انتصار فعلي، حقيقي وذو مغزى تاريخي أنجزه مساء أول أمس الفريق الوطني الجزائري ضد منتخب روسيا.. أجل تحقق الحلم بالانتقال إلى الدور الثمن النهائي وبالتالي تحررنا، أووف، ولأول مرة من عقدة التأهل إلى مثل هذا الدور.. وبالتأكيد أن الانتصار لم يكن سهلا ولا مريحا، وبالتأكيد أن الفريق الروسي لم يكن بالفريق الذي يمكن الحاق الهزيمة به ببساطة، وبالتأكيد أننا لو انهزمنا لما كانت ستثور ثائرتنا في وجه اللاعبين وفي وجه المدرب.. ففرق كبرى انسحبت في الجولة الأولى من مباريات البرازيل لكأس العالم مثل إسبانيا وإيطاليا وانجلترا.. ومع ذلك، فإن حلمنا تحقق وأصبح حقيقة جعلت من الجزائريين يعيدون اكتشاف فريقهم بكل عناده وإصراره وممارسته كشيء مقدس، إسمه الإرادة.. أجل لقد تمكن الفريق الجزائري من أن يجعل الإرادة مسلكه وأسلوبه وسلاحه في تحقيق المعجزة الجميلة التي أعادت للجزائريين ثقتهم بفريقهم، وثقة الفريق بنفسه، ولم يكن مثل هذا السير إلى هكذا انجاز قابل للتحقيق لولا ذلك الانضباط الذي اتصف به الفريق، وذلك النكران للذات الذي ظهر واضحا في المباريات الثلاث التي أجراها الفريق خلال مباريات مونديال البرازيل، وذلك الإيمان العميق والصلب بالقدرة على تحقيق الانتصار التاريخي من حيث رمزيته والذي كان إضافة نوعية لذاكرة الفريق الوطني الذي بهر ذات يوم العالم بانتصاره على ألمانيا الغربية، لكن هذا الانتصار التاريخي أيضا يعود وبامتياز إلى شخصية المدرب حاليلوزيتش القوية والمتفتحة في ذات الوقت التي لم تلن ولم تخضع للضغوطات ولم تتأثر بالضربات المصوبة له من تحت الحزام، لقد حافظ حليلوزيتش على أسلوبه واستقلاليته وقدرة تحمله الكبيرة للضربات والهجومات المتشنجة، ويعود ذلك لأن الرجل محترف أولا، وذو إيمان بمهمته التي اضطلع بها، وذو شرف هو فوق النظرة والنزعة الماركنتيلية والأنتهازية المبتذلة.. وذو شجاعة هادئة لا مثيل لها، جعلته يتفوق على المدربين الذين تقلدوا قيادة الفريق الوطني دون استثناء قبله، باعتباره الرجل الوحيد صاحب القرار... إن الانتصار التاريخي الذي تحقق هو حصيلة إرادة فريق وحرفية وشجاعة مدرب.. إنه درس حقيقي علينا استلهامه من أجل مواصلة سير بناء فريق وطني كبير في كرة القدم، لكن أيضا يمكن استلهامه من أجل بناء بلد وإعادة بناء ثقافة وسلوك جديدين في مجال السياسة وباقي المجالات الأخرى...