يبدو أن العلاقات الجزائرية الفرنسية تجاوزت مرحلة ديبلوماسية تطييب الخواطر، فقد أكدت مصادر فرنسية أنه تم إلغاء الزيارة التي كان من المقرر أن يقوم بها وزير خارجية فرنسا، برنارد كوشنير، قبل نهاية شهر جانفي الحالي وتأجيلها لشهر مارس المقبل في حال تحسن العلاقات بين البلدين· الزيارة التي لم يعلن عن تاريخ محدد لها، كان من المفترض أن تأتي في بحر الأسبوع الأخير من الشهر الحالي· غير أن التطورات الأخيرة في العلاقات بين الجزائروفرنسا أعادت الحوار لنقطة الصفر، بعد وضع الخارجية الجزائرية شرطا قبل تجسيد الزيارة والمتمثل في اتخاذ التدابير اللازمة لإخراج الجزائر من القائمة السوداء· فقد أكد مراد مدلسي وزير الخارجية الجزائري، في حوار للتلفزيون الجزائري: ''أنه لا يمكن توقع زيارة وزير الخارجية الفرنسي للجزائر قبل التراجع عن التدابير المتخذة من طرف فرنسا في حق الجزائريين''· يأتي هذا التأكيد بعد المعارضة الشديدة التي أبدتها الخارجية الجزائرية خلال جلسة استدعاء السفير الفرنسي بالجزائر، حيث اعتبرت السلطات الجزائرية أن سير فرنسا في ركب الولاياتالمتحدة لا يتماشى مع طبيعة العلاقات المفترضة بين البلدين· ففي الوقت الذي يصر فيه وزير خارجية فرنسا على التأكيد على أن العلاقة بين الجزائر لا تعرف أي فتور وأنها علاقة صداقة، يسارع مراد مدلسي بالرد على أن طبيعة العلاقة لا تتجاوز كونها علاقة مصلحة مشتركة، في إشارة إلى أنه لا يمكن أن تتخذ فرنسا مثل هذا الإجراء أحادي الطرف والاستمرار في الاعتقاد أن هناك علاقة صداقة قائمة بين البلدين· من جهته، وفي آخر خرجة إعلامية له، صرح برنارد كوشنير للصحافة، أول أمس، أن الزيارة المقررة للجزائر تأجلت إلى نهاية شهر فيفري المقبل أو شهر مارس على أقصى تقدير، على اعتبار أن الزيارة مجرد مسألة وقت لا غير· في إشارة إلى أنه لا وجود لأي توتر يذكر بين البلدين· وبالرغم من محاولات تأكيد الطرف الفرنسي على السلاسة في العلاقات بين البلدين، إلا أن كوشنير لم يخض في تفاصيل اللقاء الذي من المقرر أن يجمعه مع نظيره مراد مدلسي، مع العلم أن العديد من القضايا الشائكة ماتزال عالقة وتكاد تكون حجر عثرة أمام تحسن العلاقات بين البلدين· والأمر لا يقتصر على التدابير الأخيرة المتخذة من طرف فرنسا في حق المسافرين الجزائريين، بعد وضع الجزائر ضمن القائمة السوداء للبلدان التي تشكل تهديدا وخطرا إرهابيا، وإنما في العديد من القضايا التي لا تتفق النظرة الجزائرية مع نظيرتها الفرنسية· وإن كانت الجزائر قد عبّرت صراحة عن موقفها من اعتبار الجزائر بلدا يشكل خطرا إرهابيا، من خلال تصريح مراد مدلسي الذي اعتبر أنه : ''ليس على الجزائر أن تتلقى دروسا فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب''، تبقى قضايا أخرى عالقة مثلما هو الحال مع تنقل الأفراد بين الضفتين· ففي الوقت الذي تنظر فيه فرنسا ومن ورائها الإتحاد الأوروبي على ضرورة فتح الضفة الجنوبية حدودها للسير الحر للبضائع، يظل الطرف الجزائري متمسكا