أنتم مطالبون بحسن التعاطي مع الواقع وروح المبادرة والشفافية ألقى رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، أمس السبت، خطابا أمام رؤساء المجالس الشعبية البلدية هذا نصه الكامل: "بسم اللّه الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على اشرف المرسلين وعلى آله وصحبه الى يوم الدين أصحاب الدولة والمعالي السيدة والسادة الولاة حضرات السيدات والسادة رؤساء الدوائر حضرات السيدات والسادة رؤساء المجالس الشعبية البلدية الجمع الكريم لكم أنا سعيد بوجودي اليوم معكم في هذا اللقاء الذي يجمع1541 رئيس مجلس شعبي بلدي المنبثقين عن الانتخابات البلدية الأخيرة. واغتنمها فرصة لأهنئكم بانتخابكم الذي ازداد شرعية بالظروف التي جرت فيها تلك الانتخابات وبالمصداقية التي يتمتع بها نظامنا الانتخابي الذي يضمن احترام الارادة التي يعبر عنها الناخبون بكل شفافية. سأتناول معكم اليوم الجوانب الأساسية من حياة الجماعات المحلية وبوجه خاص اصلاح الجماعات الاقليمية واشكالية اللامركزية وما يترتب عنها من فك للتمركز والتنمية المحلية وتسيير الجماعات المحلية والأهمية البالغة التي يكتسيها المورد البشري وكذا التكوين في هذا التسيير. إن ما تتمتعون به من شرعية اليوم هو بالنسبة لكم مدعاة للإفتخار لكنه في ذات الوقت يحملكم مسؤولية ثقيلة ذلك أن الأصوات التي حصلتم عليها تحمل الكثير من المطالب والأمال التي عقدها عليكم ناخبوكم من المواطنين. إن المواطنات والمواطنين الذين اختاروكم اناطوا بكم بمسؤولية جسيمة في عدة مجالات مكرسة دستوريا ومدرجة ضمن نشاطاتنا اليومية. إن المواطنين الجزائريين عموما وفئة الشباب خصوصا ينتظرون منكم الاستجابة لتطلعاتهم المتعددة. إنهم ينتظرون منكم تحسين المحيط ونوعية المعيشة والتكفل الناجع بالخدمة العمومية وكذا المزيد من الشفافية في القرارات التي تعنيهم من خلال إعلام منظم والمزيد من الاستماع والاشراك في الخيارات المتصلة بتنمية بلدياتهم. إن نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة لتعكس جليا التغيرات الهامة التي طرأت على مجتمعنا بحيث إن: 70 من المنتجين ورؤساء المجالس الشعبية البلدية تقل اعمارهم عن الخمسين سنة وهو ما ينم عن نسبة الشباب ضمن التركيبة السكانية في بلادنا ويؤكد مدى انخراطه في الحياة السياسية المحلية. أكثر من 30 من هؤلاء المنتخبين من حملة الشهادات العليا. إن هذه التركيبة الجديدة للمجالس الشعبية المنتخبة تكشف عن تجند كبير لدى فئة الشباب التي تعبر بذلك عن ارادتها في استلام المشعل من جيل مرحلة التحرير الوطني قصد تشييد الجزائرالجديدة. إننا حينما وضعنا اصلاح الجماعات الإقليمية في صلب اصلاحات مهام الدولة وهياكلها إنما كان قصدنا تعزيز الديمقراطية المحلية ومنحها كافة الوسائل لتثبت وجودها. لقد قطعنا اليوم شوطا كبيرا في مسعانا القائم على انتهاج اللامركزية وفك التمركز بأسلوب عملي وتدريجي وتمّ إعداد جملة من مشاريع قوانين بغية توضيح مهام كافة الفاعلين المحليين وصلاحيتهم وتحسين تنظيم الجماعات الإقليمية وتسييرها. فعلاوة على كل التحسينات المنتظرة من هذه الاصلاحات ستتجسد قريبا جهود إعادة التنظيم الإقليمي في تعيين ولاة منتدبين على رأس مقاطعات اعتبرت هامة من حيث عدد ساكنتها وعدد بلدياتها ومن حيث طابعها وصعوبة تسييرها وذلك من أجل التحكم الأفضل في الواقع الميداني وتقريب المسافات بين مراكز القرار والفضاء الاقليمي المعني من أجل تحقيق تسيير جواري أفضل. وضمن هذا المسعى أولينا عناية خاصة لإعادة صياغة المالية والجباية المحليتين باعتبار أنهما تشكلان الشرط المسبق لأي إصلاح للجماعات المحلية. وإعادة الصياغة هذه التي ستضاعف