كثيرا ما شكلت إشكالية الكتابة النسوية، حقلا خصبا للنقاش الدائر بين مختلف الدوائر الثقافية والأدبية والنقدية في مجتمعنا العربي وقد عنيت بمعالجة هذه المسألة الكثير من الدراسات والملتقيات والندوات، وهو ما أراد قسم الأدب العربي بالجامعة المركزية بحر الأسبوع الفارط طرحه من خلال أمسية حول الكتابة النسوية، وهي تندرج ضمن الأمسيات التي تعكف على تنظيمها بشكل مستمر الدكتورة "بن بوزة مليكة" مع طلبة قسم الدكتوره نظام LMD، وقد نشط هذه الأمسية بالإضافة إلى الطلبة أساتذة من القسم ومن مختلف التخصصات والذين تناولوا إشكالية هذه الكتابة إنطلاقا من التسمية فالتصنيف فالمكانة التي تحظى بها في الخارطة الأدبية العربية وآفاقها المستقبلية، وقد تخلل الأمسية قراءات شعرية لأستاذات وطالبات كانت فرصة للكشف عن وجههن الآخر شعريا ومنهن: الأستاذة أمينة بشي والأستاذة غنية سيد عثمان والطالبة صبرينة ميسومي والتي فاجأت الجميع بقصيدتها المحكمة شعرا وإلقاءً واتزانا "حواء"، وما يلاحظ أن الأمسية لم تحتكر على تاء التأنيث بل فتحت الباب أمام الجنس الآخر من أساتذة حضروا وبكثافة للإدلاء بدلوهم في الموضوع ولإلقاء الضوء على الموضوع من مختلف الجوانب الحساسة وتداعياتها. ترى الدكتورة حياة أم السعد بعد افتتاحها للجلسة، بأن الكتابة النسوية تبحث عن مركزها وسط مركزية الرجل، وهي كتابة نتطلق في وجودها من فلسفات عديدة قديمة وحديثة، غير أن الآفاق الجديدة تفرض رؤى مغايرة، وهذا ما يدفع المرأة إلى البحث عن متنفس جديد للتغيير نحو الأحسن، ولا يكون ذلك إلا بتجاوز جميع أشكال الصراع التقليدي بين الرجل والمرأة وفقا للتفتح على الحياة والأدب وفق نظرة متزنة تتطلع نحو الأفضل، نظرة تتجاوز جميع أشكال طابوهات التمييز بين رجل وإمرأة، لتجعل من المرأة كيان فاعل في المجتمع، وبذلك يتحقق التغيير وتوجد حلول لمختلف الإشكاليات وفق نظرة مشتركة. وعن الصوت الذي يتكلم في الرواية وجماليته: هل هي المرأة بلسان حالها أم الرجل بلسان المرأة أم المرأة بلسان الرجل..، فقد جاءت الدكتورة بمثال لدحض هذا الإدعاء ونبذ أشكال الإختلاف بأن هناك نماذج أدبية تؤكد هذا الإشتراك والتداخل والإحترافية في تقمص وتبادل الأدوار بين الجنسين، فرواية "ذاكرة الجسد" لأحلام مستغانمي، حظيت بهذا الصدى لأن تقمصها للرجل كان إبداعا كما يقول عبد الله الغذامي في كتابه "المرأة واللغة". الأستاذة غنية سيد عثمان: أما الأستاذة غنية، فقد انطلقت في مداخلتها من رفض للتسمية بالأساس، فهي ترى بأن الأدب لا جنس له، إذ لا يمكن تذكيره أو تأنيثه، وطلبت تجاوز هذه السطحية في التصنيف، لأن الأديب في الأساس يعيش حالة وهذه الحالة هي التي تفرز فيما بعد نصا أدبيا يلخص هواجس المجتمع الذي يعيش فيه ورؤيته هو للحياة، فرغم أن المرأة كانت في بدايتها تكتب لتثبت وجودها ككيان، غير أن هذه النظرة الكلاسيكية لكتابتها لم تعد هاجسا بعد أن أثبت نفسها من خلال كل ما كتبته وفي أصعب الظروف السياسية والتاريخية التي ساهمت في استلاب الهوية لكلا الجنسين، لذا كان لابد إن انطلقنا من مسألة التصنيف أن نبحث عن مستوى الكتابة الرجولية من حيث القيم الإنسانية والفكرية والجمالية التي يحملها ومن ثمة الحديث عن الكتابة النسوية، لذا صار لزاما أن نتحدث عن حرية