تتكشف من يوم لآخر صحة المقاربة التي تقول إن الاستفزازات الأخيرة الصادرة عن نظام المخزن المغربي ضد الجزائر، هي بالأساس ذات خلفيات تتعلق بمحاولة نظام الملك محمد السادس تصدير أزماته الداخلية إلى الجزائر. وآخر مشهد من مسلسل هذه الأزمات، وقد يكون هو الأسوأ والأخطر، يرتبط بكون الحكومة المغربية قررت خفض الإنفاق الحكومي من أجل تقليص عجز الموازنة في المملكة، وذلك من أجل تجنب إثارة انتقادات صندوق النقد الدولي الذي كان قد نصح الرباط بتقليص عجز الموازنة إلى ما دون خمسة في المائة، مقابل ضمانات ائتمانية قدرت بأكثر من 6 ملايير دولار. ويعتبر قرار الحكومة المغربية بتخفيض الإنفاق الحكومي سابقة أولى من نوعها، حسب بعض المتتبعين، حيث تهدف ذات الحكومة إلى تقليص عجز الموازنة الذي وصل إلى أكثر من 7 بالمائة من الناتج الإجمالي المحلي خلال الربع الأول من العام الجاري 2013. وقد وقع رئيس الجكومة المغربية عبد الإله بن كيران، منذ حوالي أسبوع، مرسوما وزاريا من أجل شطب 15 مليار درهم، أي قرابة 2 مليار دولار من الاستثمارات الحكومية المقدرة بحوالي 180 مليار درهم، وذلك بهدف مواجهة تدهور الموارد المالية الحكومية نتيجة ارتفاع النفقات غير المتوقعة. وتكشف مثل هذه القرارات، وهي كثيرة ومتنوعة من باب الدلالة على تدهور الاقتصاد المغربي، عن عمق المأزق الذي يعيشه النظام في المملكة المغربية، والذي بدلا من الاجتهاد في إيجاد الحلول الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها هذه الأخيرة، فإنه يفضل تعليق هذه المؤشرات السلبية للاقتصاد المغربي على "شماعة" الجزائر، حيث لا يتردد الملك المغربي محمد السادس عن إظهار الاستفزازات تلو الأخرى نحو الجزائر، وكانت آخرها تلك الاستفزازات التي ضمنها خطابه الأخير بمناسبة ذكرى "المسيرة الخضراء"، والتي مفادها - حسب الملك - أن الجزائر تقوم "بإهدار أموالها وتشتري الأصوات الموالية في قضية الصحراء الغربية" ضمن المعنى الذي تضمنته استفزازات محمد السادس في خطابه المشار إليه. ويبدو أن المصاعب الاقتصادية التي تعيشها المملكة المغربية، والتي يشكل قرار الرباط بتخفيض الإنفاق الحكومي أحد مظاهرها فقط، قد أفقدت النظام المخزني صوابه جملة وتفصيلا، وهو الأمر الذي ترجمه قيام متعصبين للخطاب الاستفزازي والتحريضي ضد الجزائر، يوم الفاتح نوفمبر الجاري، بالتعدي على الراية الوطنية بالقنصلية الجزائرية في الدار البيضاء أمام مرأى ومسمع رجال الأمن المغاربة، الذين لم يحركوا ساكنا أمام هذا التعدي الصارخ على الراية الوطنية في ذكرى اندلاع الثورة التحريرية الجزائرية الكبرى. وفي الواقع فإن تحرشات واستفزازات النظام المغربي ضد الجزائر لم تنقطع يوما، وكانت تتم دائما على وقع "حلم مغربي" قديم يعتمد على "استرجاع أراضي يتوهم المغرب أن الاستعمار اقتطعها منه"، وهذا ما يبرر عدوانه على الأراضي الجزائرية بعيد الاستقلال قبل أن يتأكد فشله في المساس بالتراب الوطني، لتقوم قواته بعد ذلك بغزو أراضي الشعب الصحراوي في منتصف السبعينيات ومن ثم بناء جدار عازل بينه وبين ضربات المقاومة الصحراوية. غير أنه من الواضح أن استفزازات وتحرشات النظام المغربي ضد الجزائر التي تعاظمت خلال الفترة الأخيرة، وجدت هذه المرة، بالإضافة إلى الخلفية المتعلقة بقضية الصحراء الغربية، انطلاقة لها من صعوبة الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها المغرب، لاسيما بعد تشديد الجزائر لقبضتها الأمنية على الحدود ومكافحة التهريب، حيث لم تعجب هذه الإجراءات، على ما يبدو، نظام الملك محمد السادس، وهو الذي اضطر خلال الصيف الماضي إلى رفع أسعار المحروقات على نحو أثار غضبا شعبيا كبيرا في هذا البلد.