انتقد الأستاذ "محرز بويش"، نائب رئيس الرابطة الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان، أداء الدولة بمختلف مؤسساتها في التعامل مع الأحداث بغرداية، مؤكدا أن الوضع خطير جدا، وأن الحل "لا يتعلق بالمعالجة السطحية والوعود الكاذبة" التي تطلق في كل مرة تتجدد فيها أحداث العنف بغرداية. كان الأستاذ الباحث بكلية العلوم الاجتماعية الإنسانية بجامعة بجاية، محرز بويش، على رأس الوفد الذي عينته الرابطة الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان، لمعاينة الوضع بغرداية، شهر فيفري الماضي، حيث وقف عن قرب على حالة العنف المتجدد الذي تعرفه مدينة على مدار الأشهر الخمسة الماضية. وأكد الأستاذ بويش، أمس، ل "الجزائر نيوز" أن ما يحدث بغرداية "أمر خطير جدا" فاقمته المعالجة السيئة، المتمثلة حسبه في "عدم لعب مختلف مؤسسات الدولة للدور المنوط بها وفق القانون"، واقتصار بعض الجهات في التعامل مع الأمور بسطحية. ويلخص الأستاذ محرز الأسباب الأساسية التي توصل إليها الوفد الذي التقى بجميع الجهات المعنية -ما عدا السلطات المحلية التي رفضت استقبالهم-، أولا في وجود أطراف من خارج مدينة غرداية تحاول استغلال الوضع سياسيا، فيما يعود أصل هذه المشاكل -حسب المتحدث- إلى تراكمات اجتماعية واقتصادية، يضاف إليها مشكلة العقار التي تبرز بقوة في هذه المدينة بالنظر إلى الطبيعة الانثروبولوجية والسوسيولوجية للسكان الإباضيين الذين لديهم خصوصية السكن في القصور، "فيما لا تحترم السلطات المحلية المخيال الاجتماعي في الحفاظ على تلك الخصوصية وتفرض السكنات المختلطة". كما طرح الأستاذ محرز نقطة أخرى في هذا السياق، تتمثل في تنامي التيار الوهابي بالمنطقة الذي يستعمل بعض أنصاره مصطلحات وأفكارا تحريضية مثل "الردة، والتكفير، ووصف الإباضيين بالخوارج.."، وهذه الأمور، حسبه، عزّزت الفرقة ودفعت لبروز العنف الذي أسّس له التراكم الطويل لتلك المشاكل، وكل هذه المعطيات يؤكد نائب رئيس الرابطة الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان، على ضوء احتكاكه بجميع السكان بمختلف مشاربهم، يتم استغلالها "من طرف بارونات المخدرات الذين يعملون -هم وغيرهم- من أجل زعزعة الاستقرار بالمدينة لصالح مصالحهم الخاصة". وأصر الأستاذ بويش، في تصريحه ل "الجزائر نيوز"، بالتأكيد على أن هذه المعطيات هي التي هيأت لشرارة انطلاق العنف، لكن ما فقمه وجعل عمره يطول، هو "الغياب التام للدولة"، التي فشلت منذ البداية في تفكيك هذه الألغام المزروعة في المجتمع ثم عالجتها لاحقا بأسلوب خاطىء، وذلك -حسبه- لاستقبال الأعيان بالعاصمة والتأخر في التنقل للوقوف على الوضع، وبعدها عدم الوفاء بالوعود التي قطعت، مؤكدا أن "المقترحات التي طرحت لا تعالج الأسباب الحقيقية"، وهذا ما جعل "ذهاب الوزير الأول إلى غرداية لا يضع أرضية لحل نهائي لما يحدث"، إلى جانب أن "الوعود التي قدمها لم يتحقق أغلبها"، حيث يؤكد أن "العائلات المتضررة من الجهتين لم يتم تعويضها"، و"ما يزال قرابة 50 عائلة من غير الإباضيين يسكنون في مكان اسمه مرماد"، و"لم يتم فتح طريق الضاوية"، و"التأخر في التحقيق القضائي"... إلخ. كما أدان المتحدث بقوة ما وصفه ب "الظاهرة غير الطبيعية في دولة القانون والمؤسسات"، التي وقف عليها الوفد في الزيارة التي قادته إلى ولاية غرداية، وهي حسبه "أن مصالح الشرطة تحرس في منطقة الشعانبة -أو العرب- ومصالح الدرك تحرس في منطقة الإباضيين"، وهذا حسبه "أمر لا يمكن قبوله في دولة القانون والمواطنة".