خرج المشاركون في النقاش الذي فتحته «الجزائر نيوز»، سهرة أول أمس الثلاثاء إلى الاربعاء الماضي، بمكتبة «الأمير» بالعاصمة، برأيين مختلفين أولهم الحاجة الملحة إلى قانون ينظم الحقل السمعي البصري، والثاني لا يرى حاجته للجنة تضبط نشاط القنوات التلفزيونية الخاصة المستقرة بالخارج. من جهته، أعلن سعيد شعباني ممثل وزارة الاتصال، أن شهر سبتمبر القادم سيعرف تنظيم ملتقى واسع مع المهنيين حول فكرة مشروع القانون الذي ما يزال -حسبه- في مرحلة التخمين. مرت أربعة أشهر على تجربة الجزائر في مجال القنوات التلفزيونية الخاصة، التي توجهت إلى الجمهور الجزائري بمحتويات تسعى أن تقترب من واقعه ومخياله ايضا. وقد تمكنت كل من «الشروقTV »، «الجزائرية»، «النهار»، و «الهقار» من توفير زهاء 1000 منصب شغل، حسب رياض رجدال أحد مالكي «الجزائرية»، معتبرة وجود مؤسسات إعلامية جديدة بمثابة «الثروة الفعلية للبلاد»، بينما قال رابح خوذري مدير إنتاج «الشروق TV»، إن «القنوات الجزائرية تملك قاعدة صحفية داخلية وخارجية، بالنظر إلى تجربة يومية «الشروق» التي كونت رصيدا من الإطارات تعتمد عليه القناة اليوم: «هذا ما يميز القناة ويجعلها قادرة على البقاء في الساحة ومواصلة العمل»، مؤكدا في السياق ذاته أن قناته «حققت نسبة مشاهدة تقدر ب 48٪، وهو ما ستثبته مؤسسة «ميديا نيوز» للإحصاء قريبا». دعت «الجزائر نيوز» لإثراء النقاش ممثلي القنوات الخاصة الناشطة في البلاد، إضافة إلى مؤسسة التلفزيون الجزائري، إلا أن السهرة سجلت غياب مسؤولي «التلفزيون الجزائري» وكذا «النهار». بينما لبى الدعوة عدد من الأساتذة والمنتجين والإعلاميين. الأستاذ حسن جاب الله: القانون المقبل سيشكل ضغوطات على البعض إعترف أستاذ الإعلام والاتصال في جامعة الجزائر، أن كثيرا من الغموض يكتنف محاولة فهم ما يجري في الساحة الإعلامية، في شقها السمعي البصري: «أشعر بالقلق تجاه هذا الانفتاح الذي نبقى نأمله وهو متأخر جدا رغم أن موجة التغيرات تطال محيطنا الخارجي». ويرى الباحث أنه لخوض غمار هذا النقاش يجب الانطلاق من اعتبارين هامين: «أولا التأخير خلق مشاكل وسيتسبب في المزيد منها عندما تشرع الجهة الوصية في تحرير النص القانوني المنتظر، خاصة إذا كان محتوى النص لا يتوافق ورؤية القنوات الموجودة حاليا... القانون المقبل سيشكل ضغوطات على البعض..». قال جاب الله إن الجزائر عرفت في تاريخها قوانين تقر بالتعددية الإعلامية وانفتاح الحقل السمعي البصري، مشيرا إلى قانون 1990 من خلال المجلس الأعلى للإعلام الذي كان مكلفا بوضع ميكانيزمات للقطاع السمعي البصري: «كنا قد بدأنا في العمل على ملفات الانفتاح، وبدأنا بالإذاعة وقمنا ساعتها بخيارات استراتيجية تخص التوجهات الكبرى للقنوات (جوارية ومحلية...) إلا أن المجلس حل للأسف». وقد كررت الجزائر التجربة ثانية، بإنشاء مجلس السمعي البصري، يضيف الأستاذ: «لم تكن سلطة ضبط مستقلة بل مجلس استشاري على مستوى الحكومة، وقد أسس أصلا للنظر في الشأن الثقافي والسينمائي فقط»، علما أن هذا المجلس حل هو الآخر كسابقه. سعيد شعباني: لن تنتظروا 3 سنوات لحضور ميلاد مشروع القانون أعلن سعيد شعباني، مستشار بوزارة الاتصال، أن هذه الأخيرة تحضر لملتقى وطني يجمع المهنيين والخبراء والأساتذة لتوسيع النقاش «لتبادل الأفكار ووجهات النظر والبحث عن حلول وإثراء مشروع النص القانوني الذي لم يحرر بعد»، يقول المسؤول الذي اعتبر الخطوة شفافة ومباشرة، ونفى أن تكون طريقة تتلاعب بها الوصاية بالقانون قصد تأجيله لسنوات أخرى، مؤكدا للحضور الذي شكك في صدق نية الوزارة بقوله: «الملتقى سيأتي