وأم كاثوليكية، وحصل على الدكتوراه من جامعة السوربون عن النظرية المادية في المعرفة عام ,1953 ثم الدكتوراه في الحرية من موسكو عام .1954 من مؤلفات غارودي ''الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية'' و''المسجد مرآة الإسلام'' و''فلسطين مهد الرسالات السماوية'' و ''الإسلام دين المستقبل''. وكانت أول محطات التصادم بينه وبين الصهيونية بعد مذبحة صبرا وشاتيلا في لبنان عام ,1982 حيث نشر مقالة في صحيفة لوموند تحت عنوان ''معنى العدوان الإسرائيلي بعد مجازر لبنان''. جدير بالذكر أن الفيلسوف غارودي الراحل سيوارى الثرى هذا الاثنين بمقبرة بلدية شامبيني سورمارن جنوب شرق باريس.