لم تمر حادثة مقاطعة طاقم مولودية العاصمة من لاعبين ومسيرين ومدربين لحفل توزيع الميداليات عقب انهزامهم في نهائي كأس الجمهورية أمام اتحاد العاصمة، دون أن تخلف وراءها ردود أفعال عنيفة على كل المستويات بدءا بالهيئات الرياضية الجزائرية ممثلة في اللجنة الأولمبية، الفاف والرابطة، مرورا بالفاعلين في الساحة الكروية وانتهاء بالرأي العام الكروي، حيث عبروا عن رفضهم التام للسلوكات التي بدرت عن مسيري مولودية العاصمة وعلى رأسهم غريب وعمروش والمدرب مناد، وأبدوا استياءهم الكبير للخرجة غير المتوقعة من فريق يقال إنه يملك مناصرين في كل ربوع الوطن، وهو فوق كل ذلك يعتبر عميد الأندية الجزائرية... إن التبريرات التي قدمها منسق فرع كرة القدم غريب غير مؤسسة ولا تستند إلى أي منطق، كما أن الاعتذار الذي قدمه إلى الوزير الأول سلال وكل الطاقم الحكومي والشخصيات والضيوف الذين تابعوا اللقاء سوف لن يجدي نفعا، طالما وأن قرار المقاطعة لا يمكن تبريره أو محاولة الهروب من عواقبه بأسلوب الاعتذار، لأن ما أقدمت عليه مولودية العاصمة يعد سابقة خطيرة في الرياضة، إذ لا تحتفظ الذاكرة الجزائرية وكذا الأجنبية بحادثة مخزية مثل التي حدثت الأربعاء الماضي بملعب 5 جويلية، كما أن الأجيال القادمة ستسجل في ذاكرتها بأن الطبعة ال 49 لكأس الجمهورية تعدت القيم الأخلاقية والرياضية وبلغت درجة كبيرة من الانحطاط وخدشت مشاعر عشاق الكرة في الجزائر والعالم، وهي فوق كل ذلك ستبقى وصمة عار في سجل كأس الجمهورية. لا داعي في هذا المجال أن نشير إلى أن ما أقدمت عليه مولودية العاصمة لم يسبق أن شهدته الملاعب العالمية منذ البدايات الأولى للعبة، حيث تقضي البروتوكولات في نهائيات الكؤوس على اختلافها أن يتسلم الفريق المنهزم الميداليات بكل روح رياضية قبل أن تسلم الكأس لمن اجتهد وفاز بها، والكل يفترق في أجواء احتفالية كما تعودت عليه الجماهير الجزائرية منذ عشرات السنين. ولعل ما يثير الاشمئزاز والغرابة ونحن نتحدث عن مهزلة حقيقية حدثت أمام أعين العالم الذي تابع النهائي، هي تلك التبريرات الواهية التي أراد منها غريب ربما التخفيف من حجم الكارثة التي تسبب فيها، حيث لم يتردد في محاولة إبعاد المسؤولية عنه في اتهام اللاعبين لأنهم كانوا في حالة يرثى لها، وبالتالي فقد قرروا عدم أخذ الميداليات ومقاطعة حفل تسليم الكأس. ومع الأسف فقد جاءت تبريرات غريب متأخرة لأن الأسباب الحقيقية التي تحدث عنها على الساخن تكمن أساسا في عدم رضا الفريق بالقرارات التحكيمية في إشارة ضمنية إلى أن الحكم حيمودي أثّر على سير اللقاء ومنع فريق المولودية من التتويج. إن التخوف من خروج اللقاء عن النص لم يحدث نتيجة تهور الأنصار خلال اللقاء أو بعده، بل صدر مع الأسف الشديد من مسيري أحد الأندية العريقة التي تملك تاريخا مليئا بالمواقف والانتصارات خلال الثورة التحريرية وبعدها، ويكفي في هذا المجال الإشارة إلى أن مولودية العاصمة هي أول فريق يهدي الجزائر الكأس الإفريقية للأندية سنة 1976 بفضل المسيرين الأكفاء ومجموعة من اللاعبين رفعوا الكرة الجزائرية إلى أسمى درجاتها وجماهير وفية كانت دائما وراء هذا الفريق خلال كل مراحله ومغامراته المحلية والإقليمية والقارية، وما تزال دائما شغوفة بخرجاته، حيث تقيم الأفراح لانتصاراته وتتقبل نكساته وخسائره بكل روح رياضية، إيمانا منها بأن لعبة كرة القدم لا تجامل محبيها ولا تؤمن سوى بمن يعطي لها حقها من المتعة والنكهة ولا تقبل بغير اللعب النظيف والمردود الميداني. لا نغالي إن قلنا أن المولودية اليوم تعيش أتعس مراحل تاريخها المجيد والحافل بالألقاب والبطولات والأمجاد، ولم يسبق أن أشرف عليها مسيرون في هذا المستوى من الانحطاط وعدم المسؤولية، حيث داسوا على القيم الكروية وأهانوا أنصارهم ومحبيهم وألوان الفريق، وهم بالتالي أعطوا للجميع اليقين بأنهم ليسوا أهلا لتسيير فريق من حجم المولودية، ومهما كانت العقوبات المعنوية والمادية التي ستسلط عليهم، فإن الثابت أن المسيرين الحاليين وعلى رأسهم غريب عليهم أن يغادروا دون رجعة لأنهم ببساطة أضروا بسمعة هذا الفريق ومحوا كل ما قدمه طوال مسيرته، وزجوا به في متاهات هو في غنى عنها، لأسباب واهية لا يتقبلها العقل. وفي انتظار العقوبات التي ستنزل على الفريق من الرابطة الوطنية لكرة القدم على ضوء ما ستقوله الأطراف الثلاثة ممثلة في غريب، عمروش ومناد، الاثنين القادم، أمام المجلس التأديبي للرابطة، يبقى الجميع يترقب مستجدات هذا الملف الذي لطخ سمعة الكرة الجزائرية أمام العالم، وعلى مسؤولي المولودية الانسحاب لأنهم ليسوا في مستوى تاريخ هذا النادي.