بموقفه في حق الأفراد قبل البضائع في التنقل الحر، وهو ما لا تنظر إليه فرنسا بعين الإيجاب· يأتي هذا التطور الجديد في العلاقات الجزائرية الفرنسية لتنضاف لتلك التراكمات بين البلدين، مما جعلها شديدة الحساسية· فبالإضافة إلى البعد التاريخي الذي لم يحسم بشكل نهائي، جاءت العلاقات الاقتصادية لتعمق تباعد وجهات النظر بين الضفتين· ولعل الإجراءت الأخيرة المتخذة في إطار قانون المالية التكميلي والقاضي بالتوجه نحو حماية الاقتصاد الوطني، دليل آخر على تباعد وجهات النظر· فقد اضطر المستثمرون الفرنسيون من قبول على مضض التدابير الاقتصادية الجديدة وفضّل آخرون التوجه نحو بلدان مجاورة، إذ أن الجزائر تصر على علاقة ربحية لكلا الطرفين اقتصاديا، تنصب بالدرجة الأولى في خلق مناصب شغل ودفع عجلة التنمية الوطنية، بدلا من الاكتفاء بالنظر للجزائر على أنه سوق كبير لتفريغ البضائع أو مصر للمواد الأولية البخسة الثمن· هذا، بالإضافة إلى الورقة السياسية التي تفرق بين البلدين، التي تتمثل في قضية الصحراء الغربية، حيث أن الجزائر تعيب على فرنسا خرقها للقانون الدولي واتخاذ موقف مساند للمملكة المغربية ضد حق الشعب الصحراوي· هي إذن جملة من القضايا التي يشكل كل واحد منها ملفا شائكا بحد ذاته، والمطلوب من خارجيتي البلدين التوفيق بينهما لتقريب وجهات النظر، غير أن الإجراءات الأخيرة لا تنم عن نية في المضي في تأسيس علاقة احترام متبادل ومصلحة مشتركة قبل أن تكون علاقة صداقة· سامية بلقاضي ------------------------------------------------ محور الجزائر باريس بملفات نحو انفجار أو انفراج؟ بإلغاء زيارة وزير خارجية فرنسا، برنار كوشنير، إلى الجزائر للمرة الثانية على التوالي، ومباشرة بعد تصريحات وزير الخارجية، مراد مدلسي، الصارمة تجاه باريس والولاياتالمتحدةالأمريكية على حد سواء، لا يمكن القول إلا أن تكدس الملفات العالقة على محور باريس الجزائر، إما يسير نحو انفجار قريب، أو نحو انفراج، لكنه قد يكون بعيدا· تتحكم حاليا أربعة ملفات في العلاقات الجزائرية الفرنسية· بدون منازع، يكون الفتيل الجديد للنار الذي أشعلته باريس هو مطالبة هذه الأخيرة، الجزائر بمعلومات على خلفية التدقيق الأمني مع المسافرين الجزائريين، الذي أزعج كثيرا الرئيس بوتفليقة بدليل تحرك وزير الخارجية مراد مدلسي لشجب الموقف الفرنسي وبلهجة شديدة للغاية، كانت الجزائر في أوجّ معركتها لبناء صورتها في الخارج بعد استرجاع استقرارها الأمني بشكل شبه تام وأصبحت فيه أيضا تجربتها في مكافحة الإرهاب مرجعا دوليا، مما فهمته الجزائر أن باريس تريد بتصرفها غير الدبلوماسي هذا، تهدف إلى تشويه صورة الجزائر والجزائريين حول العالم، وجاء ذلك أيضا في أوج دعم الجزائر لموقف المناضلة الصحراوية اميناتو حيدار الذي نال تأييد معظم شعوب وحكومات العالم، للعودة إلى العيونالمحتلة، حيث جاء قرار الكيدورسي مشابها إلى طوق نجاة للرباط بالنظر إلى ظرفه وتوقيته، في محاولة للفت النظر نحو الجزائر، وتحويلها عن المخزن· الملف