يعرف مطار هواري بومدين الدولي حركة كبيرة، هذه الأيام، بسبب عودة المهاجرين الجزائريين إلى مختلف بلدان العالم التي يقيمون فيها بعد انتهاء عطلتهم الصيفية والسنوية التي اعتادوا على قضائها بأرض الوطن. وككل سنة تكررت هذه المرة معاناة بعض المهاجرين العائدين إلى فرنسا بسب بالضغط الذي تعرفه الرحلات المتجهة إلى مختلف المدن الفرنسية على منوال باريس، بوردو ومارسيليا، وهو ما طرح إشكالا لدى مهاجرينا الذين وجدوا أنفسهم بين المطرقة والسندان، إذ أن كثيرا منهم تحولت فرحتهم بالعودة إلى أرض الوطن لزيارة الأهل والتمتع بدفء البلد وأحواله إلى كابوس حقيقي عندما انتهت عطلهم وقرروا العودة إلى وجهاتهم المختلفة. ولا يحتاج المرء إلى عناء كبير لاكتشاف ملامح الغضب والتذمر البادية على وجوه المهاجرين المقيمين بفرنسا، بعد أن تعذر عليهم حجز مكان في خطوط الطيران الثلاثة، ممثلة في الخطوط الجوية الجزائرية، الفرنسية و«إيغل أزور". وإذا كانت الأسباب الحقيقية وراء بقاء المئات من المهاجرين معلقين بمطار هواري بومدين تعود أساسا، حسب تصريحات الجهات المعنية، إلى الضغط الكبير الذي تعرفه بعض الرحلات المتجهة أساسا إلى فرنسا، بفعل تزامن عودة مهاجرين مع انتهاء فصل الصيف لقضاء إجازتهم بالجزائر، فإن ما حز في أحد هؤلاء المهاجرين أن العملية تتكرر كل موسم في مثل هذه الفترة دون أن تجد حلولا حقيقية:«أنا أقيم في فرنسا وبالتحديد في باريس منذ أكثر من 15 سنة، وقد دأبت على قضاء عطلتي السنوية بالجزائر وسط أسرتي الكبيرة، وصدقني إن قلت أن نفس العراقيل والمشاكل تصادفني عند عودتي، كما هو الحال هذا العام، لقد قضيت أكثر من أسبوع في المطار كل يوم من الساعة السادسة صباحا إلى غاية نهاية الرحلات المتجهة نحو باريس، ولم يسعفني الحظ في التمكن من حجز مكان في عديد الرحلات التي انطقلت من مطار هواري بومدين. بهذه الكلمات عبر لنا هذا المواطن الذي يعمل بفرنسا في إحدى الشركات الخاصة عن معاناته المتكررة، قبل أن يضيف أن الأمر لا يقتصر عليه فقط بل هناك حالات أخرى تشبه حالته، كما علمنا منه أنه كان من المقرر أن يعود إلى أرض الوطن أسبوعين بعد انقضاء شهر رمضان، إلا أن هناك ظروف طارئة حالت دون عودته في التوقيت الذي حجز به تذكرة الصعود:«لقد دفعتني بعض الأمور الشخصية إلى أن أضيع الرحلة التي كنت مسجلا فيها نحو باريس، واليوم تجدني في وضع لا أُحسد عليه بعد أن تعذر عليه إيجاد مكان في كل الطائرات التي أقلعت إلى باريس منذ حوالي أسبوع، وما سيزيد من مشاكلي بالتأكيد هو أنني لست متأكدا من تاريخ عودتي طالما أن كل الأماكن محجوزة من طرف أصحابها، وإن حدث أن توفرت بعض الأماكن فأنا متأكد بأنها سوف لن تكون من نصيبي طالما وأن الطلب عليها كبير جدا". من بين الحالات النادرة التي وجدناها أمام أحد شبابيك الحجز بمطار هواري بومدين، أحد المهاجرين المقيم بمدينة بوردو الفرنسية، الذي قدم كالعادة إلى الجزائر لقضاء عطلته. غير أن المفارقة التي وجدناها هي معاناته مع المرض، حيث تطلب منه الأمر إجراء عملية جراحية قبل أشهر وهو اليوم مطالب بالعودة إلى فرنسا من أجل إجراء فحوصات أخرى حسب الموعد الذي حدد له، غير أن ذلك لم يتم بسبب عدم تمكنه من إيجاد مكان في الرحلات المتجهة إلى بوردو، كما جاء على لسانه:«عندما قدمت إلى الجزائر كلفتني الرحلة حوالي ستة ملايين ونصف سنتيم، ويومها