كان يمكن ل "ليالي الانس في فيينا" أن تفجر شعورنا النوستالجي للزمن الجميل، لو واصل العرض النمساوي المقدم في إطار مهرجان الرقص المعاصر، على وتيرة صوت اسمهان الخالد، إلا أن الخشبة سرعان ما تحولت إلى درس ابتدائي لرقصة الفالز تعثر عليها بعض الجمهور المتطوع لتعويض راقصة جالسة. ظل الجمهور على عطشه سهرة الاثنين الماضي، بعد أن ظن أنه سيرتوي مزيدا من الجمال الذي نثره الأتراك فوق خشبة بشطارزي. وقد اعتقدنا جميعا أن الموسيقى التميهيدية التي اتخذها العرض النمساوي، للصوت الخالد اسمهان وأغنيتها الجميلة "ليالي الانس في فيينا"، ستحملنا إلى قصور هذا البلد حيث ولدت أمهات المقطوعات العالمية الكلاسيكية. وكان لدخول "الراقصة" محمولة على أكتاف رجال مقنعين، ترتدي فستان زفاف أبيض، وتغطي رأسها بوشاح ضم صراخها الهستيري، يؤذن بتراجيديا إنسانية واعدة، رغم جروح الألم والقسوة. كنا ننتظر أن تتخلص الفتاة/ العروس من كرسيها، وتطأ قدماها الحافيتين خشبة المسرح، لتمنحنا بعض روائح فيينا البعيدة. كل ذلك لم يكن إلا في خيالنا، في رأسنا المزدحم بأبواق الفوفوزيلا خارجا، ولكنها لحقت بنا نكاية فينا، إلى حضرة الفن الرابع والخامس في آن واحد. اختارت النمسا أسلوبا مختلفا للمشاركة في الطبعة الخامسة لمهرجان الرقص المعاصر، لم تنقل الحضور إلى عوالمها التقليدية، أرادت التميز، بإنجاز نقلة صادمة من ليالي الانس إلى موسيقى التكنو، التي رافقت إيماءات للراقص فوق الكرسي الأحمر. وبدل الحركة، حضرت الكلمة، وشروحات مبدئية حول تاريخ الفالز في النمسا وأنواعها الأخرى في ألمانيا مثلا. دور الراوي أوكل إلى الممثل حسان كشاش، الذي دخل الخشبة راويا ممثلا لدور قد يكون الأول في مسيرته الفنية، في مجال بعيدا عن الكاميرات. لكنه دور أثقل العرض، وشتت الذهن. كشاش بعد شرحه لأصول الدعوة للرقص بالنمسا، طلب من الجمهور التطوع للمشاركة في حفل راقص. فيما بقيت الفتاة جالسة، ترمق الحضور تارة وتبتسم تارة أخرى. اختلطت الخطى على المسرح، وتحولت الفالز إلى تمرين شعبي يؤديه جمهور لم يتقدم يوما في اتجاه رقص القصور والحفلات الملكية. في الزاوية اليمنى للمسرح، غرقت الفتاة في كومة زهور حمراء وبيضاء، غابت عن الأنظار، لتمنح مشهدا دراميا فيه الكثير من الرمزية أكيد، لكنه أبقى الحضور في حالة غموض كبيرة، ما دفع بعضهم لاستعمال الفوزفوزيلا تعبيرا منه على انفصاله عن العرض.