مرّ أسبوع بكامله على سارج مارتيناز في فندق الأوراسي، كان فرحا بالمقابلات التي أجراها مع عدد من الصحفيين ومدراء الجرائد ونشطاء المجتمع المدني والكوادر السامية في الدولة، ومنهم العسكريون المتقاعدون.. وكان يشعر بينه وبين نفسه أن الأمور أصبحت أشد غموضا وتعقيدا من الماضي، وفي كل مرة كان يطرح على نفسه السؤال الملح، "أمازال لرجال الدياراس وزنا في اللعبة السياسية؟!" وكانت الإجابات التي استمع إليها من مختلف الشخصيات تكاد تبدو متباعدة ومتناقضة.. كان يشعر بالخيبة على عدم استقباله من طرف شقيق الرئيس سعيد بوتفليقة وذلك برغم الوعود التي قدمت له من طرف حاشيته.. وفي هذا الصباح اتصل به الوزير السابق صاحب الكرش المتدلية ليعزمه على غذاء بمطعم وسط العاصمة، إلا أن سارج مارتيناز اعتذر لأنه كان على موعد مع الرئيس الأسبق للأرسيدي الدكتور سعيد سعدي الذي عرفه خلال سنوات التسعينات بشكل جيد، كما أنه كان يلتقي به من حين إلى آخر في إسبانيا كل صيف لأن الصدفة شاءت أن تكون إحدى إقامات الدكتور سعيد سعدي في الخارج بالقرب من إقامته... وكان سارج مارتيناز يعتقد أن الدكتور سعيدي سعدي لا يمكن أن يتخلى عنه الحكم، خاصة الدياراس مهما كانت الظروف، ولذا فهو لا يفهم كيف تخلى الجنرال توفيق عن رجلهم الذي خدمهم في نهاية الثمانينيات وفي التسعينيات في تطويق حزب غريمه آيت أحمد.. ويذكر سارج مارتيناز أنه طرح هذا السؤال الذي ظل يحيره ذات يوم عندما التقى الدكتور سعيد سعدي في باريس، فقال له هذا الأخير إن علاقته مع الجنرال توفيق كانت عادية، وأنه لم يكن في يوم ما، رجله، وإنما كان حليفا له في معركة العسكر ضد الإسلاميين، وفهم سارج مارتيناز أن العلاقة في حقيقة الأمر، كانت قوية بين الدكتور سعيد سعدي والجنرال اسماعيل العماري الذي كانت لديه بعض الخلافات مع الجنرال توفيق.. ولذا دفع الدكتور سعيد سعدي الثمن لأنه ظل في نظر الجنرال توفيق هو رجل الجنرال اسماعيل بامتياز... قال سارج مارتيناز لمرافقه وهو صديق قديم للدكتور سعيد سعدي، لكن أيضا صديق قديم لسارج مارتيناز وهو في طريقه للقاء الدكتور سعيد سعدي في أحد قصور رجل أعمال كبير قريب من عائلة الدكتور سعيد سعدي، وكذلك يعد عنصرا مهما داخل حاشية شقيق الرئيس السعيد بوتفليقة.. أخبرني كيف تفسر خروج الدكتور سعدي من صمته الطويل وعودته إلى الجزائر ليعلن أن ترشح بوتفليقة في حد ذاته لا يعد مشكلة؟!" ابتسم الصديق القديم المشترك، وتلك الإبتسامة كانت تشع بخبث ومكر ظاهرين، وقال "إنها السياسة" فرد سارج مارتيناز وعلامات الحيرة واضحة على وجهه "لم أفهم.. فردد الصديق المشترك نفس القول.. وعندئذ قال سارج مارتيناز بوضوح دقيق: بصراحة أنا لم أفهم خرجة الدكتور سعيد سعدي في مثل هذه اللحظة بالذات، وهو الذي كان يؤمن منذ سنتين أن على النظام أن يرحل، وأن التغيير يأتي من جهة واحدة ووحيدة، وهي الشارع" قال الصديق المشترك "السيد سارج، أدري أنك تعرف الكثير من الأشياء وتريد التظاهر بالجهل" فقال سارج مارتيناز "أنت صديق، وأنا أتحدث إليك بصدق" وعندئذ صمت الصديق المشترك، قليلا ثم قال "يا سيد سارج يجب أن تضع نفسك محل الدكتور سعيد سعدي، هو يعتقد أنه ضحك عليه كثيرا، ليس فقط من طرف الجنرال توفيق، لكن أيضا من بوتفليقة.. إنه هو الذي دفع خليدة إلى أحضان بوتفليقة بعد أن كانت خليدة معارضة للاقتراب من بوتفليقة، وفي النهاية سرقها بوتفليقة من الأرسيدي، وجعل منها ما يريد.. وسرق منه أيضا عمارة بن يونس الذي كان لوقت طويل أمين أسرار الدكتور، ثم سرق منه شقيق عمارة بن يونس الأكبر المدعو دانيال، ولولا هذا الرجل ما تعرف السعيد في نهاية الثمانينيات على كل السادة الفعليين للنظام، وها أنت ترى أن دانيال الذي كان يقف بجانب الدكتور صار في الثلث الرئاسي المعين من طرف بوتفليقة في مجلس الأمة... ثم هل تدري أن الدكتور كانت له نسبته في الصفقات المتعلقة بالأدوية وعتاد الصحة عندما كان عمارة بن يونس على رأس وزارة الصحة؟! ثم ليس هذا فقط، لقد ضحك النظام أكثر من مرة على الدكتور سعدي، ومنها عندما جعله يواجه أصدقاءه في الصحافة مرافعا عن بوتفليقة، وكيف ذهب رفقة بوتفليقة إلى سوريا يوم مات دكتاتور دمشق حافظ الأسد، وهو أقصد الدكتور الذي طالما انتقد الدكتاتور البعثي، وانتقد البعث... لقد جرد الرجل من كل مصداقية.. وكانت خرجاته الأخيرة في 2012 بمثابة الضربة القاضية لسمعته خاصة عندما راهن على دعم من الأمريكان وفرنسا، وهؤلاء يا الله تركوه يغرق وحده في المستنقع" قال سارج مارتيناز "ومع ذلك، أنا لا أفهم خرجته الأخيرة، هل تريد القول إنه عقد صفقة سرية مع جناح السلطة، وأقصد جناح بوتفليقة" قال الصديق المشترك ربما.. لكن تأكد أنه حاول في خرجته الأخيرة، توجيه ثلاث رسائل، الأولى، لأمير قطر والشيخة موزة، وهو أنه مستعد لأن يلعب دورا في الفصل الثاني من الربيع العربي إذا ما وجد من خطر الدعم المالي والسياسي.. وأظن أنه التقى في باريس بمبعوثين من أمير قطر والشيخة موزة.. أما الرسالة الثانية فلقد وجهها إلى أصحاب القرار الحاليين بأنه سوف لا يحرجهم بالعودة إلى الخروج إلى الشارع، والدليل على ذلك أنه أظهر لهم وللقطريين أنه تغير ولم يعد معاديا للإسلاميين من الإخوان الذين يجدون التأييد من طرف إمارة قطر.. أما الرسالة الثالثة فأظن أنه طأمن من دخل معهم في صفقة ربما وهو حاشية الرئيس، بأنه لم يكن من دعاة معارضة العهدة الرابعة و.. قاطعه سارج مارتيناز، وهو كله إصغاء قائلا: ربما وصلنا...