ما أصدق إمرأة تواعدني وهي على سرير النوم، أنظر إلى السماء فأرى النجوم تستقبل وعودها فرحة جزلة، تشهق بالرغبة أن أخلد إليها، لم يكن يفصل بيننا سوى تغطية هاتفية وحساب هاتفي مهدد بالإنتهاء وزربية بابارية (1) شاسعة في الفضاء، كانت شهية كفاكهة يخجل البرد من خدشها، فيظل عاريا وراء أقفال باب ونافذة، فرحت وحدي أتدفأ بها، أقترف في حقك ثمالة على قافية السمع، كيف سأحمل النوم كوردة تنزلق في أنفاسي؟ أصحو صباحا فيصحو صوتها النائم البارحة إلى جانبي معقودا بسرب حمام. آه من صوتك، إذ جاء عذبا يستسمحني أن أبقى أيقونة تجوب المكان، أنا كالنسر أتعب من النظر عاليا إلى الغيم و ثياب الظلام، فأنت سيدتي لايروي ظمئي إليك بكوب كلام. يدك تضغط على يدي فتموج عروقها بعروقي، كانت القبلة الأولى التي لم تحتفي بها شفاهنا، الحب العذري الأول بين جسدينا الحالمين بزهر الربيع وينابيع الحلم الطليق، والوقت يمر مبتسما لنا مختلسا النظر إلينا، تأسرني الحشمة بعطرها الباقي في أواصلك فتنزل نظراتي الأرض مسدلة لستار حب لا يهترىء. قررت أن أجعلك تائهة في دمي، تصبين صافية نقية عند الدمع تخفقين الفرح، أرفع الراية البيضاء فلا تبصر سواك، أعجب بقوس قزح، فأتبناها مشلحا عليك أجلس في قاعة المحاضرات فلا أبصر غير ألوان أثوابك وزعت على الأجساد المتحركة، تخلعني وترتديني تائها كالطفل المفقود، يتبع همس أفلاكك فلا يقصد حديثي سواك، قررت أن أعتبرك"الصمت" إذ أن الآخرين سيعتبرونني ذاكرة، مرجعا لنصوصهم، حديثا يتكئ على عمقه الشامخ حديثهم أو ربما نسيانا، أوليس "مالك حداد" قدم باقة "صمت" لعروبته؟، و«فان غوغ" منح حسه السمعي لحبيبته بقطعه لأذنه. أنا أحبك ولا أستعذب الكلام لسواك، أنا أرشيفك وخزانك وإن شئت لسانك، إخترتك مرآة أرتب أمامها هندام الإخضرار أكتب إليك رسائلا هاتفية بالفرنسية لأحسن مستواي، أو ليس التلميذ المجتهد يحب أستاذه، فها أنا ذا أختار حبك يرتب الزمن على أجنحة الفراش، لكنني لم أقلها لك بالفرنسية أبدا، أحلم أن أكتبها لك بالعربية "أحبك" أن توخزني أحرفها حرفا حرفا وأنا أنقر أحرفها حرفا حرفا. بالعربية وحدها، يزداد بنكي بك ولا أحسب حسابا لضربها أو قسمتها أو طرحها، بل أرددها فيزداد القصيد اتساعا، أراجع دروس حبك عن ظهر قلب، بتعلم طفولي يتذكرك ولا ينساك بعبارات فرنسية تنجب لك مهدا لخطاك لم تسعها شفاه شهرزاد. سمعت بدراسة علمية، مفادها أن أحرف اللغة العربية ترسل بذبذباتها لتجعل ناطقها محبا ومحبوبا، مفاجأتي المقبلة التي أؤجل رفع الستار عنها كضيف شرفي، يزرع الدهشة قبل رؤيته أن أكتب لك "أحبك" في أصغر رسالة هاتفية، فهل تقبلين ببساطي السحري الصغير أرسله إليك؟. من غرفة شاسعة في فندق دخلتها ليلا، كان هاتفي النقال أيقونة الماضي أتأملها، هل يمكن أن يحدث ما يسمى بالمعجزة؟ أن يرن حاملا وسما لرقمك الذهبي، فيتوقف الزمن تنبض المسام العطشى بصوتك، مسافات السفر من وطن إلى آخر، تعيد ترتيب أزقة القلب وتفترشها بالشفافية وفصول الشوق، إعذريني حبيبتي إن خدشتك ذات يوم بنصوصي، فيحدث أحيانا أن يتلوث حبر قلمي وأن يصلب بصقيع ضباب المنفى في ساحتك. خطر لي أن تقرأي لي مرتين، أن أنشر لك نصا تسكنينه وتتحركين فيه ك«سندريلا" وأنثر لك الياسمين على مراجيح الأحرف الدافئة، أعجب بمن يختارون أسماء مستعارة كأنهم يعودون إلى الوراء: "لو تسنى لك اختيار إسمك ماذا كنت ستختار؟"، لعبة مسلية، وبعد سنين من الإبداع يطرح الصحفي سؤاله: "لماذا هذا الإسم؟". أعلنتك إسما لكل نصوصي، أنجبك دالية تحفها خيام اللقاء، فتلمعين أمامي مبهرة كما تشاء، يحدث أن تصيبني نوبة هذا العصر أن تحط عليك ملائكة شر الغياب فتختفين وراء حجارة النسيان أو تتلعثمين جرحا في كل الورود التي ستصادفني، فأمضي إليك أعتبرك الممات، أمسك بذراع القدر أن تصبحي عطرا للكون لا تغتسل منه السماء. في الغد سأقف على المنبر، سأقدم مدينتي " قسنطينة"، وحدها عمق أنهارها يختلسني من أنانيتي بك، أنا في بلد الفراعنة، بلد إستلهم منه الكاتب البرازيلي: "باولو كويلو" رائعته "الخيميائي"، لكنك أنت بلدي أفتش عن كنز البقاء في كحلك وجبينك المتعالي، أنبش في الورق الأبيض برفش الكلمات، لتجدينني أجدك في القلب،سأقول لهم: جئتكم من مدينة "عش النسر" حين تنفخين أمل البقاء معا في لحظة ظل للمساء، تنام نصوصي بأمان في دفاترها تنتظر أخواتها مصلية على أعمدة الأيام، لو كانت النسور بلا عاطفة لما بنت أعشاشا ناطحة للقمم تنبض بالعشق المديد. كان يجب أن أفتح باب الغرفة، أن أنزل المصعد، أن أستقل سيارة، أن أقف منبهرا أمام هرم "أبو الهول"، لكنني أمعنت النظر من شرفتي المطلة على نهر النيل، فوحده الماء الجارف قادر على الغطس في داخلي، يلتهمك ويعيدك إليَّ حين أصحو منه. (1): زربية "بابار" زربية خنشلية من أشهر الزرابي عالميا وتعني "كهف الأسد" ربيع شهر "جانفي" 2014