مع انطلاق الحملة الدعائية لتجديد المجالس المحلية، البلدية والولائية، يعود السؤال المركزي ليحتل واجهة النقاش العام، ويتمحور في جوهره حول العلاقة بين الناخب والمنتخب: لماذا يفقد الناس الثقة في المنتحبين وبالأخص رئيس البلدية كرقم فاعل في تسوية مشاكلهم العالقة؟ ألا يعود ذلك لتخلي »الأميار« عن وعودهم وتنصلهم من التزاماتهم أم أن مطالب المواطنين تفوق مستواهم وصلاحياتهم؟ في واقع الأمر تفتح هذه »الإشكالية العميقة« باب الحديث عن علاقة البلدية من حيث هي الخلية المركزية للدولة على المستوى المحلي بالمواطن، دورها، مهامها، وإمكانياتها، وكذا نظرة المواطن لهذه الهيئة الرئيسية من حيث مهامها في التكفل بانشغالاته المتعددة، بدءا باستخراج وثائقه الهامة والضرورية من عقود الميلاد، إلى الإشراف على المدارس إلى التنمية المحلية بكامل تخصصاتها وقطاعاتها. وفي هذا الإطار يقول عارفون بخبايا الإدارة المحلية وفي مقدمتها البلدية محل الحديث، أن التحولات التي عرفها المجتمع الجزائري العقدين الماضيين تجاوزت من حيث حجمها ونوعيتها ومطالبها كذلك قدرات البلديات التي ظلت على حالها منذ فجر الاستقلال، سواء تعلق الأمر بإمكانياتها المادية أو مواردها البشرية، أو الأطر القانونية التي تحدد سيرها ومهامها في ظل تداخل واضح بين مختلف هيئات الإدارة المحلية من ولاية ودائرة وبلدية وبين المنتخبين والإداريين المعينين أيضا، وهو الوضع الذي خلف صورة »سيئة«عن البلديات وجعلها في أعين المواطن مجرد هياكل لا تتجاوز تقسيم الريع على الأقرباء والأهل والأصدقاء. إلا أن رؤساء بلديات ومنتخبون محليون اختبروا مهمة تسيير بلديات لهم رأي مخالف تماما لهذه النظرة التي تحملهم أكثر من طاقتهم، فهؤلاء يقولون أن مطالب المواطنين تتجاوز قدرات البلديات بكثير وهو ما يجعل رئيس البلدية أو المنتخب عاجز عن تقديم بدائل أو حل مشكلات المواطنين، فضلا على ذلك يطرح منتخبون سابقون محدودية صلاحية المنتخب مقارنة بصلاحيات الإداري المعيين، في الوقت الذي تتجه فيه التهم ل »الأميار« والمنتخبين ويتخطى الإداريون ذلك رغم مسؤوليتهم القانونية عن بعض المسائل الهامة. ويستدل بعض المنتخبين على كلامهم بملف السكن مثلا، إذ أن هناك آلية لتسليم السكن وتوزيعه وهي عبارة عن لجان محلية يرأسها رئيس الدائرة، ورئيس المجلس الشعبي البلدي مجرد عضو فيها، لكن بعد توزيع السكنات توجه التهم للاميار وحدهم وتعم الاحتجاجات البلديات، وتحاصر مقارها في العديد من الأحيان، فالمواطن الذي يجهل بعض الترتيبات الإدارية يتجه مباشرة صوب البلدية. لكن هناك من يرى غير هذا الرأي، ويذهب إلى القول أن أغلب المنتخبين المحليين يتخلون عن وعودهم الانتخابية بمجرد وصولهم إلى المجالس البلدية أو الولائية، وكثير منهم ينخرط مباشرة في تحقيق مآربه الخاصة ومآرب أهله وأصحابه وجماعات النفوذ المحلية، ويستدل دعاة هذا الطرح بعدد من المنتخبين المتابعين قضائيا على المستوى الوطني في العهدة السابقة، إذ فاق عددهم في المجالس المحلية أزيد من 1648 منتخب محلي منذ 2007 إلى نهاية العهدة، بتهم تتعدد بين الرشوة والمحسوبية وتبديد المال العام والاختلاس وتزوير فواتير أو محاضر والعبث بمقومات البلديات بما فيها تلك البلديات الفقيرة. علاوة على كل هذا فإن ضعف المنتخبين المحليين لغياب تكوين سياسي للأحزاب لكوادرها المحلية وتحكم العشائرية والقبلية في اللعبة الانتخابية والتوازنات السياسية المحلية كلها عوامل ساهمت في تدهور العلاقة بين الناخب والمنتخب محليا وجعل البلدية في كثير من الأحيان مصدر إزعاج للمواطن المغلوب على أمره. هذه الوضعية السوداوية عن العلاقة المتردية بين المواطن والبلدية بمجالسها المنتخبة، يرى بعض المتفائلين ومنهم السلطة السياسية أن جزءا كبيرا من حلها يكمن في قانون المنتخب المستحدث وقانون البلدية الذي يحدد بوضوح وشفافية علاقة البلدية بالهيئات الإدارية الأخرى أولا ثم مهام الاميار والمنتخبين ثانيا، وهو ما من شأنه بحسب المتفائلين إعادة العلاقة بين الاميار والمواطن إلى وضعها الطبيعي، للذكر أن انتخابات 29 نوفمبر ستجري في ظل قانون جديد للبلدية والمنتخب على حد سواء.