لم يختلف المتدخلون في نقاشات «الجزائر نيوز»، أول أمس، حول مسألة علاقة المثقفين بالسلطة على أن غالبية المثقفين بالجزائر يغازلون النظام من أجل تحقيق مصالحهم التي هي في الغالب لا تعدو أن تكون مجرد منصب، كما أجمعوا على أن هاجس الخوف لدى السلطة من الطبقة المثقفة جعلها تعمل ما بوسعها للتقليل من فعالية هذه الطبقة من خلال توظيفها لخدمة مصالحها واتهم المتدخلون السلطة بالتلاعب بالنخب من أجل حماية مصالحها بانتهاجها أساليب ذكية، حيث أنه وبالرغم من التضييق المبرمج من السلطة على النخب، إلا أننا لم نسجل يوما وجود سجناء رأي بالجزائر، أرجعها المشاركون في النقاشات إلى قناعتها بأن سجن أصحاب الكلمة هو أخطر الأعمال، كما أن النخب يعكسون صورة بلدانهم، لذلك فهو التحدي الذي ترفعه السلطات في مواجهاتها لمنظمات حقوق الإنسان. أغلب النخب كانت تغازل النظام من أجل مصالحها والصحافة كانت المتنفس الوحيد لها بالإضافة إلى ما سبق ذكره، فإن الكاتب حميد قرين باعتباره أول المتدخلين يرى أن مهمة المثقف بالجزائر في ظل التضييق المطبق عليه من قبل السلطة، اقتصرت نشاطاته على مجرد كتابات لا تتعدى صفة المساهمات الصحفية لا لشيء سوى لأن الصحافة أصبحت الفضاء الوحيد للتعبير، ليس لكل النخب، لأن الصحف في حد ذاتها كانت تمارس الرقابة بفتحها المجال للذين يخدمون مصالحها على حساب البقية. واهتدى الكاتب في تحليله للوضع إلى أن أغلب النخب كانت تغازل النظام من أجل مصالح أغلبها تتمثل في مناصب عليا. خصوصيات المثقف الجزائري أنه كان صوتا لمن لا صوت لهم وكانت للمثقف الجزائري، حسب حميد قرين، خصوصياته في أعماله التي يقوم بها، وهي أنه كان صوت الذين لا صوت لهم في الجزائر من خلال دخوله في معركة مع السلطة عبر الصحف، وهو ما ولّد خوفا رهيبا للسلطة من النخب، والأمثلة الشاهدة على ذلك كثيرة، فعبان رمضان تم اغتياله لأنه كان منتجا للأفكار، والقاعدة العامة التي تعمل بها السلطة هي أن كل منتج للأفكار ومبدع يتم إقصاؤه كما هو الحال لمولود معمري الذي ناضل من أجل الحرية والديمقراطية، الأمر نفسه بالنسبة لمحمد ديب الذي لم يدخل الجزائر بسبب أفكاره المعارضة للأفلان. لا يمكن الحديث عن المثقفين دون فتح مجال السمعي البصري واعترف المتحدث بقلة النخب ببلادنا رغم الإمكانيات التي تتوفر عليها، وربط ذلك بعدم فتح مجال السمعي البصري وقلة القنوات التلفزيونية التي يمكنها خلق تنافسية، في ظل قدرتها الكبيرة على التأثير الشعبي المنشود لدى المثقف لنشر أفكاره، مؤكدا على أنه لا يمكن الحديث عن المثقفين دون فتح مجال السمعي البصري الذي يمكنه إعطاء صورة عن المثقف. السلطة اعتمدت على سياسة الإقصاء في مواجهتها للنخبة أما الأستاذ المهتم بالفكر الفلسفي نور الدين جباب، فقد ركز في مداخلته مطولا على أن الحديث عن علاقة المثقف بالسلطة تتطلب الحديث عن السلطة لأن هناك مقولة عند الساسة في السلطة تقول إن الذي ليس معنا، فهو ضدنا، وهي لجورج بوش، أما الحكام العرب فقد ذهبوا إلى أبعد من ذلك عندما قالوا «اللي مش معنا ضد الثورة»، والسلطة وظفت مفاهيم خطيرة. ويضيف المتحدث أن السلطة اعتمدت على سياسة الإقصاء في مواجهتها للنخبة، وأرجع الأمر كله إلى غياب ثقافة الدولة، رغم مرور خمسين سنة من الاستقلال، وتأسف ضيف نقاش «الجزائر نيوز» اعتماد السلطة الرشوة الاجتماعية لتحقيق ذلك، وأنها تقوم باستقطاب النخب من أجل تبرير ممارساتها، واتهم المتحدث السلطة بانحرافها عن التزاماتها، وعوض أن تتجه نحو بناء دولة المؤسسات، راحت تختزل هذه المؤسسات في