عرفت الأوضاع السياسية في غالبية دول الربيع العربي، التي فاز فيها الإسلاميون - الإخوان تحديدا- بالسلطة تأزما حقيقيا خلال الآونة الأخيرة، وإذا كانت الحكومة المغربية، التي يقودها الإسلامي عبد الإله بن كيران، ما فتئت تتلقى الانتقادات بسبب الوضع الإقتصادي الحاد الذي لم تستطع هذه الحكومة معالجته، فإن الأمور في مصر وتونس، وكلاهما بلد وصل فيه الإخوان إلى الحكم، وصلت إلى “عنق الزجاجة". وفي مصر أثارت طريقة حكم الإخوان حفيظة عموم الأحزاب والقوى العلمانية والكثير من شباب “الفايسبوك"، وكلهم تقريبا يتهمون الإسلاميين بعدم معالجة الأوضاع المعيشية الصعبة في هذا البلد وكذا التفرد بالحكم لا سيما بعد الإعلان الدستوري الذي أعطى صلاحيات واسعة للرئيس الإخواني محمد مرسي، أما في تونس، ورغم أن حزب النهضة، وهو حزب إخواني حائز على الأغلبية، لم يقم بسن قوانين لا تحظى بالإجماع، كما حدث في مصر، إلا أن الأوضاع في هذا البلد اتخذت منعرجا خطيرا مؤخرا عندما اغتيل المعارض اليساري التونسي شكري بلعيد وما تبع ذلك من اتهام عائلته صراحة لحركة النهضة بتدبير عملية الاغتيال في بداية الأمر ثم ما لبثت أن تراجعت عن هذا الاتهام، وقالت إن النهضة مسؤولة عما حدث بشكل أو بآخر. وعندما يؤكد زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي أن ما حدث في تونس هو من “معتاد الثورات"، فإن كلام الغنوشي قد لا يفسر كل شيئ، وذلك على اعتبار أن الأمور في بلد مثل تونس، وهي بلد عُرف دائما بتقدمه الاجتماعي، ظهرت مؤخرا وكأنها قريبة من الخروج عن السيطرة ونفس الشيئ يمكن قوله، أو أكثر، بخصوص مصر التي تمتد بدايات النهضة وتقاليد الممارسة السياسية فيها إلى زمن طويل. ويشير بعض المحللين، في معرض سقوط الإخوان خلال “اختبار الحكم" في دول الربيع العربي، إلى ما يشبه تفسيرا لما يحدث عندما يؤكدون على الإستثناء التركي في هذا الإطار، ويقولون إن الإخوان المسلمين في هذا البلد عندما حكموا تركيا، بنوع من الاقتدار والسلاسة، إنما فعلوا ذلك بالاعتماد على قاعدة متينة من الممارسة السياسية المتأصلة في “جذور علمانية" منذ بناء الدولة في عهد مصطفى كمال أتاتورك، وبغض النظر عن مدى صحة هذا العامل، فإن الكثير من المساحات “الرمادية" تبقى قائمة في طريقة حكم الإخوان المسلمين بدول الربيع العربي وهم الذين درج محللون على تصنيفهم ضمن أكثر التيارات الإسلامية قربا من الفكر السياسي الحديث ومفاهيمه المتعلقة بالديمقراطية. ويقول كمال راشدي أستاذ العلاقات الدولية بكلية الإعلام والعلوم السياسية بجامعة الجزائر- 3، إن الأحزاب الإسلامية والإخوان المسلمون خصوصا، لا يقدرون السلطة حق التقدير عندما يكونون خارج الحكم، مشيرا إلى أنه كان ينبغي عليهم أن يقوموا بتوضيح مشروع المجتمع الذي يريدون إقامته، قبل الانتخابات، كما أكد ذات المتحدث على أهمية تفادي الإرتجالية وأهمية العامل المرتبط بالدراسة المعمقة للتركيبة الإجتماعية في هذه البلدان. هناك نظريات علمية في مجال الديمقراطية تشير إلى كون هذه الطريقة في الحكم يتناسب نجاح تطبيقها طردا مع درجة الوعي السياسي في المجتمع، وحسن التأطير وتوفر قاعدة اقتصادية صلبة في المجتمع، ولا أحد يستطيع تقدير مدى وجود هذه العناصر في دول الربيع العربي التي يحكمها الإسلاميون، وخاصة الإخوان، لكن من المؤكد أن مهمة هؤلاء لن تكون سهلة لأسباب ذاتية تتعلق بإغفالهم الكثير من المعطيات المتعلقة بتركيبة المجتمعات التي يحكمونها وحضور تيارات قوية فيها لا تتوافق بالضرورة في طرحها مع الإسلاميين، أما الأسباب الأخرى فقد تكون موضوعية وذات علاقة بالظروف الإقليمية والدولية المحيطة وهي ظروف عادة ما تكون مناوئة للإسلاميين، وليست محابية لهم، ضمن عالم مترابط تلعب فيه العلاقات الإقتصادية الدولية دورا كبيرا في تحقيق الإستقرار الداخلي داخل الدولة الواحدة.