الرجل ثم المرأة ثم القلم. الدكتور عثمان بدري: إعتبر الأستاذ، أنه من الصعب تناول الإشكالية بموضوعية، لأن الموضوع زئبقي من جهة وفيه تحيزات ضمنية وعفوية من جهة أخرى، فالمسألة لم تنشأ هنا، بل ظهرت في سبعينيات القرن الماضي 1987 بفرنسا، مع الحركة الشعبوية من الطلبة والتي طرحت إشكالية الهامش وهو المرأة بشكل خاص وسوقت الفكرة لنا، مما خلق نوعا من الصراع المشكل في القيمة الجمالية لهذا المخيال ولتفادي إشكالية أدب نسوي وأدب رجالي، يقول بأنه وصل إلى حل مؤقت، وهو سلطة الهامش في المتخيل الشعري، فبعض الكتاب يتحيزون للمواضيع وليس للجنس، والمقولة المشهورة تقول: "ثق بالقصة ولا تثق بالقاص". لذا، لا بد من تحديد الجهاز المفاهيمي لتفكيك السياقات العرقية للمفهوم، من خلال احتضان الإختلاف وعدم الإنغلاق على الحقول والإنتصار للأدب الذي يعكس خفايا الحياة والإنسان بغض النظر عن كاتبه وترك المجال للجمالية، للفصل في الموضوع، أما حس الصراع، فهو الذي يصنع المرأة ولا يحطمها. الأستاذ حنوني خلوفي (من جامعة تمنراست): أراد أن يصل إلى نظرة توفيقية للموضوع، من خلال تجاوز نظرة المرأة والرجل في الكتابة، والإبتعاد عن الأحكام السطحية والمسبقة التي كانت تكرس لها المناهج السياقية وهو ما زاد من تعميق الفجوة بين الجنسين، لذا لا بد من تجاوز هذه النظرة السياقية إلى الإنتصار للنسق وكيفية تشكل المعنى والبحث عن الجمالية من خلال التعامل مع النص كنص، بالإضافة، فقد أثار الأستاذ مشكلة المقرؤئية ونسبتها والتي يرى بأنها السبب في التعتيم والتهميش الذي تعيشه الكثير من النصوص لكلا الجنسين، فالمشكلة ليست مشكلة تصنيف فحسب، بل هي مشكلة تلقي النص ولا يكون ذلك إلا بتفعيل فعل القراءة والذي لا يكتمل إلا بحضور جميع حلقة اتصاله، وهي كاتب نص وقارئ يعيد إنتاج النص من جديد ويدفع حركية الإنتاج الأدبي، وهنا يحضر دور النقد والناقد المحترف في إثراء الأدب. الدكتورة مليكة بن بوزة: بلمستها الخاصة وبشاعريتها ورقتها، أرادت الدكتورة أن تختم فعاليات الأمسية، والتي كادت أن تتحول إلى يوم دراسي بكل ما حوته من تدخلات وحوارات من الطلبة الحاضرين والأساتذة، والذين أراد كل أن يدلوا بدلوه لمقاربتها. هذه الإشكالية التي قالت الدكتورة، بأن المرأة هي من تشارك في تكريسها، ودعت إلى وعي وثقة ومعرفة المرأة لذاتها من أجل الخروج من بوتقة التهميش المشاركة في صنع حضارة مفتوحة أمام الإنسان، وقد وعدت الدكتورة بخلق فرص أخرى لمناقشتها ومناقشة إشكاليات أخرى تسهم في تشريح الأدب والظاهرة الأدبية والأديب على حد سواء، ولا يكون إخراج مثل هذه المواضيع من دائرة المناسباتية وإعادة الإعتبار للحرم الجامعي، ويعيد له الكثير من بريقه بتفعيل مثل هذه المناسبات واللقاءات والتي تقوم بها بشكل تطوعي تمد فيه يدها للإعلام للتغطية والتفعيل واحتضان مثل هذه النشاطات، وهي تثني على صحيفة "الجزائر نيوز" الحاضر الوحيد في هذه الجلسة، ولكل من يريد أن يشارك فيها، وتفتح الباب أمام الطاقات الشابة وتسمح بالإحتكاك المباشر بين جيلين وهو ما يعكسه تنظيمها لجلسة خاصة واستثنائية مع الشاعر "عز الدين ميهوبي" يوم الأحد 16 مارس إبتداء من الساعة الثانية بعد الزوال، للحديث عن تجربته الأدبية ومساره وإنتاجاته.. فمرحبا بكل المهتمين.