بمجرد أن شرعت مجموعة ''أم بي سي'' في عرض الإعلانات الترويجية لمسلسل ''عمر''الفاروق (رضي الله عنه)، حتى بدأت الشبكات الاجتماعية، وبشكل خاص فيسبوك وتويتر، في شن حملتين متضادتين، واحدة مؤيدة لعرض العمل، تستند إلى أن تجسيد الصحابة غير محرم بالقرآن والسنة، ويخضع لاجتهادات العلماء الذين رخصوا للعمل، ومن بينهم يوسف القرضاوي وسلمان العودة، وفريق آخر يعارض تماما فكرة تجسيد الصحابة في عمل تلفزيوني، مؤكدا أن العملية تجارية بحتة، ولا تستند إلى أية مرجعية دينية صحيحة أو موثوقة، وهو الرأي الذي ذهبت إليه مجامع فقهية في السعودية، ومجمع الأزهر الشريف بمصر. المسلسل الذي تنتجه المؤسسة القطرية للإعلام، بالشراكة مع مجموعة ''أم بي سي'' التي باتت تنتج تقريبا كل المسلسلات الرمضانية التي تقوم بعرضها على شاشاتها، يتولى عملية إخراجه السوري حاتم علي، عن سيناريو للكاتب وليد سيف. ورغم انطلاق عملية التصوير عام ,2010 باعتبار أن العمل كان موجها للعرض في رمضان ,2011 إلا أن المخرج فضل التريث في إنجاز العمل وتركه لرمضان .2012 تجسيد الصحابة.. جدل مستمر نجحت مجموعة ''أم بي سي'' في خلق هالة من السرية حول العمل، فقبيل أسابيع قليلة تفصل عن عرض العمل، لا تزال مسألة إذا ما تم تجسيد الصحابة بشكل كامل في المسلسل غامضة. صانعو العمل لا يزالون يتكتمون على الأمر، والمثير أن البروموهات الخمس المعروضة على سلسلة قنوات ''أم بي سي'' الفضائية، وقناتها الرسمية على يوتيوب، لا تظهر سوى صوت الصحابة، وتصوير خلفي لشخصية الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، ما زاد من حدة الجدل حول المسلسل. ففي حين يرى البعض أن المنتجين لن يغامروا بتصوير الخلفاء بناء على عدم حصولهم على تصاريح من المجمعات الفقهية الكبرى، يرى البعض أن مجرد ظهور الشخصية بتكوينها الفيزيائي بغض النظر عما إذا كانت صورة أمامية أم خلفية، يعد خرقا لمبدأ حرمة تجسيد الصحابة. وعلى الطرف الآخر، يقف الطرف المؤيد لتجسيد الصحابة في عمل فني، يعرّف المشاهدين بسير الصالحين، ويساهم في خلق بديل صحي للمسلسلات المعروضة في رمضان. الحسن والحسين أول المغامرين واجه عرض مسلسل الحسن والحسين العام الماضي، انتقادات كبرى وحملة غير مسبوقة، باعتباره عمل فني جمع الكثير من المسائل فنية وتاريخية، كان التطرق إليها إلى وقت قريب من الطابوهات الكبرى. المسلسل لم يكتف بتجسيد شخصيتي الحسن والحسين حفيدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وبعضا من صحابته المقربين المبشرين بالجنة، بل تطرق إلى مرحلة الفتنة الكبرى، وما صاحبها من نزاع حول الخلافة امتد بداية من فترة الخليفة الثالث عثمان بن عفان، وصولا إلى معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، الذي زهد في الخلافة بعدما رأى نتيجة استحواذ والده يزيد عليها ببيعة تمت قبل وفاة معاوية بن أبي سفيان، الأمر الذي خلق فتنة حينها بين أنصار الحسين بن علي في المدينةالمنورة والعراق، وأنصار يزيد بن معاوية في الشام. المسلسل الذي نجح في الحصول على تصاريح من أكثر من خمسين مرجعية إسلامية سنية وشيعية، خلق جدلا كبيرا قبيل وأثناء وحتى بعد عرضه. فقد هاجمه بعض من علماء السنة والنقاد عنه باعتبار أنه كان وفاقيا جدا، وحاول إلى حد كبير إحاطة الشخصيات بملائكية مبالغ فيها، في حين رفض الشيعة فكرة المسلسل باعتباره سيثير نعرات طائفية، واتفق السنة والشيعة معا على حرمة تجسيد الصحابة وآل البيت، الأمر الذي أفشل عدة مشاريع تسويق للمسلسل لتلفزيونات عربية، من بينها التلفزيون الجزائري المعروف برفضه لعرض كل الأعمال التي قد تثير أية حساسية من أي نوع. ''أم بي سي'' تقطف ثمار الحسن والحسين لم تعرض شبكة ''أم بي سي'' مسلسل الحسن والحسين، لأنها باتت تعرض مسلسلات من إنتاجها الخاص، رغم هذا يبدو أنها ستقطف ثمار نجاح هذا الأخير، الذي وجد طريقا إلى العرض في عدة تلفزيونات عربية، ولاقى نسبة مشاهدات قياسية رغم كل دعوات المقاطعة. ومهما اختلف المتابعون حول أسباب قرار تأجيل عرض مسلسل عمر إلى رمضان ,2012 إلا أن الشيء الثابت أن شبكة ''أم بي سي'' ضربت عدة عصافير بحجر واحد، أولها ضمان جدل