مرّت سنوات على اشتغالي بالكتابة كشأن وجودي يزداد عمقا يوما عن يوم، خلال تلك السنوات تطوّر وعيي بالكتابة تماما كما تطور وعيي بالواقع الذي لا يستدعي اسباب الكتابة بقدر ما يحيل على السؤال عن الحياة، ولكن ما هي الحياة بعيدا عن الحلم ؟ وكيف يمكن للكتابة أن تجرجر البؤساء من أمثالي الى الحلم؟ لقد كان بوسع الكتابة أن تكون كوّة مهما ضاقت للنظر الى واقع يتّسم في العموم بالبؤس، ولكن بعين الجمالية وبصياغته وبعثه على شكل نص، ولقد ظللت أردّد أننا ككتاب نخدم الواقع وكل منظوماته أكثر مما يمكنه أن يخدمنا، ان الحديث عن الأزمة الأمنية أو الحرب الأهلية أو الحديث عن الثورة الزراعية أو الثورة التحريرية أو الحديث عن البؤس السياسي والاجتماعي وقهر المرأة والرجل معا، كل ذلك يتحول الى محاضرات تسعى الى تشريح الواقع وتفسيره وتبريره اذا اقتضت الضرورة، وبالطبع يصيب المتلقي بالقرف في الغالب، ونحن نخدمه من جهة التماس أعذار فنية له، نحننحوله الى أمر مقبول حتى ونحن ننتقده ونعريه ونكشفه· لا تحتفظ الكتابة بوصفها كوة للحلم فقط، فلعلاقتها بالكاتب أكثر من شكل وأكثر من حالة، ولأني بصدد الحلم والكتابة فسأتنازل عن صفات أخرى وأشكال وألوان من الكتابة ورغباتها، فأنا سأعتبر أن الكتابة انتقاما هي أمر مؤجل، والكتابة حقدا والكتابة فرحا والكتابة بوحا والكتابة كتابة ···، وسأكتفي بالتعبير عن الصّفة الأقرب الى كل الألوان والأكثر صفاء، أقصد الكتابة كحلم في واقع لا يتسم بالحُلم والحِلم،عندما أطل من تلك الكوة أرى الموت ولكن بجمالية، أرى الحب بصفائه وتقلباته وعقده، أرى البشر السيئين والطيبين معا، أراني قبيحا ومتفوِّقا -وهذا أحد الأمور المشجعة- أرى ذلك وأكثر من كوة تفتحها الكتابة، لهذا أقرر أن أبقى لأني سأكتب· النص القادم في رأيي سوف لن يخرج عن رغبتي في بعثي مجددا وان كنت في رميم، أعتقد أنني لن أوفر سببا لبقائي الا عبر الكتابة، ولن أتملص من وظيفتي ككاتب حالم طالما أنا لا املك بديلا، وعلى العكس أتصور أن الكثير من الكتاب حلّوا الى النص عبر الحلم أو العكس،هنا أتحسس كما لو أن الواقع أو أسبابه المميتة تتراجع سطوته ليسلم الأمر الى واقع ذهني، أتحسس تفوق الكتابة كشأن وجودي ذاتي، ولكن أيضا كسعي الى استبدال عنف الآن بشفافية النص الذي يستبد بكل ذلك في فنية عالية· لأجل هذا أجدني مطالبا بالحلم بالنص القادم، وكاتبا للواقع كما لو أنه حلم·