جامع الراس بمسعد سؤال لعل أجدادنا وآباءنا لم يطرحوه؛ لأن المذهب المالكي هو السائد في المغرب العربي و بالرغم من أن الإمام مالك عاش في المدينةالمنورة ودرس فيها وكان إماما بحق للحرمين الشريفين، وتذكر السير إنه ولد عام 93 هجرية وتوفي في عام 179 هجري (أي هو من علماء القرن الثاني الهجري). يقول الشيخ بن تيمية في حق الإمام مالك على صفحات كتابه : "تفضيل مذهب الإمام مالك وأهل المدينة وصحة أصوله " : " الحمد لله. مذهب أهل المدينة النبوية، دار السنة، ودار الهجرة، ودار النصرة إذ فيها سن الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم سنن الإسلام وشرائعه، وإليها هاجر المهاجرون إلى الله ولرسوله، وبها كان الأنصار " وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ" سورة الحشر، مذهبهم في زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم أصحّ مذاهب أهل المدائن الإسلامية شرقا وغربا في الأصول والفروع. ثم يذكر الأحاديث الدّالة على خيرية القرون وأفضليتها فيقول : "وهذه الاعصار الثلاثة هي أعصار القرون الثلاثة المفضلة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح من وجوه: خير القرون القرن الذي بعثت فيهم . القرن : "مقدار التوسط في أعمار أهل كل زمان" ، وشرحه غير واحد بأنه مائة عام إلى مائة وعشرين ، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته" ، وفي نفس الكتاب يقول العلامة بن تيمية فأما الأعصار الثلاثة المفضلة فلم يكن فيها بالمدينة النبوية بدعة ظاهرة البتة ولا خرج منها بدعة في أصول الدين البتة كما خرج من سائر الأعصار" . ويذكر كثير من المحدثين أن المقصود من الحديث النبوي الشريف الذي رواه الترمذي يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل في طلب العلم فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة وقد روى هذا الحديث غير واحد، وذكروا أن المشار إليه هو الإمام مالك لأنه عالم المدينةالمنورة. ولقد فصّل في هذه المسألة العلامة ابن تيمية فيقول : "فإنه لاريب أنه لم يكن في عصر مالك أحد ضرب إليه الناس أكباد الإبل أكثر من مالك" . ويقول الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه عندما سئل من أعلم بسنة رسول الله : مالك أم سفيان فقال بل مالك ، وقد كان سفيان الثوري من أعلم أهل العراق في ذلك الوقت بالفقه والحديث. ويقول عنه الإمام الحافظ الذهبي في موسوعته " سير أعلام النبلاء" : هو شيخ الإسلام ، حجة الأمة ، إمام دار الهجرة أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث بن غيمان بن ختيل بن عمرو بن الحارث . وهو ذو أصبح بن عوف بن زيد بن شداد بن زرعة ، وأمه هي عالية بنت شريك الأسدية، ثم يستطرد فيقول؛ ويروى عن ابن عيينة (سفيان بن عيينة التابعي من الفقهاء السبعة رضي الله عنهم) قال كنت أقول (ويعني عن الحديث: "فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة) حتى قلت كان في زمانه سليمان بن سيار وسالم بن عبد الله وغيرهما ثم أصبحت اليوم أقول : إنه مالك لم يبق له نظير بالمدينة . وساق العلامة "محمد أبو زهرة" هذا اللفظ عن الإمام مالك رضي الله عنه فقال في كتابه : "تاريخ المذاهب الإسلامية" : جلس مالك للدرس ورواية الحديث بعد أن تزوّد من زاد المدينة العلمي واستوثق لنفسه واطمأن إلى أنه يجب أن يعلم بعد أن تعلم وأن ينقل للناس أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواها من الثقات وأن يفتي ويخرج ويرشد المستفتين ويظهر أنه قبل