أجهزة أمنية، وانتهى الأمر إلى جرّنا إلى مأزق كبير. العالم الخارجي هو من يحدد معالم الدولة وأصبحنا غير قادرين على تحليل مال السلطة وحمّل نور الدين جباب النخب مسؤولية الوضع الذي آلت إليه البلاد والفئة المثقفة لأن حتى النخب التي أبدت نوعا من الرفض للسلطة، لم يكن رفضها دفاعا عن قيم المجتمع بقدر ما هو دفاعا عن مصالح خاصة أغلبها عبارة عن مناصب، الأمر الذي ساهم في تغيير المفاهيم لأن اليوم أصبح العالم الخارجي هو الذي يلعب دوره في تحديد معالم الدولة، وأصبحنا بالتالي غير قادرين على تحليل مال السلطة. المثقف أصبح يعيد إنتاج خطاب السلطة ويبرر إيديولوجياتها واتفق المتدخل مع باقي المشاركين في النقاش على أن المثقف هو من ينتج الأفكار، وبالأخص الأفكار ذات المعنى، وبما أن الموضوع منحصر في علاقة المثقف بالسلطة، فهنا تتحدد المفاهيم لأن معنى المثقف هنا يتغير ويصبح ذلك الذي يعيد إنتاج خطاب السلطة ويبرر إيديولوجياتها. بومدين وظّف النخبة «المفرنسة» لضرب نظيرتها «المعربة» والعكس صحيح ووقف المتحدث على واقع هو أن السلطة منذ الاستقلال عملت على أن يكون لها مثقفوها الذين يخدمون مصالحها، وفي عهد بومدين وظف المثقفين، بل والأخطر من ذلك أنه كان يتلاعب بهم، حيث كان يستغل النخبة المفرنسة لضرب نظيرتها «المعربة» والعكس صحيح، فالجامعة في السبعينيات كانت لجنة مساندة له رغم وجود مقاومة لكنها ضعيفة، وكان هناك من المثقفين من برروا خيارات بومدين وأقنعوا المجتمع بها. مسألة شرعية مؤسسات النظام لا يمكنها أن تتماشى مع حرية التعبير كان الباحث في علم الاجتماع والتاريخ عبد المجيد مرداسي أكثر الناقمين على السلطة، حيث كان شديد اللهجة في انتقاده للسلطة باعتباره أكثر المضطهدين وأحد ضحايا ممارستها التي وصفها بالقمعية والخانقة للحريات وروح الإبداع، فقد استهل تدخله حول الموضوع بأن عمل المثقف مرتبط بوضعية الحريات ولا يمكن فصلها عن مسارها التاريخي، والإشكالية التي طرحها المتحدث هي أن الأزمة التي عاشتها الجزائر في 1962 ولّدت مسألة شرعية مؤسسات النظام التي لا يمكنها أن تتماشى مع حرية التعبير خاصة في ظل العنف الذي تمارسه السلطة. السلطة مارست قمعها للنخب حتى في فترة الاستعمار وإن كانت هناك إنتاجات بعض المثقفين التي كان يقتصر نشرها عبر الصحف، إلا أنها لم ترتقِ إلى مستوى المساهمات لأن أغلبها في الأدب، يقول الباحث في علم الاجتماع، ورغم أهميتها إلا أنها لم تكن كافية، ولم يكن لها تأثير على المجتمع. بومدين أكثر الذين مارسوا القمع ضد النخبة من خلال الطبيعة المزدوجة للنظام واتهم مرداسي الرئيس الراحل بومدين بأنه كان أكثر الذين مارسوا القمع ضد النخبة لأنه كان ينتهج سياسة الطبيعة المزدوجة للنظام، واعتمد على التعريب كهدف ثوري رغم حاجة المجتمع إلى تبادل للآراء والكتابات، وعاد المتدخل إلى الوضع الحالي للمجتمع بالتأكيد على أننا نعيش فترة خوصصة النظام الذي يحتّم على السلطة تحديد وظائف المثقف. في الجزائر يخيفنا المجتمع أكثر من النظام والتعريب هدفه استغلال اللغة سياسيا وشدد ضيف «الجزائر نيوز» على التأكيد بأنه كمثقف جزائري ليس فقط كجامعي عليه التزام ليس مع النظام بل مع المجتمع من أجل تمجيده، وفي الجزائر يخيفنا المجتمع أكثر من النظام لأن المثقف هو من يبني شرعيته من هذا المجتمع، وانتقد مرداسي سياسة التعريب التي عمدت السلطة إلى تبنيها لا لشيء سوى من أجل توظيف لغة نبيلة سياسيا، علما أن هذه السياسة سبق للاستعمار الفرنسي أن استخدمها، حيث أن أول شيء قام به هو قمع اللغة العربية.