ذات يوم، الإرادة الإلهية أرادت ذلك، اكتشف الجزائريون و الجزائريات، أن لديهم مشروع فريق وطني في كرة القدم، بإمكانه أن يعيد لهم الفرحة بعد طول حزن وكآبة استمرا عشرية مليئة بالإضافة إلى ذلك كله بالرعب والذعر والصخب والدم، وراح هذا المشروع يتبدى في ملامحه كخيوط وأشعة شمس الشتاء البارد والقارس لكن المتجدد دفئا وشبابا·· ثم بدأ المشروع يزحف شيئا فشيئا باتجاه قلوب الجماهير·· وفتحت الجماهير المتعبة والحزينة عيونها وكأنها لا تريد أن تصدق أن زمن الأخضر بلومي وعصاد ورابح ماجر قادر على العودة وقادر على اختراق كل تلك الدياجير التي كادت أن تحيل بيننا وبين لحظة الأمل·· قاوم هذا المشروع جدران اليأس وأسوار الاستسلام وارتدى في لحظة متدفقة ومنعشة لباس الحقيقة المشعة والمنيرة··· تحول في لحظة إلى صوت جامع، مدمدم وجامح احتشدت وراءه كل الجماهير بكل طبقاتها وتناقضاتها وأجيالها ليصبح أميرها الحقيقي، وفارسها الذي لا غبار عليه ليقودها نحو ساعة المجد وساعة الانتقام والثأر من كل الإنكسارات التي عاشتها والآلام المرة كالعلقم التي تجرعتها والإحباطات التي سكنتها كالأشباح الشريرة·· وهذا الفريق لم يكن سوى أبناء لم يكن يعرفهم أحد، لم يكن يتكلم عنهم أحد·· لم يعرفوا الجزائر إلا من خلال حكايات آبائهم وأمهاتهم الذين تركوا الوطن ذات يوم بحثا عن لقمة العيش·· كانت الجزائر التي يعرفونها حلمهم الذي لم يعرفوه ولم يستنشقوا نسيمه العليل، والمعتل في الوقت ذاته، كانت ذكرى عامرة بالروائح والألوان والأصوات التي ظل يحملها والديهم الذين ظلوا يحلمون بعودة راحت تستحيل مع الوقت وزحف الزمن··· كانوا مشتتين هناك وراء البحر، في بلدان باردة وتحت سماوات دائما مليئة بالضباب والغيوم سماهم يحنون إلى شمس الأسلاف والأجداد والآباء والأمهات·· كانوا برغم تألقهم ومجدهم الكروي يشعرون بإحساس أبتر، وكان يشعرهم بذلك الإحساس الأبتر لون جلدتهم، أوشام آبائهم وأمهاتهم، لكنتهم وما تبقى من عصير ثقافتهم ودينهم·· كان وعيهم أكثر إشراقا وصفاء، عادوا من بعيد إلى الحضن الكبير الذي كان أشبه بالفردوس المفقود··· أعادوا اكتشاف ''قسما''·· أمدوا جسور المحبة الجديدة مع الذاكرة الحية، مع النبضات المتدفقة من حناجر الجزائريات والجزائريين المنبعثين كالعنقاء من تحت الرماد·· أعاد الجزائريون اكتشاف سلطة الراية البيضاء والحمراء والخضراء الروحية، وانصهروا في بوتقة هذا اللقاء الرائع بين من كان غريبا هناك وغريبا هنا، ليصبحوا لحمة قوية وحارة ومشتعلة·· وصاح الجميع ها نحن نعود بفضل هذه اللعبة السحرية التي حققت ما عجز عنه الساسة وقادة الرأي·· وصار أهل البلد بفضل عودة هؤلاء الأبناء الغرباء الذين استعادوا هويتهم اللغوية والوطنية والروحية شركاء في الحلم·· حلم التحدي والمقاومة والانتصار··· وبالفعل تحقق جزء من هذا الحلم·· وعادت الجزائر إلى ملعب المونديال بعد طول غياب·· وطول انتظار·· ويجب أن نشكر الله، لأن الله كان معنا في معركتنا من أجل استرجاع الأمل·· وباب الأمل المسترجع سيظل قائما ومفتوحا برغم الخروج المبكر من المونديال الذي تسبب فيه القائمون على رأس الفريق الوطني، وبالتحديد وهذا للتاريخ الثنائي محمد راوراوة ورابح سعدان ولا حول ولا قوة إلا بالله··· كان بين أيدينا كل أسباب القوة والنجاح والذهاب بالتحدي إلى أقصى حد، لكن حدود هذا الثنائي النفسية والفكرية أساسا حالت دون ذلك، وتواطأت مع الأمريكان والسلوفانيين في إجهاض جزء من هذا الحلم الجميل··· لم يكن الثنائي راوراوة وسعدان يؤمنان بالمعجزة الجزائرية، ومعجرة الانبعاث·· وهذا ليس لأنهما غير وطنيين أو صادقين، بل يعود ذلك إلى تلك العقدة، عقدة الصغير الذي لا يستطيع أن يؤمن أن قواعد لعبة الصغير والكبير قد تغيرت··· والدليل على ذلك، فلقد تمكن آخرون كانوا في نظر العالم مجرد صغار بفضل الإرادة والإيمان وتوظيف الذكاء من تحقيق المعجزة··· معجزة كنا قادرين على تحقيقها أو الإنضمام إلى هذا الجوق الجديد الذي قام بإنجازها تاريخيا·· أجل لقد تمكن السلوفاك من طرد إيطاليا صاحبة اللقب من ساحة المونديال طردا مذلا وصاخبا وتمكن اليابان من فرض آسيا على أوروبا في هذا المونديال التاريخي، وتمكنت غانا بمثابرتها، وإصرارها الحار على إنجاز ما أخفق القائمون على شأن الفريق الوطني في إنجازه··· وهذه الحقيقة يجب أن ننظر إليها بشجاعة وهدوء وبالتفكير جديا في تحويل ما تبقى من الأمل إلى قوة وذخيرة حية من أجل غد أفضل·· ما تكبدناه هو نتيجة منطقية عندما يستولي القادة الفاشلون على فريق لامع وناجح·· يمتلك كل أسباب التفوق والفوز·· يجب علينا أن لا نخضع لهؤلاء الفاشلين الذين يريدون أن يزينوا لنا فشلنا في الدور من المونديال على أنه كان ناجحا ومشاركة مشرفة·· لا· لنكن واقعيين ما حققناه لم يكن نجاحا، ولم يكن مشاركة مشرفة·· بل كان سطوا كبيرا لفرصة انتصار كبير كان بين أيدي الفريق من قبل مسؤولين يرضون وهم فرحون بالهزيمة ولا يؤمنون بالنجاح···