تتويجا لأعمال لجنة التفكير المنصبة منذ فترة، من أجل إضافة نقاط تهم الجميع، وهو ليس فرصة للتلاعب أو لربح الوقت كما تتصورون، ولن تنتظروا 3 سنوات كما قلتم.. نحن عازمون على تطبيق القانون العضوي». أحدث محتوى القانون العضوي، لُبسا واعتراضا لدى ممثلي القناتين الحاضرتين في الجلسة، وكذا الأساتذة والإعلاميين، إذ تحدث شعباني عن محتوى هذا القانون رقم 12 - 05 الصادر في جانفي 2012، ومواده المختلفة التي تشير جليا في سطورها إلى أن الحكومة تفتح المجال للقنوات الموضوعاتية التي ستعمل وفق محددات لجنة ضبط تنصب لهذا الغرض: «نحن نعمل في إطار هذا القانون العضوي، وبناء عليه أنشأنا لجنة غالبية أعضائها من خارج الوزارة (عضوين فقط من داخل الوصاية) نشتغل منذ 3 أشهر، إلا أننا لم نتوصل بعد إلى صياغة مشروع القانون، أي نحن في مرحلة تبادل الأفكار». يرى شعباني أن لجنة الضبط هي المسؤولة عن قبول أو رفض القنوات التي ستستقر بالجزائر، وعلى ضوء دفتر الشروط والتزام كل جهة بمضمونه، وبتعبير المتحدث: «أعتقد أن البقاء سيكون للأقوى وللأحسن، لكن في إطار القنوات الموضوعاتية التي يقرها القانون العضوي». رياض رجدال: «الموضوعاتية» شرط لا يخدمنا اقتصاديا أثار شرط «الموضوعاتية» تحفظ رياض رجدال وآخرين، حيث وجهوا انتقادات للحكومة التي تصر على تفصيل لا ينطبق تماما على القنوات الفاعلة حاليا في حقل السمعي البصري، فجلها قنوات ذات مواضيع عامة وشاملة، وهي بعيدا عن التخصص المشار إليه في القانون العضوي، واعتبروا ذلك نوعا من قبضة حديدية تشدها السلطة على الباحثين عن حقول أكثر استقلالية من المؤسسات العمومية. يرى كريم قرداش أحد مالكي قناة «الجزائرية» أن «الاعتماد على الموضوعاتية لا يخدم القنوات الخاصة، لأنها اقتصاديا غير مربحة» في إشارة منه إلى غياب الإشهار، الذي هو العمود الفقري لأي مؤسسة إعلامية، ومعتبرا أيضا أن الاكتفاء بقناة رياضية خاصة، لم يعد مجديا أيضا بالنظر إلى الاحتكار الذي تمارسه «الجزيرة الرياضية» ليس في الوطن العربي فحسب، بل حتى في أوروبا. من جهته، دعا رياض رجدال إلى إعادة النظر في القانون العضوي: «حتى نضمن نجاح تجربتنا السمعية البصرية علينا بمراجعة القانون ولا يجب البقاء جامدين»، مردفا: «يجب تحرير الذهنيات». في الوقت الذي أظهر شعباني تمسكا بما جاء في المادة الخاصة بالموضوعاتية، وتحفظ عن إمكانية إلغائها أو مراجعتها، ارتفعت أصوات أخرى في القاعة، تقول إن منطق العولمة والعالم القرية، يترك المستثمرين في حقل التلفزيونات مستقلين عن سلطة الضبط، وأن البقاء في الخارج كفيل بضمان حرية التعبير، إلا أن رجدال أجابهم: «لا أتفق مع فكرة أننا أحرار في الخارج ولا نحتاج إلى قانون ينظمنا، أنا أفكر في الفريق العامل معي هنا في الجزائر، في حرية تنقله ووصوله إلى مصادر الخبر، فأنا إن لم يصدر لي القانون، أكون دائما مهددا بالتوقيف، فباستطاعة الحكومة أن تمنعني من التصوير»، معترفا أن عمل فريقه حاليا لم يسجل تجاوز سلطة «إلا أن الأمر ممكن حصوله». في الوقت الذي جدد فيه شعباني قناعة وزارته بأن الهدف من القانون العضوي «هو حماية المواطن» وأن «الغاية من القنوات هي الخدمة العمومية وليس الربح السريع»، أوضح جاب الله أن «الانفتاح لا يعني فقط القطاع الخاص، بل حتى القطاع العام، وهو يعني الانفتاح الديمقراطي وحرية التعبير مع الالتزام بالخدمة العمومية»، ليدعو المستشار قائلا: «نحن أمام مشكلة وقت، علينا بالإسراع في فتح هذا الحقل وفق الظروف المتعارف عليها عالميا، بدءا بلجنة ضبط مستقلة وأعضائها شخصيات مستقلة أيضا ووفق دفتر شروط تحترم حذافيره».