الثاني المتحكم في المحور حاليا هو عدم ظهور أي أمر أو قرار ملموس يقبض بموجبه الجزائريون المتضررون من التفجيرات النووية في الجنوب قبل وبعد الاستقلال، رغم تبني الجمعية الفرنسية مؤخرا قانون تعويض الفرنسيين في الجزائر وبولينيزيا، والتعامل مع الجزائر بسياسة التسويف من خلال اللجنة المشتركة لمتابعة وتحديد عناصر تعويض الجزائريين، وهي اللجنة التي وإن أكد إنشاءها كلا الطرفان إلا أن لا شيء ظهر عنها أو عن هوية المشكلين لها· أما الثالث فقد أخذت مسألة دراسة العناصر الهوية الفرنسية مؤخرا، الذي انخرط فيه سياسيون وأكاديميون وإعلاميون فرنسيون، ومن الطبقة المثقفة أيضا، أبعادا عنصرية خطيرة ضد الجالية المغاربية بما فيها الجزائريون وأعادت إلى الأذهان كل تلك الحوادث التي تعرضت لها الجالية الجزائرية من قبل الفرنسيين سواء في الإدارات أو المواقع الدينية كحرق المساجد والتعدي على المقابر بما فيها شهداء الجزائر في الحرب العالمية الثانية الذين حاربوا ضد النازية في فرنسا· ليأتي ملف الترحيل القصري للأشخاص أحادي الجانب من بين الأمور التي تؤرق العلاقة وتدفع بها إلى أبعد النطاقات المسيئة للمغاربيين بينهم الجزائريين· رغم كل ذلك لم يظهر التوتر في كامل صورته بين البلدين، بدليل بقاء مستويات التبادل على اختلاف أشكاله قائما، ولو أن المشاركة الاقتصادية الفرنسية في الجزائر سجلت مؤخرا مستويات متراجعة مقارنة بسنوات خلت، كما أن العلاقات الثنائية بين البلدين لم ترق يوما منذ الاستقلال إلى ما يدعو لتأكيد انفجار حتمي دائم·· إذن، فهل هي مجرد سحابة تسير نحو انفراج؟ الجزائر ترفض استقبال كوشنير! عبد اللطيف بلقايم ------------------------------------------------ تداعي الوهم··· لا يكاد يذكر في تاريخ العلاقات الجزائرية الفرنسية موقف بهذا الحزم والجدية في التعامل مع باريس، فرفض زيارة الرجل الأول في الكيدورسي، يعد في الأبجديات والأعراف الدبلوماسية، رسالة قوية تعكس غضب الجزائر من موقف فرنسي ما فتئ يتقلب بين نفاق دبلوماسي يدعي السعي إلى تحسين العلاقات وإجراءات في الميدان تنم عن نية ممارسة الضغط وبأساليب غاية في الخطورة على مستقبل العلاقات بين البلدين· قد يكون تعامل الجزائر مع سلسلة من الملفات التي أثارتها باريس منذ سنتين تقريبا ببرودة أعصاب، فيه جانب من الصواب، غير أن لا أحد بإمكانه نفي أن العاصمتين عاشتا في نفس الفترة ما يشبه حربا باردة، ميزها تأجيل وإلغاء زيارات رسمية على أعلى مستوى، ما يبعث على الاعتقاد أن العلاقات ليست على ما يرام، بل أبعد من ذلك، فرفض الجزائر زيارة كوشنير يعتبر في نظر المراقبين تطورا ذا دلالة تنذر بتصعيد في الأيام القليلة المقبلة من الطرفين، رغم أننا نجهل درجته ومدى استعداد الطرفين للدفع بالأمور إلى مزيد من التوتر·الأكيد أن العلاقات الجزائرية الفرنسية ظلت ولا تزال بين مد وجزر تحكمها مقتضيات الراهن، والأهم ذلك، الإرث المثقل بالمآسي والجراح التي خلفتها عشرات السنين من علاقة الخاضع