موارد البلدية بقدر له بال ستمنح في ذات الوقت المنتخب الوسائل التي ستمكنه من الإضطلاع بمهامه وتجعله أقدر على خوض المزيد من المبادرات. حضرات السيدات والسادة. لقد كانت التنمية المحلية دوما حجر الزاوية في نشاطنا الإقتصادي والاجتماعي. وقد سبق لقانون المالية التكميلي لسنة 2008 أن أدرج جملة من الاجراءات العملية لتحسين الموارد المالية المحلية نذكر منها: تطهير ديون البلديات التي بلغت مابين 2000 و2007 قيمة 22.9 مليار دج. تكفل ميزانية الدولة بالانعكاسات المالية للزيادات في أجور عمال الجماعات المحلية التي بلغت 18,4 مليار دج. الزيادة في حصص البلديات من مداخيل بعض الضرائب والرسوم. الزيادة في مخصصات المعادلة لتعويض نقص المداخيل الجبائية التي بذلك ارتفعت من 5,5 الى 25 مليار دج في 2008. لقد بات من الضروري اليوم أن تتحلوا بحسن التعاطي مع الواقع والعزم وروح المبادرة والشفافية في تسيير بلدياتكم من أجل إيجاد نشاطات تدر موارد جديدة، ذلك أن التنمية المحلية التي كان ينظر إليها دوما على أنها من مسؤوليات الدولة المركزية وحدها هي اليوم محل مراجعة لكي تندرج ضمن مسؤوليات البلديات. ولقد تأكدت هذه الأولوية الممنوحة للتنمية المحلية من خلال مختلف البرامج ومنها برنامج الانعاش الاقتصادي وبرنامج دعم النمو الاقتصادي والبرامج التنموية القطاعية والبرامج التنموية البلدية والبرامج الخاصة كبرنامجي الجنوب والهضاب العليا. ولقد أنجزت كل هذه البرامج قصد تمكين المواطنين من التمتع بتجهيزات عمومية قاعدية وجوارية وتشجيع المشاريع الاقتصادية من باب الأولوية. وجدير بالتذكير أن الأمر يشمل على الصعيد الوطني أكثر من 110.000 عملية في مجال توصيل المياه الصالحة للشرب والتطهير وانجاز هياكل موجهة للشباب والرياضة والثقافة والتربية والصحة والبيئة والهياكل الإدارية وفك العزلة. وقد تمّ تخصيص أكثر من 530 مليار دج ما بين 1999 و2008 أي ما معدله 50 مليار دج سنويا مقابل معدل 8 ملايير دج سنويا مابين 1962 و1999. إنكم اليوم مطالبون بالتكفل بالانجازات المحققة في اطار البرامج التنموية من سائر جوانب التسيير والصيانة والمتابعة وكذا باستغلالها استغلالا رشيدا تجنبا لأي إتلاف قد يضر بمصالح المجموعة. حضرات السيدات والسادة إن وسائل الاتصال الجديدة توفر لشبابنا فرصة اكبر للتفتح على العالم وما يحصل فيه من مظاهر التقدم وهو ما يجعلهم أكثر تطلبا فيما ينتظرونه وأكثر وعيا بالرهانات الاقتصادية والاجتماعية. وفي نفس الوقت زادت العولمة العلاقات الدولية تعقيدا وصعوبة وجعلت الاعتماد على النفس أمرا لا مفر منه. في هذا المحيط العالمي المعقد اخترنا مباشرة تنمية حقيقية، تنمية تحافظ على توازن ميزان المدفوعات ووفرة المنتوجات الأساسية وتوفير متواصل لمناصب الشغل وضمان خدمات عمومية مجدية. إن تنمية كهذه لا تقوم إلا على النشاطات التي تخلق ثروات حقيقية ومعنى هذا أنه يجب علينا العمل قبل كل شيئ على جعل الجزائر أكثر استقطابا للمستثمر المحلي وكذا للمستثمر الأجنبي. وهذه الاستثمارات تمر وجوبا عبر توفير محيط ملائم ومستوى معيشي أفضل وسير جيد للخدمات العمومية (الأمن العمومي والسكن والتعليم والصحة والنقل وحتى وسائل الترفيه) ومنشآت قاعدية ناجعة. إن المجالس الشعبية البلدية تتحمل مسؤولية التكفل بمتطلبات الواقع اليومي للمواطنين المقيمين في اقليمها كما يتعين عليها الاضطلاع بدور أساسي في تشجيع الاستثمارات المنتجة. لكن كل هذه الدينامية الاصلاحية للجماعات المحلية تتوقف والى حد كبير على تحديث وسائل التسيير وتصرفاته وعلى الموارد البشرية ناهيك عن تحسين الكفاءات. فمن أجل التوصل الى تحقيق ذلك، تمّ اتخاذ جملة من الاجراءات