أصبح “الإخفاق" هو العنوان المميز والسمة البارزة للأحزاب في المشهد السياسي الجزائري، ورغم أن مختلف التشكيلات السياسية تعيش نوعا من الحراك في فترات الانتخابات من أجل البحث عن التموقع وإثبات الحضور إلا أن هذه التشكيلات السياسية، سواء كانت ضمن التيارات الوطنية أو الإسلامية أو الديمقراطية، تصبح على صعيد واحد من الفتور عندما يتعلق الأمر بالتحديات الكبرى التي تميز حياة المواطن على غرار ما حدث مع الفساد واختطاف الأطفال واحتجاجات الشباب البطال بالجنوب. بالأمس فقط، عرفت الساحة السياسية إنشاء تكتل سياسي جديد أطلق عليه إسم “القطب الوطني"، مكون من عشرة أحزاب سياسية درج المحللون على تصنيفها ضمن الأحزاب “الصغيرة والمجهرية"، ورغم أن العبرة لا تكون دائما بحجم التشكيلة السياسية وامتداداتها في الميدان وفي الرقعة الجغرافية، إلا أنه من الضروري التساؤل عن جدوى وأهمية إنشاء مثل هذه التكتلات إذا كانت الأحزاب التي تصنعها هي في الأساس دون حضور قوي في نوعية الخطاب السياسي وعلى صعيد تقديم الحلول التطبيقية لمختلف التحديات الكبرى التي يواجهها المواطن، وقبل ذلك أنشئ تكتل الجزائر الخضراء الذي يضم ثلاثة أحزاب سياسية إسلامية أحدها معروف، وهو حركة مجتمع السلم، كان أيضا أحد الأحزاب الثلاثة للتحالف الرئاسي الذي شغل الرأي العام الوطني لسنوات طويلة، لكن من دون أن يقوم بحل ولو جزء يسير من المشاكل المتراكمة. ويقول أحد أساتذة العلوم السياسية الذين حاورتهم “الجزائر نيوز"، أن الهدف من تكتل الأحزاب، هو البحث عن التفاوض، لكن التفاوض مع من؟ مع السلطة طبعا، وفق هذا الخبير السياسي الذي يقول أيضا إن هذه الأحزاب تنتظر الرد من السلطة وليس من الناخب. قد يكون لهذه الأحزاب بعض الأعذار عندما نرى أن الناخب الجزائري أصبح خلال السنوات الأخيرة “سلبيا" ولا يذهب إلى صناديق الاقتراع، لكن هل تم البحث عن الأسباب التي جعلته يتصرف على هذا المنحى؟ وهل من المعقول ربط العربة أمام الحصان وإلقاء اللوم على الناخب رغم أنه هو من يشكل هدف العملية الانتخابية؟ قد يكون لهذه التشكيلات السياسية بعض الأعذار أيضا عندما نتفحص ما يقوله رئيس حزب “جيل جديد"، جيلالي سفيان، من أن الغلق الذي مارسته السلطة إزاء المجال السياسي منذ سنوات منع هذه الأحزاب من تنظيم نفسها على أكمل وجه، غير أن ذلك لا يمكن أن يفسر كل شيء من وجهة نظر المواطن الذي لا يزال عاجزا عن فهم قلة الفعالية لدى التشكيلات السياسية وعدم قدرتها على فرض نفسها أمام السلطة وإيجاد الحلول الواقعية، ولو نظريا، لمختلف الملفات الثقيلة التي يرزأ تحتها المجتمع الجزائري. وبعبارة أخرى، فإن هذه الأحزاب لم تثبت حضورها في الميدان حتى ضمن المجال الذي تسمح به السلطة، وفي الحملات الانتخابية مثلا نجد خطابات مسؤولي الطبقة السياسية لا تتعدى العموميات، ومن النادر أن تجد مثلا رئيس حزب سياسي أو ناطقا رسميا يلجأ إلى تحليل مشكل أو ظاهرة تؤرق الجزائريين من خلال الجزئيات والتفاصيل، بالرغم من أن ذلك أمر مهم لأنه من خلال التفاصيل تظهر تراكيب الحلول لمشاكل معقدة تلف مجتمعا بكثافة سكانية كبيرة وتنوع غني مثل المجتمع الجزائري.