الفنّ بالنسبة إليها، رسالة عن الواقع والمحيط الذي من حولنا، تملك من الأحاسيس والرقة ما يجعلك تشعر بإبداعها من أول مرة، حتى وإن كنت لا تعرفُ عنه شيئاً، بابتسامتها الموزونة وكلامها الهادئ تُعبّر عن نفسها وتشرح مواقفها بسكون، تحمل بين كفّيها مجموعة من الأقلام والألوان لترسم بهم آمالها وآلام جميع الجزائريات اللّواتي يُعانين التّهميش والانعزال. إنّها الفنّانة التشكيلية “حسينة عريبة" صاحبة ال 26ربيعا، حكايتها بدأت مع الأقلام والأوراق البيضاء، كمعظم مبدعي هذا الفن الراقي، في سن مبكرة، ففي سنتها الثامنة خطت أولى “خربشاتها" على الورق، مُجسدة تعابيرا بريئة تُترجم اهتماماتها انذاك، فصورت البحر والشمس... وغيرها من الأشكال البسيطة المُحيطة بها وانتظرت سن السادس عشر لتُبرز أحلامها الكبيرة، ورغم مُزاولتها الدراسة إلا أن ميولها الكبيرة للألوان جعلتها تأخذ من أوراقها الدراسية مصدرا أساسيا لعالمها الإبداعي، وفي هذه الفترة بدأت رغبة تراودها في عرض لوحاتها للجمهور، هنا لمست أستاذة مادة الرسم بالإكمالية موهبتها فنصحتها بالانضمام إلى مدرسة “الفنون الجميلة" لكنها رفضت الفكرة واختارت منذ البداية العصامية طريقا لها، لذلك قدمت للفن كل وقتها، واعتبرته منذ البداية رسالة سامية للتغيير في مجتمع مليء بالآفات والطابوهات. تأثرت الفنانة حسينة، بالعديد من الرسامين العالميين منهم الفنان الفرنسي “موني" والإيطالي “زولا" والإسباني “بابلو بيكاسو"، ومن الجزائريين مالت منذ البداية إلى الفنان “محمد إيسياخم" حيث أعادت بعض لوحاته على الخزف، والفنانة “عائشة حداد" صاحبة “شجرة المفاتيح" التي اقتبستها على اللوحة، كما تعترف الفنانة حسينة كثيرا بفضل الفنان “عبد الكريم كرميش" الذي كان دافعا لمواصلة إبداعها، من خلال تشجيعاته ونصائحه، وقد عملا معا منذ عشر سنوات في ورشة للخزف، وهناك أحس بموهبتها وقدرتها الفائقة في الإبداع الفني ما جعلهما يربطان صداقة ما زالت خيوطها ممتدة إلى اليوم. كان أول معرض لها سنة 2008 بمركز “ثري ديزاين شوك" بتيقصراين، حيث تواصلت مع الجمهور ببعض من لوحاتها، أهمها “الطبيعة الميتة"، “شموع الحياة"، “لوحة المفاتيح" وقدمت سنة 2010 ب “قالدي دار" بدالي ابراهيم مع الفنانة زولا جنان، سبعة لوحات منها “الأمواج المتمردة"، “الفن القبائلي". كما شاركت في معرض جماعي خاص بتكريم الفنانة الراحلة “عائشة حداد" شهر ماي الماضي بمركز “فنون وثقافة"، بلوحتها “القصبة.. جامع سيدي عبد الله"، كما عرضت، مؤخرا، بمركز “التسلية العلمية" بالعاصمة و«فن وثقافة" بالأبيار، لوحات فنية أخرى أشهرها “المرأة البورجوازية"، مما يحسب لها مجموع 28 لوحة معروضة، تميل في تعابيرها إلى الطبيعة البسيطة بألوانها والأشكال الكثيفة والمتداخلة التي تدفع الإنسان للتفكير في اللوحة. وتستخدم حسينة عريبة التراث الأمازيغي من خلاله تشكيله بألوان جديدة وإعطائه هويته الفنية. وتقول حسينة أنها تفضل سكينة ما بعد منتصف الليل لإبداع لوحاتها، فهي تسهر معها حتى ما قبل الفجر لتُخرجها في هدوء وسكينة ورقة متميزة. حينما سألناها عن مستقبل الفن التشكيلي في الجزائر، صمتت قليلا، ثم ردت علينا بهدوئها المعهود “أنا لست سلبية، لكن الظروف الثقافية المحيطة بالفنانين التشكيليين لا تشجعهم على انتهاز الفرصة للبروز"، وتمنت أن يجد المبدعون في بلادنا من يدعمهم ويأخذ بأيديهم لإبراز أعمالهم في معارض خاصة أو جماعية من خلال توفير قاعات عرض وإتاحة الفرص التحفيزية، مضيفة “أتمنى أن يكون مستقبل الفنان في الجزائر وليس في الخارج". طموحاتها الفنية لا تعرف حدودا، أبرزها أن تصنع بصمة فنية خاصة بها، حتى يستطيع كل من يشاهد لوحاتها التعرف عليها مباشرة، كما أنها تحمل فنها كمشروع ترغب في إيصاله إلى آخر نقطة يمكن بلوغها، والعمل على فتح قاعة عرض خاصة بها تحت شرف عنوان أول معرض في مشوارها الفني “ريشة وإبداع" ووضع فضاء حر مخصص للأطفال الموهوبين في مجال الرسم والفن التشكيلي لمساعدتهم في صقل مواهبهم الفنية. «حسينة عريبة"، فنانة تشكيلية متميزة، تبدع على القماش، على الورق، على الخزف... كما النحاس والخشب والجدران وتُعيد إحياء الشخصيات التاريخية من خلال بورتريهات خاصة، إنها النموذج الواقعي لمبدعة جزائرية عصامية استطاعت أن تشق طريقها الوعر من خلال طموحها وإرادتها.