أن يجلس للدرس والإفتاء استشار أهل الصلاح والفضل . ويقول العلامة الأزهري الشيخ أبو زهرة رحمه الله : "وقال فيه ولي الله الدهلوي : كان مالك من أثبتهم في حديث المدنيين عن رسول الله وأوثقهم إسنادا وأعلمهم بقضايا عمر وأقاويل عبد الله بن عمر وعائشة وأصحابهم وبه وبأمثاله قام علم الرواية والفتوى فلما وسد إليه الأمر حدّث وأفتى وأجاد عن حجّة الله البالغة للإمام الدهلوي . إن المذاهب الأربعة عامل توحيد للأمة وليست عامل تفريق بينها بدليل أن الحنفي يصلي خلف المالكي وأن المالكي يصلي خلف الحنبلي وهلمّ جرا ، وإن الخلاف بينهما كما قال الخليفة الإمام علي رضي الله عنه "اختلاف في التأويل وليس اختلافا في التنزيل" هو اجتهادات في تأويل النصوص وهو يمسّ الفروع لا الأصول بدليل أنه لا يوجد هناك مذهب واحد يقول بأن صلاة الظهر ليست رباعية أو أن صلاة الصبح ليست ثنائية ، وهم لا يختلفون في حرمة الخمر أو المحرمات المذكورة في الكتاب والسنة . عندما نقول بضرورة العودة إلى المصادر الأولى للتشريع الإسلامي، ومن أهمّ المصادر وأوفاها وأصدقها ما جاءت به المذاهب الأربعة وفي مقدمتها المذهب المالكي ، إذ كل أصحاب هذه المذاهب كان أقرب إلى مصدر خبر الوحي (القرون الأولى الثلاثة) وهي القرون التي وصفها رسولنا الكريم بالخيرية والأفضلية، عندما نقول ذلك يتهمنا بعض المتنطعين بأننا متخلفون ننبش في قبور الموتى، فالإمام مالك كما يقول عنه الأستاذ أمين الخولي في كتابه الضخم مالك بن أنس قد استظهر ألف ألف حديث ومعنى هذا أنه حفظ مليون حديث، وأخذ ينخل هذا الكم الهائل ويرجعه إلى أصوله ليحد من بينه الأحاديث الموضوعة وضعيفة الاسناد وأقوال بعض الصحابة إلى آخر هذا ؛ فكان خلاصة هذا الجهد المضني كتابه "الموطأ" الذي كان أوّل تدوين خاضع للمعايير سبق في ذلك البخاري ومسلم وغيرهما من علماء الحديث؛ وقد قال الإمام مالك رضي[1] الله عنه عن نفسه : "لم أشرع في الفتوى والتدريس إلاّ بعد أن أجازني سبعون محنّكا . كان بحثهم مقاساة وجهادا وكانت نتائج أعمالهم اجتهادا ، وأنا أرجو أن يطلع هؤلاء المستخفون بجهود هؤلاء وبمكانتهم ودرايتهم العلمية أن يطّلعوا على ما كتبه أتباع مذهب الإمام مالك من مئات الشروح مثل الدسوقي علي الدردير ، وغيره . حين يقول بعض المتأخرين : لماذا لا ننهل من النبع الصافي الذي نهل منه هؤلاء : الكتاب والسنة ، ونظل نقلد هؤلاء ولا نعود إلى ما عادوا إليه هم من أصول ؟. ولهؤلاء أستعرض مقولة قالها أحد علماء الجزائر المتمذهب بمذهب الإمام مالك وهو العلامة الوالد الشيخ سيدي عطية بن مصطفى رحمه الله من معرض إجابته عمن قال له : لماذا لا نرجع إلى القرآن والحديث ننهل منه كما فعلوا ؟ فكانت إجابة الشيخ : هل لديك حنفية ماء في البيت وهل لديك كهرباء ؟ فقال له الاثنان معا موجودان ، فقال له الشيخ عندما تحتاج أن تصب الماء أو توقد المصباح هل تضطر إلى الذهاب إلى خزان الماء أو خزان الكهرباء أو تكتفي بما عندك ؟ قال له : أكتفي بما عندي ، فقال له إن هؤلاء العلماء جزاهم الله خيرا قد كفونا مؤونة البحث والتنقيح والوصول إلى صحة الأصول هم مهدوا لنا الطريق فلماذا نبحث عن محاولة تمهيد طريق أخرى ؟ (*) الأستاذ يحيى مسعودي : أديب و شّاعر و كاتب هامش [1] إن هذه العبارة ليست على النحو الذي يفهمه بعض المتأخرين بأنه تألي على الله ، وبصيغة الماضي ، وإنما يراد منه طلب الرضى من الله ، مثلما نقول فلان رحمه الله ونحن نقصد صيغة الفعل المضارع أي الدعاء من الله للميت بالرضى وبالرحمة