حدق الجنرال خالد نزار بوجه توفيق المرهق لحظة طويلة، ثم صب قهوة ثانية في فنجان الجنرال توفيق الذي أشعل سيجاره الهافاني الرفيع ثم قال "اسمع يا سي توفيق، برغم أنني كنت دائما أثق بذكائك وحنكتك بشكل لا يرتقي إليه الشك، وذلك برغم اختلافات وجهات نظرنا في أكثر من مرة إلا أنني هذه المرة، لا أعتقد أنك على صواب.. أقول لك ذلك بكل صراحة، لقد تغيرت الأمور بشكل واضح، فبوتفليقة الذي راهنت عليه ليكون رجلك وتكون رجله، تفوق عليك في نهاية المطاف، وتمكن بدهائه أن يضعك ويضع المؤسسة العسكرية في مأزق حقيقي.. أنت راهنت على مرضه، لكنه هو راهن على ما بعد مرضه.. جردك من رجالك، أما أنت فلقد أخفقت في تجريده من رجاله.. وفي نهاية الأمر تفوق برجاله على رجالك.. وظل الجنرال توفيق يصغي بانتباه إلى الجنرال خالد نزار المعروف بصراحته القاسية دون أن تظهر علامات على وجهه الذي ظل جامدا، علق بابتسامة خفية على شفتيه، لكنها ابتسامة دون تعبير فصيح.. وواصل الجنرال خالد نزار قائلا: "إن بوتفليقة عرف كيف يفتح طريقا مع آيت احمد، وفي الوقت نفسه مع مولود حمروش وسعيد سعدي.. وأكيد أن ذلك لا يخفى عليك وهو بهذا أخلط كل الأوراق، وجعلك في موقع دفاعي.. هل تعرف لماذا يا سي توفيق؟! لأنه تمكن من معرفتك حق المعرفة.. ابتسم الجنرال توفيق من جديد وقال للجنرال خالد نزار "نحن بحاجة إلى بوتفليقة حتى وهو على هذه الحال.. أنا لا أريد أن أخدع الرجل الذي وجدناه في الوقت الحرج والمناسب.. أما ما يفكر فيه شقيقه فهي مسألة وقت ليس إلا.. إنه غير قادر أن يذهب بعيدا.. أعرف أنه يختفي وراء القايد صالح.. لكن هذا الأخير يبقى ابن المؤسسة، وهو لا يريد أن يخدع الرئيس.. يخطىء شقيق الرئيس ان اعتقد أنه يمكن أن يتلاعب بالجميع.. قاطعه الجنرال خالد نزار.. أتمنى أن أصدقك، لكن كيف لي أن أصدقك وأنت الآن محاصر بجماعة شقيق الرئيس؟! ثم أقول لك شيئا لا يمكنني أن احتفظ به في أعماقي، أن شقيق الرئيس من الخطأ الفادح أن تستخف بذكائه أنه شيطان حقيقي، بل واعتبره كوسونتري الرئيس بوتفليقة.. لقد تمكن من تنفيذ كل أفكار وخطط بوتفليقة التي لو كان بصحة جيدة ما كان تجرأ على تنفيذها.. أنت كنت تعتقد أنك قادر على تهديده بالملفات التي اعددتموها عنه وبالتالي تضعونه في حالة الرهينة بتوفير حمايته حتى في حالة عدم تجديد العهدة لبوتفليقة، لكنه في نظري فهم الرسالة منذ أسقطتم شكيب خليل، فبادر بمباغتتكم بدل انتظار حمايتكم وتهديدكم له.. أجل يا سي توفيق.. لقد قام بانقلابه الابيض ضدكم عندما شكل الحكومة دون استشارتكم، ثم هاهو يستعمل نفس الأسلوب الذي تجيده.." ابتسم الجنرال توفيق من جديد، وهو يحاول أن يوحي أنه يسيطر على اللعبة بتفاصيلها ثم قال: "يا سي خالد.. لا أظن أنك تبتلع ما تقوله الصحافة.." قال الجنرال خالد نزار "أنا أتحدث عن تجربة، ياسي توفيق" ثم أضاف "عليك أن تفكر في ورقة سي علي بن فليس حتى إن كان هذا الأخير لا يتمتع بأي ثقة من طرف القايد يا سي توفيق.. لم يعلق الجنرال توفيق على كلام الجنرال خالد نزار، وعندئذ استطرد الجنرال خالد نزار قائلا: قد تقول لي إن رجالك هم من يؤطرون جماعة الرئيس، لكن أنا ليست لي ثقة فيهم، فهؤلاء حتى وإن ظلوا على وفائهم لك، إلا أنهم قد يلعبون لصالح المنتصر في نهاية اللعبة وليس بالضرورة أن تكون أنت المنتصر يا سي توفيق.. قال الجنرال توفيق، البلاد ليست في حاجة إلى أية مغامرة يا سي خالد.. وأن الشعب لا زال يحتفظ بالاحترام لبوتفليقة، لذا من المبكر جدا أن نتخلى عن الرجل وهو على قيد الحياة.. ثم أن الرجل مثلما قلت في حاجة الينا خاصة في مثل هذه الظروف... الأهم هو أن نذهب إلى العهدة الرابعة، وبالتأكيد أن ذلك يدعم الاستقرار وفي ظل الاستقرار يمكننا أن نفكر بهدوء وروية وبعيدا عن كل تشنج.. لقد ألقت بنا الأقدار لننقذ الجزائر من المغامرة الإسلاموية، وعلينا أن نكمل مهمتنا مثلما بدأناها يا سي خالد.. صمت الجنرال خالد نزار وهو يكاد يقول بينه وبين نفسه "توفيق لا يتغير، ولا يمكن الوصول إلى أعماق تفكيره.. ثم قال "أخشى يا سي توفيق أن تأتي لحظة وتجد نفسك خارج اللعبة".