خاص بالمسلسل، وثانيها جس نبض المجتمع الإسلامي حول تقبله لهذا النوع من الأعمال، وثالثها أن العمل سيأخذ حظه باعتبار أن عرضه الحصري على ''أم بي سي'' لن يتأثر بعرض مسلسل آخر على عدة قنوات توفر للمشاهد حرية اختيار التوقيت المناسب للمشاهدة. النعرات القبلية أقوى من الضغط الديني رغم الحملات التي تعرضت لها مسلسلات دينية عديدة على مرّ السنوات الأخيرة، بهدف منعها من العرض، إلا أنها كلها فشلت وسقطت بضربة الفضاء المفتوح لفضائيات الأقمار الاصطناعية العربية. ويبقى الأمر المحير هو إلغاء عرض مسلسل ''فنجان الدم''، الذي يتعرّض إلى بيئة قبلية في شبه الجزيرة العربية بحجة إثارته لنعرات قبلية، الأمر الذي يثير علامات استفهام كبيرة حول القائمين على هذه القنوات، الذين لا يخافون من عرض مسلسلات تلقى انتقادات من منظور ديني، ويمنعون عرض مسلسل تلقى انتقادات من منظور قبلي. رقم قياسي في البروموهات في حركة بدت ذكية جدا، طرحت شبكة ''أم بي سي'' خمسة بروموهات لمسلسل عمر، واحد مطول تبلغ مدته دقيقتين، وأربعة قصيرة تتراوح مدتها بين 20 و35 ثانية. البرومو المطول يتعرّض للحظات مفتاحية هامة، أهمها دخول عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص في الدين الإسلامي، والكلمة التاريخية للخليفة الأول أبي بكر الصديق بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم)، بالإضافة إلى مشاهد لمعارك وغروات. المثير أن هذه البروموهات اكتفت بعرض أصوات الخلفاء فقط، ما زاد من حدة الجدل عبر تويتر الذي اتخذ من هاش تاقات غير رسمية مثل ''لا لمسلسل عمر'' و''أوقفوا مسلسل عمر'' والهاش تاق الرسمي مسلسل عمر، إضافة إلى صفحة ''أوقفوا مسلسل عمر'' على فيسبوك بيئة لنشر تأويلات مختلفة حول هذه النقطة. هذا، وتم إضافة فواصل بين مشاهد البرومو تصف العمل بأضخم إنتاج درامي عربي، وتكشف عن شعار المسلسل: ''حكمت فعدلت فأمنت فنمت''. أما البروموهات القصيرة الأربعة، فلعبت على الوتر العاطفي، حيث ينطلق كل برومو بمقولة من المقولات المأثورة لعمر بن الخطاب هي ''رحم الله امرءا، أهدى إليّ عيوبي''، ''لو ماتت شاة على شط الفرات ضائعة، لظننت أن الله تعالى سائلي عنها يوم القيامة''، ''متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا'' و''نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة بغير الله أذلنا الله''. هذه البروموهات تظهر عبر تصوير خلفي شخصية من المرجح أنها عمر بن الخطاب يحمل عصا، ويتوجه ماشيا إلى الكعبة المشرفة. ما يطرح إمكانية التجسيد الجزئي للصحابة بقوة. هل سيطرح المسلسل بنسختين؟ تروج بعض الأخبار أن المسلسل أنتج بنسختين، واحدة تظهر الصحابة بشكل كامل، والأخرى تجسدهم بشكل جزئي، وهو الأمر الصعب من الناحية التقنية من حيث تأطير المشاهد ومونتاج العمل، إضافة إلى التضييق على خيارات المخرج ومدير التصوير. ولم يتسن لحد الساعة التأكد من صحة هذه الأخبار، مع تصاعد الجدل بسبب تصريحات الممثل غسان مسعود الذي يجسد شخصية الخليفة أبو بكر الصديق، الذي سبق وقال ''إنه لن يشارك في العمل إذا ما لم يتم تجسيد الشخصيات بشكل كامل''. وبناء على هذه التصريحات، انطلقت حملة شرسة ضد الممثل السوري الشاب سامر اسماعيل الذي يجسد شخصية عمر بن الخطاب، حيث تمت نشر صوره الخاصة على الشبكات الاجتماعية، وتم وصفه بأوصاف تنطلق من الشاب المائع الذي لا يمكن أن يجسد شخصية بحجم الفاروق، وتصل إلى مستويات عالية من التجريح. فريق عمل مميز باستثناء المخرج حاتم علي، وكاتب السيناريو وليد سيف، فإنه إلى غاية وقت قريب كان هناك تكتم كبير على فريق العمل الذي يجمع نخبة من نجوم الدراما التاريخية من مختلف الدول العربية (الجزائر غائبة مبدئيا)، بالإضافة إلى وجوه شابة، حيث سنشاهد سامر إسماعيل في دور عمر بن الخطاب، غسان مسعود في دور أبي بكر، سامر عمران في دور عثمان بن عفان، وممثل تونسي جديد في دور علي بن أبي طالب. كما يشارك في العمل كل من منى واصف وسوزان نجم الدين ونجاح سفكوني وقاسم ملحو من سوريا، المغربيان محمد مفتاح وهشام بهلول، التونسي فتحي الهداوي، الكويتي فيصل العميري، القطري غازي حسين واللبنانية برناديت حديب.