والمسيطر، وربما انقلبت المعادلة اليوم لتصبح العلاقة مصلحة بمصلحة، شرط أن تحترم كرامة واستقلالية مستعمرة الأمس، التي وإن رفعت علمها وبسطت سيادتها على كل شبر من أراضيها، إلا أن مستعمر الأمس لا يزال مسكونا بهوس السيطرة وعنجهية سيد مصاب بمرض الوهم··· وهم تداعى· ب· القاضي ------------------------------------------------ جراد (الخبير في العلاقات الدولية): على فرنسا أن تحترم محاربة الجزائر للإرهاب يرى الدكتور عبد العزيز جراد، الخبير في العلاقات الدولية، أن ما تشهده العلاقة الجزائرية الفرنسية، يعتبر مجرد برودة عابرة، على اعتبار أن ما يجمع البلدان أكثر مما يفرقهما بالنظر لنسبة الجالية الجزائرية لمتواجدة في فرنسا، والعديد من الارتباطات المهمة لكلا البلدين، والتي لا يمكن ضربها عرض الحائط· بداية، كيف تصفون العلاقة الحالية بين الجزائروفرنسا؟ من وجهة نظري، لا يمكن الحديث عن سوء العلاقة، إنما برودة يمكن تجاوزها ولابد من ذلك، لأن المصلحة المشتركة أكبر من حجم الخلافات القائمة مهما كانت تبدو شائكة· ولو عدنا إلى ما يجمع البلدان على أكثر من صعيد، يكفي التذكير بنسبة الجالية الجزائرية في فرنسا، ثم هناك العلاقات التجارية التي تظل بالرغم من كل الخلافات من أكبر التبادلات التجارية لكل من الجزائروفرنسا· وعليه أعتقد أن الأزمة الحالية مجرد أزمة ظرفية يمكن إرجاعها لسكّتها الصحيحة التي تحمي مصلحة البلدين· ماذا عن رفض الجزائر استقبال وزير خارجية فرنسا؟ لا يمكن الحديث عن رفض ما دام هناك ذكر لتاريخ آخر للزيارة، وإنما مجرد تأجيل بالنظر للغضب الجزائري إزاء الإجراء الفرنسي القاضي بوضع الجزائر في القائمة السوداء على غرار أمريكا· وفي اعتقادي، فإنه من حق، بل من واجب الجزائر المطالبة بأن يتم التعامل معها كشريك له كل المصداقية في محاربة الإرهاب· بل أكثر من ذلك كشريك سياسي مهم في منطقة الحوض الأبيض المتوسط والمنطقة المغاربية وكذا الإفريقية، مع العلم أنها المكانة التي تعود للجزائر بالنظر للدور الذي تلعبه في المنطقة· كيف تصفون قرار فرنسا القاضي بوضع الجزائر في القائمة السوداء؟ من وجهة نظري كان تسرعا من الجانب الفرنسي، وخطأ في حق الجزائر، لذا يجب إعادة النظر في هذا القرار الأحادي الطرف، إذ لا يصح بأي شكل من الأشكال التغاضي عن المهمة التي اضطلعت بها الجزائر في محاربة الإرهاب في المنطقة بإمكانياتها الخاصة دون تلقي المساعدة، وعليه لا بد من التعامل معها على هذا الأساس· هل تعتقدون أن رد الفعل الجزائري كان بمستوى القرار الفرنسي؟ اعتبره رد فعل موزون ينطلق من مواقف جزائرية ثابتة تصر على ضرورة احترام العالم وليس فرنسا فقط بالنظر إلى دور الجزائر في مكافحة الإرهاب· من وجهة نظري، على السلطات الجزائرية أن تواصل المطالبة باحترام سنوات الوقوف في وجه همجية الارهاب، وبالتالي عدم وضعها في خانة الدول التي لها صلة بالإرهاب· من هذا المنطلق، لا بد من الصرامة في احترام مصالح الجزائريين سواء مع فرنسا أو الولاياتالمتحدة الأمريكية·