مازال العديد من المهتمين بحقل الإعلام والإتصال في الدول المغلوبة على أمورها مرتبطة بتلك التعاريف التقليدية المتعلقة بالإعلام واعتباره وسيلة اتصال بين المرسل (الإعلامي) والمستقبل (الجمهور) عن طريق وسيلة إعلامية (تلفزيون، إذاعة، صحيفة...) تنقل من خلالها (رسالة) إعلامية التي تهدف إلى نشر أو تزويد الفرد أو الجماعة، بقدر كافٍ من المعلومات الصحيحة الواضحة والمدعمة بالأرقام والبيانات التي تناسب اتجاهات وميولات الجمهور المستهدف، كما أنه مازال طلاب الألفية الثالثة في مدارس تلك الدول يدورون في فلك تعاريف العربي / عبد اللطيف حمزة، والألماني أتوقرت" في فهم الإعلام بأنه ذلك التعبير الموضوعي الذي يتماشى وعقلية الجمهور المتلقي الذي لم يخرج عن (مرسل مستقبل قناة رسالة...) وما يدور حول مختلف الوسائل الإتصالية الجماعية والفردية (المرئية والمكتوبة والمسموعة) دون فتح المجال للرأي الآخر، الذي جاءت به الوسائل الإعلامية الحدثية للألفية الثالثة (القنوات الفضائية الرقمية، الأنترنت الفايس بوك التويتر اليوتوب البلوتوت الهاتف النقال) وما لحق به من رسائل قصير وصوتية، مخترقة بذلك كافة الموانع والحواجز والمحرمات القانونية الزمنية والمكانية، بفضل ذلك التنوع اللامتناهي، الذي ميز رسائلها الإعلامية المؤثرة وفق دراسات ومخططات هادفة، نحو توجيه أو تكوين رأي عام سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي وفق الرغبة والميول الإقليمي، وما يتضمنه من معطيات عن واقع المحيط من خلال تلك الأخبار والتحليلات والتحقيقات متفاوتة الدرجات في إشباع طموحات الجمهور الملتقي، لغرض الترقية والتجنيد، حول الظاهرة أو المشكلة المراد إثارتها أو تقويضها. نحو إعلام جديد ظهر الإعلام الجديد مع تطور وسائل الاتصال التكنولوجية، ما جعل مفهومها يكتسي نوعية من الاختلافات بين الباحثين والمختصين لمعالجة المفاهيم والمصطلحات الجديدة بتنظيم ندوات وملتقيات حولها تساعد على تقارب وجهات النظر حول ضبط المصطلح وتحديد المفهوم المحصور في “إعلام المجتمع والأفراد" وإبرازه في كفاءة وتوظيف التجارب والخبرات، والرؤى والمعلومة، في محيط الجماعة أو الأفراد المستقلين غير المنتمين أو الخاضعين لتنظيم سياسي أو المنجرفين لتيارات أو إيديولوجيات حزبية تلتزم فيها الجماعة أو الأفراد بسلوكات معنية، تخضع فيها للرقابة الذاتية (الضمير الفردي السياسي) حسب ما يشكله لديها الإعلام الجديد من رأي عن طريق الإتصال الإجتماعي (فايس بوك مدونات رسائل مختصرة فيديو صحافة إلكترونية) وغيرها من وسائل الإعلام الرمادي الذي جعل الشعوب المقهورة، تعتقد أنها فعلا مستقلة وتعيش في رغدة الديمقراطية وحرية التغيير والتفكير، مخلصة الأجيال الجديدة من الرقابة المفروضة على الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية والإلكترونية، ردحا من الزمن، فاتحة زعما، مجالات للحوار وإبداء الرأي والنقاش والحوار واحتكار الأفكار، بمختلف لغات التواصل والتخاطب “لغة الفرانكا" والخليط من اللهجات والإشارات، ذلك الفضاء الإعلامي المتطور والمتغير باستمرار، دفع بأنظمة الدول المتخلفة تسرع إلى إحداث تشريعات قوانين تسمى “قانون الإعلام للصحافة أو السمعي البصري أو الإشهار" الذي يهدف نظريا إلى تنظيم الحقل الإعلامي وضبطه، وفق ما تنص عليه المادة الأولى التي لا تخرج عن “تحديد المبادئ والقواعد التي تحكم ممارسة الحق في الإعلام وحرية الصحافة “كما هو حال القانون العضوي رقم 12 المؤرخ يوم 12 / 01 / 2012 المتعلق بقانون الإعلام الجزائري المتضمن 133 مادة أغلبها وقائية أو ردعية أو عقابية، وأخرى في حاجة إلى نصوص توضيحية وتطبيقية تفعيلية لما خرج عن ذلك، ما يؤكد للباحثين والدراسين والمشتغلين والممارسين للإعلان والإتصال ولمختلف وسائله