تتطرق مسرحية "خلف الأبواب"، لتعاونية الشمعة للفنون والثقافة القسنطينية، إلى قضية حرية التعبير، ورغبة الأفراد في تحديد مصائرهم. فكرة اختزلتها المخرجة والممثلة نغواش شهيناز، في قصة أربعة إخوة يحلمون بقتل الأب والأم لاجتياز الباب الموصد أمام أحلامهم. دخلت تعاونية "الشمعة" حديثة النشأة (2012) غمار منافسة المهرجان الوطني للإنتاج المسرحي النسوي، في ثاني يوم من الفعالية بعنابة، بمسرحية "خلف الأبواب" المقتبسة عن نص المؤلف الكوبي خوسيه تريانا، وهو سيناريو كتبه للتلفزيون تحديدا في 1970، وبعنوان "ليلة القتلة"، تتلخص أحداثها في ثلاثة إخوة يلجأون إلى قبو منزلهم، ويؤلفون مسرحية صغيرة بينهم، يخططون فيها لقتل والديهما. وقد سبق لعديد الفرق المسرحية في تونس وسوريا وإيطاليا إضافة إلى الجزائر، إخراجها مسرحيا، نظرا للموضوع الذي تتطرق إليه. ومعروف عن خوسيه نصوصه الداعية إلى الثورة عن النظام السائد، مطالبته عبر شخوصه بنفض غبار الذل عن أفراد المجتمع. وفي نزعته للتغيير يستعمل خوسيه دعوة مليئة بالعنف والصدام، وهو ما يعكسه عنوان نصه الأصلي "ليلة القتلة". إلا أن نغواش شهيناز، مخرجة العرض الجزائري، رأت تقديم العمل بطريقة مختلفة، بشكل يقترب إلى نفسيتها المحبة للشعر والتنديد الهادئ، وهو ما يبرر اختيارها لبداية مسرحيتها عبر إلقاء قصائد محمود درويش وفؤاد نجم. وقد كان العرض الذي شاركت في أداء أحد أدواره (البنت الكبرى والشرطي 1)، تمرينا ناجحا إلى حد ما، أدته إلى جانب موني بوعلام في دور البنت الصغرى والشرطي 2، بوالمدايس شاكر في دور الأخ الأكبر والقاتل، ولبيض رمزي في دور الإبن والأب والمدعي. وكما يظهر من توزيع الأدوار الأربعة، حملت المخرجة ممثليها مسؤولية أداء أكثر من شخصية، لترجمة فكرة المسرح داخل المسرح. كان لحضور الممثلين وقع على الخشبة، تحركوا بطلاقة على جهاتها الأربع، وسط ديكور ترجم سنوغرافيا معبرة عن حال بيت قديم تعيش فيه أسرة من أربعة إخوة، يفكر أحدهم في قتل والديه، ليتخلص من سلطتهما التي تمنعه من تجاوز الممنوعات، والخروج إلى عالم أوسع، بدل البقاء في ذلك الكوخ متآكل الأرجاء، والمتسخ. ينطلق خيال الشخصيات الأربع ليلعب أدوارا أخرى ترسم ما يدور في خاطر الإبن "عمار" القاتل، فيصبح الإخوة عناصر من الشرطة أحيانا، وقضاة ومدعين وراقصين... تخلصت شهيناز نغواش من العنف المحمل في النص الأصلي، وهربت إلى المدرسة العبثية، لتصنع لوحات خفيفة الظل، كانت بمثابة تهوية مناسبة للجمهور، وقد برزت في تلك المواقف الممثلة موني بوعلام في ثوب كوميدي ساخر ينم عن قدرتها على تعاطي هذا النوع من الأدوار. كما كان بوالمدايس ولبيض عازفان جيدان على القمبري والبندير، إلا أن الباحث عن الأعمال التي سبقت عمل هذه التعاونيات، يجد أن نغواش لم تخترع شيئا جديدا في مسرحيتها، حيث العبثية متضمنة في النص أصلا، طالما أن الإخوة ينطلقون في شبه هذيان يحررهم من أي قيد، كما تكرر مشهد الدم في عملها مثل أعمال أخرى، وكذا شخصية الأم الحامل الملطخة بالدم. شهيناز نغواش (مخرجة المسرحية): تخلصت من نزعة العنف المشحونة في النص الكوبي تحملت مسؤولية مضاعفة في هذا العرض، كنت المخرجة والممثلة والسينوغرافية أيضا، أما التمثيل فاضطررت للصعود إلى الخشبة بعد أن تعذر على الممثلة المعنية بالدور أساسا المشاركة معنا، بينما الإخراج والسنوغرافيا فأعتقد أنهما يتكاملان والبناء المسرحي يعتمد على رؤية إخراجية وسينوغرافية موحدة، علما أني استفدت من تكويني في مدرسة الفنون الجميلة التي تخرجت منها. اختيار "ليلة القتلة" للكاتب الكوبي خوسيه تريانا، كان لنزعة التحرر التي يضمها، إلا أني ركزت في التعامل مع النص على المشاعر التي يمكن أن يشعر بها أي شخص محروم من حق التعبير عن آرائه، بينما النص الأصلي مشحون بالعنف وفيه تخطيط لعملية الاغتيال التي لم أركز عليها تماما كما تركت الانطباع أن الأمر يتجاوز مجرد صراع إخوة في أسرة واحدة، إلى فكرة الوطن. أعتقد أني لم ألتزم بالمدرسة الرمزية بحذافيرها، كما سجل بعض الحضور، بالعكس تخلصت من قوانينها المضبوطة، ولجأت إلى السخرية والعبث لأتحرر ويتحرر الممثلون من حمل النص طيلة 70 دقيقة.