منها على الخصوص إعداد قانون أساسي لموظفي الجماعات المحلية يؤسس للتسيير القائم على الكفاءة ويتيح اضفاء الإحترافية على الفاعلين المنوطة بهم الخدمة العمومية المحلية. والقانون الأساسي الجديد هذا يرتكز على مخطط توجيهي للتكوين لفائدة الجماعات المحلية. وقد تمّ حديثا تسجيل بناء ست مؤسسات تكوينية وبها سيرتفع عدد مؤسسات تكوين الجماعات المحلية الى احدى عشرة مؤسسة تسع 9000 مقعد بيداغوجي. ستكون المؤسسات هذه الأداة المعول عليها في تنفيذ السياسة التي اعتمدناها لتحديث التسيير والمرتكز لإدخال أعوان الجماعات المحلية في طور الاحترافية. لقد أردنا أيضا أن نضع المدرسة الوطنية للإدارة تحت وصاية وزارة الداخلية والجماعات المحلية بحيث يفضي اصلاحها الى استجابة افضل لحاجيات الإدارة العمومية وبوجه خاص الجماعات المحلية. إن مشروع انشاء مدرسة المهندسين الإقليميين سيكمل شبكة التكوين التي تمّ اعتمادها. إننا على يقين من أن التغيير الحقيقي سيتم من خلال التكوين ومطلب الاحترافية يعني أول ما يعني الموظفين الاقليميين السامين وكذا المنتخبين. لقد سبق للأمناء العامين للبلديات ورؤساء الدوائر والمفتشين العامين للولايات والمديرين وحتى الأمناء العامين للولايات والولاة لاحقا أي كافة الإطارات الاقليميين أن راجعوا أنفسهم من خلال تكوين في التسيير العمومي سيمكنهم من الإلمام جيدا باالدور المنوط بهم وبنشاطاتهم وتطوير أدائهم الشخصي والتحكم في مناهج التسيير الحديث. فالاتصال ونوعية الخدمة العمومية وتسيير الأزمات ونظم تقويم الجودة والنجاعة في أداء الخدمة العمومية كلها مشاكل تمّ التصدي لها تأكيدا لإرادة الانتقال إلى تسيير أكثر جودة تسيير يقوم على كفاءات تسيير حقيقية. حضرات السيدات والسادة إن التكوين الأول من نوعه الذي تلقيتموه يندرج ضمن هذا التصور الشامل الذي يكتسب فيه جميع الفاعلين في الحياة المحلية وأنتم منهم بعض الكفاءات ويطورون قدراتهم على التسيير والعمل. فالتكفل بالجوانب المعقدة من التسيير البلدي وترقية ناجعة للأعمال واعتماد الشفافية والإصغاء وتطوير المبادرة المحلية كلها عناصر المنطق الذي ندعو إليه في سبيل ترقية الأساليب والأعمال الجديدة. والمحبذ هو أن يندرج عملكم من الآن فصاعدا ضمن شكل آخر من العلاقات بينكم وبين الإدارة وبينكم وبين المواطنين، هؤلاء المواطنون الذين يتعين عليكم إشراكهم في اعداد مخططات التنمية البلدية من خلال تحديد حاجياتهم وترتيبها على أن يتخلص المواطن من المواقف السلبية وألّا يكتفي بالمطالبة وكفى بل عليكم مساعدة هذا المواطن على الانخراط في المسعى التشاركي القمين بتطوير الديمقراطية المحلية الحقة. إن هذه المقاربة الدينامية لحياة المجموعة كفيلة بجعل الجميع يشاطرون بصورة أفضل البلدية طموحاتها وقيمها وتنميتها. ومن هذا المنطلق يجب أن يكون في وسعكم التخطيط لتنمية بلدياتكم على مدى عهدتكم (خمس سنوات) والتشاور حولها مع السلطات المحلية وصياغة ذلك في شكل برنامج تعاقدي يكون بمثابة العقد الذي يحدد مسؤوليات كل واحد منكم ويسمح بتقويم نتائج التسيير المحلي. حضرات السيدات والسادة أود أن أشكركم جزيل الشكر على تلبيتكم دعوتنا وعلى إدلائكم بدلوكم في إنجاح هذه المهمة التي ينبغي من الآن فصاعدا أن يتم تكريسها كعمل دائم ومتواصل بغية تشجيع المبادرات ودعم الازدهار الاقتصادي لجماعتنا. بقولي هذا الطافح بالتفاؤل والثقة في المستقبل أختتم كلمتي وأتمنى لكم التوفيق كل التوفيق في أعمالكم وفي أداء مهامكم وتجسيد مشاريع بلدياتكم فالنجاح الذي نصبو إليه إنما يتوقف على قوة عزمكم ومثابرتكم في خدمة الشأن العام. أشكركم على كرم الإصغاء. والسلام عليكم ورحمة اللّه تعالى وبركاته".