ووسائطه ومستجدات تكنولوجياته بأن تلك الشعوب المغلوبة على أمرها قد أوقعتها مضامين قوانينها الإعلامية البدائية في دائرة الإعلام الرمادي. في إطار الإعلام الرمادي تعتبر ضوابط الإعلام الجديد وفضاءاته مجالا استراتيجيا للإعلام الرمادي، الذي يعتبره بعض الباحثين الممارسين بأنه جزء من الدعاية الرمادية، وإن كان مستقلا بقواعده وحيثياته وأهدافه، واستناده إلى بعض المصادر، والحقائق المبتكرة التي لا تنبئ بالشك إلا بعد حين، وذلك لحرص خبرائه على دقة ترتيب الحيل والخداع والأكاذيب ترتيبا مغرضا، لا يتفطن له المستهلكون للمادة الإعلامية من قراء ومستمعين ومشاهدين، ولما تتضمنه شبكة الربامج من اتجاهات ونوايا غامضة، لا يلاحظها الجمهور المستهدف، والمنجر وراء المصطلحات البراقة والمفاهيم الخداعة والأداءات المحيرة والأساليب الجادة في معالجة المواضيع السياسية الساخنة وقضايا البيروقراطية والرشوة والفساد بشتى مظاهره، باستشارة الخبراء والمختصين وتوظيف العلماء والمفكرين ورجال الدين، مستغلا آراءهم وإمكاناتهم الثقافية والعلمية والسياسية والاجتماعية ومخصصا لهم حصص ثابتة تحول الجمهور المستهلك للمادة الإعلامية الرمادية، يعتقد ويحس بأنه في وضعية اجتماعية واقتصادية وسياسية متوازنة تبعث على الأمان والاطمئنان النفسي والمستقبلي والوطني (التخذير الإعلامي المسبق). تعود فكرة الإعلام الرمادي إلى وزير الدعاية السياسية الرمادية الإعلامي الألماني المحنك جوزيف قوبلز (1897 - 1948) المشهور بمقولة “أكذب أكذب حتى يصدقك الناس" الذي وظف الإعلام الرمادي، الكاذب أثناء الحرب العالمية الثانية التي قادها وحده حتى اعتقد العالم أنه صديق هتلر صار فعلا زعيم ألمانيا وأوربا والعالم، بدعوى من يملك وسائل الإعلام يملك القول الفصل في الحروب الباردة والساخنة على حد سواء. وتلك الموهبة والعبقرية والحنكة الإعلامية الرمادية التي انفرد بها قوبلز، أهلته لأن يكون المؤسس الأول للمدرسة الإعلامية المتخصصة في الإعلام الرمادي، الذي أصبحت تسير عليه الدول المتطورة اليوم ومن مفارقة الزمن ومشيئة القدر وفي أوجّ أحداث الحرب العالمية الثانية، يأتي إلى الحياة الدنيا خليفة لقوبلز الألماني أحد العباقرة العرب، الذي طور الدعاية السياسية العسكرية بتوظيف الإعلام الرمادي وفق قواعد علمية معاصرة تتماشى والألفية الثالثة، إنه أستاذ اللغة الإنجليزية والصحفي الإذاعي المدني الشيعي الدبلوماسي وزير الخارجية ثم الإعلام العراقي محمد السعيد الصحاف، المولود عام 1940، الرجل الذي رفع التحدي وظل يدافع عن وطنه وحده بأسلوب ولغة عربية أبدع بها في الإعلام الرمادي، واصفا “المارينز" الأمريكي ب “العلوج" الكلمة والوصف الذي ارتبط به في الصحافة العالمية قبل العربية خلال الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، ذلك التوظيف الإعلامي الرمادي العربي الذي حمل المستهلكين والمتتبعين لخطب وبيانات ووعود الصحاف أن يتخيلوا بل ويتيقنوا بأن القوات العراقية الباسلة صارت على مقربة (مقبرة) من البيت الأبيض والبنتاغون بواشطن، لكن وما هي إلا لحظات حتى تبين ندى الضباب من ماء الصراب، إنه حال (الإعلام الرمادي). الإعلام الرمادي الجزائري 1990 يعود تاريخ الإعلام الرمادي في الجزائر إلى عام 1990 تاريخ صدور قانون الإعلام رقم 90 - 07 بتاريخ: 03 / 04 / 1990 المتعلق بقانون الإعلام والمتضمن (106 مادة) تنص الثانية منه على إعطاء “الحق في الإعلام يجسده حق المواطن في الاطلاع بكيفية كاملة وموضوعية على الوقائع والآراء التي تهم المجتمع على الصعيدين الوطني والدولي وحق مشاركته في الإعلام بممارسة الحريات الأساسية في التفكير والرأي والتغيير" الذي بموجبه تم الترخيص للجمعيات ذات الطابع السياسي والأشخاص الطبيعيين الخاضعين للقانون