لم تفلح الأحزاب السياسية التي ندّدت علنا بشراء الذمم الانتخابية، في القضاء على الظاهرة في الخفاء، حيث تجري انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة اليوم على هذا الوقع، وسط تشتت سياسي كبير بين أنصار الرئيس بوتفليقة في التحالف، بعد إلغاء لقاء القمة الذي كان سيجمع قادته عشية هذه الاستحقاقات· سيغادر ابتداء من اليوم 72 عضوا في مجلس الأمة، تاركين مقاعدهم ''لسيناتورات'' جدد، وسط جدل حاد حول الأحزاب التي فشلت في التخلص من آفة شراء العهدات النيابية المتعلقة بالبرلمان، آفة طالما نددت بها قيادات الأحزاب في خطاباتها الرسمية، لكنها بالمقابل ظلت لصيقة· في وهران مثلا، كشف محمد زروقي، قيادي في الجبهة الوطنية الجزائرية، أن بعض المنتخبين التابعين لجبهتهم تمت مساومتهم بالأموال لانتخاب مرشحين آخرين، ويؤكد أن الجبهة لا تستطيع الجزم بشراء أصوات البعض ''التي تظهر في النتائج، حيث يفترض أن ينال مرشحنا مجموع أصوات منتخبينا ال 36، إذ في حال لم يتحصل على مجمل هذا العدد، معناه أن الخديعة قد حصلت عن طريق المال من دون أدنى شك''· يحدث هذا في ''الأفانا''، في الوقت الذي تعرف فيه جبهة التحرير الوطني في نفس الولاية مشكلة انضباط تتخللها أقاويل عن استعمال المال والنفوذ، وهو ما دفع الأمين العام عبد العزيز بلخادم، بمناسبة التحضير للمؤتمر التاسع في العاصمة، إلى التهديد بإقصاء ''كل مناضل جبهوي يترشح حرا وكل من يثبت تورطه في شراء الأصوات''· ليس الأفانا و الأفلان فقط من تظهر عليهم علامات استفحال الظاهرة، بل سبق للأمينة العامة لحزب العمال وأن أكدت بخصوص نفس المناسبة بأن الرشوة السياسية أمر واقع وتحدثت عن حيازتها أدلة دامغة· الشتات السياسي للتحالف·· لماذا انفضح بهذا الشكل هذه المرة؟ ظل القادة الثلاثة لأنصار الرئيس بوتفليقة ينفون عن أنفسهم انهيار هذا القطب الذي قاد به الرئيس بوتفليقة الجزائر لثلاث عهدات متتالية، لكن ظلت دائما الأفعال والأحداث السياسية تبيّن عكس هذا الواقع· هذه المرة يبدو الانهيار مفضوحا بشكل رهيب، من خلال لجوء أحمد أويحيى الوزير الأول وزعيم التجمع الوطني الديمقراطي إلى تحالف ''غير طبيعي''، سياسيا بين أمينة حزب العمال ذات التوجه اليساري الاشتراكي البحت، ورجل ظل كمسؤول يرافق نظام البلاد لإخراجها من الموروث السياسي والفكري القديم للمعسكر الشرقي نحو الانفتاح على التوجه الرأسمالي الليبيرالي للاقتصاد والسياسة معا بسبب العولمة· هذا ''الزواج السياسي'' المفاجئ جاء مباشرة بعد دعوة غير مسبوقة للويزة حنون للرد على الحملة التي تستهدف الوزير الأول بسبب دفاعه بشدة عن قانون مالية تكميلي يعيد الاعتبار للجمهورية· وجاء هذا التقارب أيضا بين ''الأرندي'' و''العمال''، في وقت كان يسود فيه الاعتقاد بأن بلخادم بات الأقرب للظفر ''بقلب'' حنون سياسيا، من خلال التوصل إلى اتفاق في انتخابات مجلس الأمة، عقب لقاءات متعددة بينهما· وإذا كان أويحيى قد ''خطف'' حنون من بين يدي بلخادم، فإن هذا الأخير ظل يبحث لها عن بديل مع الأفانا وحركة مجتمع السلم، لكنه فشل فشلا ذريعا خاصة بعد إعلان قيادات من الأفانا استحالة التقدم في المفاوضات، بينما بقي التحالف مع حركة أبو جرة سلطاني رهين تقليد عتيق في الحركة الإسلامية وهو شورى القاعدة التي ارتأت بأن تتحالف محليا مع الجهات السياسية التي تراها مناسبة في مبدأ ''صوت مقابل صوت آخر'' في انتخابات مجلس الأمة· كل هذا الشتات الذي يسود التحالف الرئاسي جاء بعد إلغاء قمة التحالف التي كانت مبرمجة عشية هذه الاستحقاقات، كما أكد ذلك محمد جمعة الناطق باسم حركة مجتمع السلم· ولعل ما كان وراء الإلغاء هو عدم وجود أصلا على أجندة التحالف أي مشروع لتحالف داخل التحالف بخصوص التجديد النصفي للغرفة العليا للبرلمان، وهو أكبر أمر محيّر شرع إثره كل طرف في البحث عن شريك آخر خارج المؤسسة الشرعية للائتلاف·