لم أتمكن من حجز رحلة العودة في التاريخ الذي كنت أريده، ما اضطرني إلى الحجر بتاريخ 18 سبتمبر الحالي، واليوم تجدني في وضعية لا أحسد عليها، فكم من مرة خلال الأيام الأخيرة قدمت إلى المكان رغبة في إيجاد مكان في الطائرة المتجهة إلى مدينة بوردو، غير أن كل محاولاتي باءت بالفشل نظرا للإزدحام الكثير والإقبال المفرط على التذاكر، بالإضافة إلى أن المستفيدين من قائمة الإنتظار هم من أصحاب المعارف، وأما الإنسان" الڤليل" مثلي فلا يحلم بها". تركنا هذا المريض الذي علمنا فيما بعد أنه يدعى محمد الصالح، ويعمل بمدينة بوردو منذ عدة أعوام، وواصلنا بحثنا عن الأشحاص الذين ينتظرون ساعة الفرج من أجل الفوز بتذكرة إلى "بلد الجن والملائكة"، والصدفة قادتنا إلى أحد المواطنين المقيم بالجزائر، والذي دعته الحاجة إلى الإنتقال مع أبيه المتقاعد الذي يشكو من مرض عضال تطلب منه الإنتقال إلى فرنسا وبالتحديد إلى باريس للعلاج، غير أن ذلك غير ممكن خلال هذه الأيام التي تشهد عودة المهاجرين إلى فرنسا. ونحن نتحدث إلى ابن هذا الشيخ علمنا منه أنه قدم من مدينة الشلف قبل ثلاثة أيام، وقد تطلب منه الأمر الإنتقال يوميا إلى مطار هواري بومدين منذ الصباح الباكر عله يظفر بتذكرتين نحو باريس، غير أن ذلك لم يكن ممكنا نظرا للطلب المتزايد، بالإضافة إلى كونه يملك تذكرة مفتوحة، وهو ما يعني أنه موجود منذ ثلاثة أيام في قائمة الإنتظار، وخلال كل هذه الفترة واجه وابلا من المشاكل:«تصور أني رفقة أبي نعود كل يوم في المساء إلى العاصمة للمبيت ونعاود في الصباح الإنتقال إلى المطار لعلنا نظفر بالتذكرة، غير أن هذا لم يحدث لحد الآن، وهو ما زاد في معاناتنا، خاصة في ظل الوضعية الصحية للوالد الذي لا يقدر على السير والإنتقال كل يوم إلى المطار". رغم أننا أحسسنا ونحن نتجاذب أطراف الحديث مع العالقين بمطار هواري بو مدين في انتظار ساعة الفرج التي تزيل عنهم الغبن الذي يعيشونه، بنوع من اليأس والإحباط والقنوط وبملامح الغضب البادية على محياهم، إلا أن صيحة أحد هؤلاء المهاجرين استرعت انتباهنا.. لقد بدأت محنته يوم وصل إلى المطار متأخرا عن الرحلة التي تقله إلى مرسيليا بحوالي ساعة من الزمن، الأمر الذي فوت عليه فرصة اللحاق بالطائرة التي تكون قد وصلت - حسبه - إلى مطار مارسيليا عندما التحق بالمطار، والنتيجة كانت أنه رهن تاريخ عودته لأيام أخرى، وهو اليوم لا يعلم متى سيتمكن من الحجز:«أولا أعترف أنني لم أتمكن من الوصول قبل أيام إلى المطار في الوقت المحدد لإقلاع طائرة مارسيليا على متن الخطوط الجوية الجزائرية، وهو ما أدى بي إلى أن أعاني الويل دون أن أتمكن من إيجاد مكان في كل الطائرات المتجهة إلى مرسيليا، ورغم أنني حاولت في العديد من المرات تسجيل اسمي في قائمة الإنتظار إلا أن مصيري مايزال معلقا إلى إشعار آخر، وما حز في نفسي كثيرا أن بعض الأماكن الشاغرة التي توفرت في بعض الرحلات لم توزع بالعدل بين المسافرين، حيث استفاد منها بعض الذين يملكون "المعارف" بالمطار". وهو يسرد عليك حكايته مع تذكرة العودة إلى مارسيليا شدد لهجته عندما أكد لنا أنه سيطلّق بالثلاث مجيئه إلى أرض الوطن إذا لم تتحسن الظروف خلال السنوات القادمة. غادرنا مهاجرينا العالقين بمطار هواري بومدين، ولساننا يدعو لهم بانتهاء ساعة العسر وحلول ساعة الفرج حتى يتمكنوا من الإلتحاق بفرنسا حيث يقيمون.