الجزائري، بإنشاء نشريات إخبارية يومية ودوريات عامة أو متخصصة دفعت بالبعض من المهنيين والسياسيين والعديد من أصحاب الشكارة والبقارة والهدارين، والوصوليين والانتهازيين إلى إصدار يوميات وأسبوعيات ودوريات تطبع ولا تقرأ، غير معروفة الفكر والإتجاه لم يبق منها اليوم (2012) أكثر من (80 عنوانا)، يومية تصدر باللغة العربية والأمازيغية والفرنساوية، يتمحور مضمونها في الأخبار والرأي والإثارة والجدل العقيم دون دراسات وبحوث وتحاليل تخدم الصالح العام وتثمن المسار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بل سارعت بعضها إلى نشر الفتن وإثارة النعارات العرقية والقبلية والجهوية والمذهبية والنبش في القبور وأعراض الناس، أدخلت البلاد والعباد في دوامة عرفت بالعشرية السوداء، مستهدفة باسم حرية التعبير تقويض أركان الدولة وتاريخ شعبها العريق من خلال ذلك الإعلام الرمادي الكاذب (إعلام تمرميد الجزائر) اللهم إلا بعض العناوين للمهنيين الأوفياء لمبادئ نوفمبر التي كانت ومازالت متخندقة تدافع عن الجادة المثلى للرسالة الإعلامية الجزائرية النبيلة التي كلفت العديد من أرواح الصحفيين (133 صحفي) والمفكرين والجامعيين (350 كاتب وباحث ومفكر) وأصحاب الكلمة الصادقة والرأي السديد بسبب فقدان البصيرة وتحديد وتسديد هدف الرسالة الإعلامية المؤمنة للنتائج على المديين القريب والبعيد، والمسايرة اللازمة عن قرب للعملية الإعلامية المنصوص عليها في التشريع المعمول به احترازا من الانزلاقات وخيمة العواقب، مثلما نتج عن قانون إعلام القرن الماضي (نتائج قانون 1990) الذي ساهم في العديد من التناقضات الخطيرة التي عرفها مسار الصحافة المكتوبة وعجلت بإعادة النظر في المنظومة الإعلامية وبتعديل ما بقي صالحا من بنوده لمسايرة إعلام الألفية الثالثة، لقد اتسعت فيه دائرة الفضائيات والإعلام الإلكتروني، الذي فرض واقعا حديثا تجمعت فيه كل المقاييس السيادية المطلقة بتحطيم الحواجز واختراق الموانع الإعلامية لامتناهية التنوع والمضمون من خلال تلك التطورات التقنية والقدرات المتمكنة من تغطية الفضاءات والوصول إلى الجماعات والأفراد بسرعة دون حسيب أو رقيب، والتي لا تستطيع الدول المغلوبة على أمرها أن تقلل من خطرها، بسن قوانين بمفاهيم بدائية غير قادرة على مواجهة المد الإعلامي السمعي البصري العابر للقارات الذي يدخل في إطار ورقة طريق إعلام الألفية الثالثة المتعلقة ببسط نفوذ سيكولوجية الإعلام والإتصال المصطلح عليه بإعلام الحرب العالمية الخامسة. ذلك القانون رقم 12 - 05 المؤرخ في 12 / 01 / 2012 المتعلق بقانون الإعلام الجزائري الذي جاء ليقي الجزائر من تبعات القانون السابق رقم 90 - 07 المؤرخ في 03 / 04 / 1990 الذي ترتب عنه فقد العشرات من الصحفيين كالطاهر جاووت، وإسماعيل يفصح، وأحمد خلفون والطيب بوترفيف، وعمر أوتيلان... وغيرهم من الإعلاميين والصحفيات الذين سخروا أقلامهم وأصواتهم قربانا لحرية الرأي والتعبير، دفاعا عن قيم ومبادئ ثورة التحرير المباركة وشرعيتها الثورية والدستورية. وعن المهنة الإعلامية المقدسة تلك الرسالة النبيلة التي رمدها رفقاء مهمة المتابعة وانغماسهم في الخداع والكذب على السادة والقادة والأمة والشعب من أجل دراهم معدودة تساعد على توسيع دائرة الإعلام الرمادي التي نتمنى أن يفوت فرصتها القانون الجديد المؤسس لانطلاق الإعلام الجديد المسمى “السمعي البصري" الذي بدأت دكاكين حوانيت قنواته تتسابق إلى احتواء ما بقي من جمهور الفضائيات العابرة للقارات التي وجد بعضها ضالته الإعلامية الرمادية بالتحامل على المجتمع الجزائري و(تمرميده) بالصورة والصوت دون وازع مهني أو وسائط دولية تحمي العباد والبلاد من ثقافة الإعلام الرمادي الهالك الذي تزعمه وأبدع فيه كل من الشيخين قوبلز والصحاف.