للثورة الفلسطينية المعاصرة تاريخ نضالي عريق، سطرته فصائل العمل الوطني الفلسطيني كافة، وقدمت خلال مسيرتها العريقة مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والأسرى على مذابح الحرية، وسطرت خلال العقود الماضية بطولات نادرة، ووقفات شامخة وإنجازات عدة، شكلت بمجموعها تراثا زاخرا وحافلا بالمآثر البطولية. وكان لحركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح" التي فجرت شرارتها الأولى منذ انطلاقتها في الأول من كانون ثاني / يناير عام 1965، دور ريادي بارز على كافة المستويات والصعد، دور ساطع ورائد (لا) يمكن حجبه أو إزالته من التاريخ الفلسطيني المشَّرِف، كما (لا) يمكن القفز عنه، لأنه يشكل أساسا لتاريخ شعب بأكمله. وحركة “فتح" هي شرارة الثورة ووقودها الأساسي وقلبها النابض، والثورة الفلسطينية وجدت لتبقى ولتنتصر، لم ولن تموت أبدا، فهي باقية وماضية في طريقها نحو تحقيق أهدافها في الحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. «فتح" بتاريخها وارثها ومستقبلها هي ليست حكراً على الفتحاويين ، وإنما هي ملك للشعب الفلسطيني و مكون أساسي من مكوناته ، وهي اسم لحركة تحرر وطني تغنى بها الأجداد والآباء ، وسيرددها الأحفاد ، لطالما بقىّ الشعب الفلسطيني حياً ، وهو حي ( لا ) يموت .... « فتح “ التي كثيرا ما انتقدناها وانتقدنا قياداتها ونهجها وأسلوبها، تبقى هي الأم التي (لا) غنى عنها، يحفظها الشعب في قلوب أبنائه - شئنا أم أبينا - وترددها الألسن في كل الأزمنة والأوقات، ويفخر بها كافة الأجيال، لتحجز لها مساحة واسعة وأبدية في الذاكرة الفلسطينية المعاصرة. «فتح" أبو عمار وأبو جهاد والكمالين، “فتح" عيلبون و«الساحل" وفندق سافوي، “فتح" ميونخ وديمونا ووادي الحرامية، “فتح" بهاء اسعيد ووفاء إدريس وشادي السعايدة، “فتح" محمود حجازي وفاطمة البرناوي ومروان البرغوثي وكريم يونس، لهي مفخرة ومبعث للاعتزاز والشموخ ليس لأبناء (فتح) فحسب وإنما لكل أبناء الشعب الفلسطيني الذين يحق لهم أن يفخروا ويعتزوا بهذه المناسبة العظيمة لما تحمله في طياتها من معانٍ سامية ومدلولات عظيمة وحقائق ثابتة. «فتح" هي أول الرصاص وأول الحجارة.. وهي من أشعلت الثورة وأوقد فتيل الإنتفاضتين، “فتح" أول الشهداء وأول من افتتح معاناة الأسرى وكان منها أول أسير وأول أسيرة، وكانت ولا زالت تشكل الأغلبية من مجموع الحركة الأسيرة وعمودها الفقري في كافة الأوقات، مما يعكس حجم دورها الطليعي وحضورها اللافت في ساحة النضال الأرحب، وقدمت خلال مسيرتها الطويلة عشرات الشهداء خلف القضبان من أعضائها وقياداتها. وهي أكثر الفصائل الفلسطينية تحريرا للأسرى من خلال صفقات التبادل أو عبر “العملية السلمية" منذ اتفاق أوسلو، وقد شكل مؤسسها وقائدها الشهيد الرمز “أبو عمار" رحمه الله، الأب الروحي والقدوة للحركة الوطنية الأسيرة، ومبعثا للعزيمة والإصرار وشحذ الهمم وتعزيز الصمود والأمل لديهم، وهو القائد الفلسطيني الأوحد الذي نجح في الجمع ما بين المقاومة والتفاوض في تحرير الأسرى. وتتشابك “حركة فتح" في تجربتها التنظيمية والنضالية مع مجمل التجربة الجماعية للحركة الأسيرة، لكنها كانت الأكثر حضورا وتأثيرا على مدار العقود الماضية. وبمناسبة ذكرى الانطلاقة، فإنني أبرق أحر وأصدق التهاني والتبريكات لسيادة الرئيس محمود عباس “أبو مازن" ولأبناء الشعب الفلسطيني عامة في الوطن والشتات، وللإخوة في حركة فتح خاصة، قادة وكوادر وأعضاء وأنصار، بمناسبة حلول الذكرى ال 48 لانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة التي فجرت شرارتها الأولى حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح" في الأول من كانون ثاني / يناير عام 1965، ومن حقنا أن نهنئ أنفسنا، وأن نسجل فخرنا بهذه المناسبة الوطنية وأن نحييها بالطريقة التي تتلاءم ومكانتها العظيمة وتاريخها العريق وشعبيتها الجارفة... وهنيئا لنا ولكم. من الأوراس إلى الكرمل.. الثورة مستمرة ولطالما أننا نتحدث عن الثورة الفلسطينية المعاصرة وذكرى انطلاقتها وانطلاقة حركة “فتح"، فلا بد أن نستحضر تجربة بلد المليون ونصف المليون شهيد، الجزائر الشقيقة التي شكلت بثورتها ضد المستعمر الفرنسي نموذجا لنا، بعظمتها وعنفوان ثوارها وبطولة صناع أمجادها وإخلاص بناة حاضرها ومستقبلها بعد استقلالها. وستبقى صرخة رئيسها السابق هواري بومدين “نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة" تصدح في آذاننا، لأنها ليست مجرد صرخة من رئيس غادر سدة الحكم وفارق الحياة، بل لأنها صرخة توارثتها الأجيال، ورددها الرؤساء المتعاقبون على الجزائر الشقيقة وشعبها العظيم، كما لا ننسى مقولة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بمعانيها العميقة “إن استقلال الجزائر ناقص دون استقلال فلسطين". كما يحضرنا بهذه المناسبة الموقف الرائع لصحيفة “الشعب" الجزائرية التي قررت إصدار ملحق أسبوعي خاص بالأسرى “صوت الأسير" ابتداءً من الأول من يناير عام 2010 تزامنا مع الذكرى ال 46 لانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، على أن يوزع مجانا مع الصحيفة وبشكل دائم ومنتظم في كافة مدن ومحافظات الجزائر الشقيقة. هذا الموقف غير المسبوق في الصحافة العربية والذي يعكس حجم اهتمام الإعلام الجزائري الرسمي بالقضية الفلسطينية عامة وقضية الأسرى خاصة، وهو امتداد طبيعي لدور الجزائر الشقيقة في دعم الشعب الفلسطيني وثورته وقضيته. وفي الختام صدق من قال: من الأوراس إلى الكرمل.. الثورة مستمرة عاشت الذكرى.. عاشت الانطلاقة.. عاشت الثورة...