قال رئيس الحكومة الأسبق رضا مالك، أمس بمنتدى يومية "المجاهد"، إن الجزائر اليوم لا يمكنها تصور أهمية الحدث التاريخي المتمثل في تأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في 19 سبتمبر 1958. مرجعا السبب إلى "إهمال البلاد ومستقبلها" من قبل أناس "يكرهون" البلد. ودافع عن المؤسسة بالقول إنها لم تكن حكومة "منفى" ولا ظرف طارئ بل شفافة تختلف عن حكومات اليوم التي تفضل الغموض. يرى رضا مالك الدبلوماسي السابق، أنه يصعب على الجزائري اليوم "تصور أهمية تأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية كحدث تاريخي هام كرس انبعاث الدولة الجزائرية التي انسحبت من الساحة منذ 120 عاما بفعل المستعمر الفرنسي". واستغرب المسؤول في مفاوضات إيفيان الشهيرة، كيف أن جيل الجزائر الصاعد من الكتاب والمثقفين يعلنون صراحة عن نماذج غربية يتقدون بها مثل أبراهام لينكون، وينسون أعلام ثورية مثل زيغود يوسف والعربي بن مهيدي وغيرهما. ولتفسير ما أسماه ب "جهل التاريخ" أجاب المتحدث قائلا: "هذا راجع إلى الإهمال الذي طال البلاد ومستقبلها"، وعن الفاعلين وصفهم بأناس "يكرهون الجزائر وتاريخها ولا يفكرون في العيش بها". الإرهاصات الأولى لتأسيس حكومة مؤقتة تتكلم باسم الشعب الجزائري وجبهة التحرير، كطرف رسمي وشرعي أمام السلطة الاستعمارية الفرنسية، تعود حسب رضا مالك إلى رغبة الكثير من الثوار: "استشارات كثيفة حول الفكرة اثيرت مع دول الجوار، ولكن بعد عملية القرصنة في حق قادة الثورة في 26 أكتوبر 56، دفع حسين آيت احمد إلى كتابة مجموعة مراسلات يطلب فيها تأسيس حكومة تكون الناطق الرسمي والشرعي مع فرنسا"، إلا أن هذه الإرادة اعتراها نوعا من الشك، يردف مالك: "لم نكن واثقين من الأمر"، خاصة أمام حالة "التململ" الذي لف هذه الخطوة من قبل بعض الدول التي كان يعول على دعمها للفكرة. وقد زاد الوضع ريبة، تصريحات شارل ديغول الذي اعتبر الخطوة "راديكالية" بالنسبة لفرنسا، وهي إعلان صريح على إرادة الجزائريين في الاستقلال. دافع رضا مالك عن الحكومة الجزائرية المؤقتة، بدعوته إلى اعتبارها "تشكيلة طبيعية" تكونت "كتتويج وتكريس لأربع سنوات من الحرب"، ولم تعترف بحالة الريب التي انتابت البعض، واعتمدت على دعم بعض العواصم العربية والآسيوية والأوروبية مثل: القاهرة، دمشق، بغداد، يوغسلافيا، ألمانيا، أندونيسيا والصين، فيما لم يعترف الاتحاد السوفياتي سابقا بها إلا بعد إعلان وقف إطلاق النار. هذه الحكومة التي "أقلقت ديغول"، يردف ضيف جمعية "مشعل الشهيد"، كانت "حكومة شعب"، مقرها القاهرة وفتحت لها مكاتب "غير معتمدة رسميا" في الرباط وتونس وطرابلس وبغداد... دبلوماسيا يوضح رضا مالك، لعبت الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية دورها كما يجب: "لم نكن نهدف إلى محاربة جيش فرنسا بقدر ما رغبنا في هز أطراف حكومة استعمارية بأشكال دبلوماسسية" ولتحقيق ذلك كان الاتصال والإعلام عاملا مساعدا وأساسيا في نظر المصدر ذاته: "كنا أحسن من حكومات اليوم التي لا تعرف لها سياسة، ولا تصرح بما تقوم به في حال أزمة، كما الحال مع الحكومة السورية التي تغرق في الإبهام، كنا نعتمد على كشف كل تحركاتنا، بإعلام الراي العام الدولي بشكل دوري ومنتظم"، مشيدا في السياق ذاته بدور محمد اليزيد وبولحروف، ومؤكدا أن هذه الحكومة نفسها رفضت استعمال وسائل الترهيب، حينما اقترح عليها اختطاف السفير الفرنسي بتونس: "كنا قادرين على اختطافه و بحوزتنا أزيد من 10 آلاف رجل هناك، إلا أن غايتنا لم تكن في ذلك المنحى". رغم مرور 55 عاما على تأسيس الحكومة المؤقتة، إلا أن رضا مالك ككل مرة يسرد التفاصيل التاريخية بكثير من الدبلوماسية التي لا تخدم الرأي العام الجزائري، وبدل الخوض في نقاط كان الحضور يتوقع الشرح فيها، مثل الأزمات التي مست الحكومة المؤقتة، والتي مر عليها المجاهد مرور الكرام، وبكلمات مقتضبة وسريعة، بحجة الوقت، أفنى عمر المحاضرة في معلومات عامة يمكن لأي واحد الاطلاع عليها في الكتب أو المقررات الرسمية. أزمات الحكومة المؤقتة الجزائرية 1959 ومشاكل الداخل وعملية "البلويت"، والتصفيات الجسدية لإعلام الثورة، واجتماع الولايات التاريخية. والتعديل الحكومي الثاني الذي أزاح فرحات عباس لصالح بن يوسف بن خدة، ظلت مشهدا ناقصا في رواية رضا مالك.