قال الشاعر والروائي الجزائري "إسماعيل يبرير" ان معظم الكتاب الجزائريين كتبوا الرواية دون ان يكتبوا المدينة، على الرغم من ان الرواية ابنة هذه الأخيرة، مشيدا بالجيل الجديد من الكتاب الشباب، الذين أسسوا لفعل روائي آخر أكثر واقعية وتلونا بأطياف الفسيفساء الثقافية والبيئية والاجتماعية الجزائرية.. ورد هجوم الجيل الأول من الكتاب الجزائريين على الجدد إلى غيرة بعضهم وسقوط البعض الآخر في دوامة الفراغ والعجز القاتل عن الكتابة.. والى أسباب أخرى أوردها ل"الأيام" في هذا الحوار القصير... إنك بصدد كتابة "غربال الماء".. فمتى ستصدرها؟ لا أدري بالضبط، قد تكون جاهزة خلال أيام أو أسبوع، وقد تكون جاهزة خلال يوم واحد، إنني أضع اللمسات الأخيرة، ولا أدري متى سأتغلب على بطء اللحظات الأخيرة الذي يجرفني. وهل بإمكان الأيام أن تفوز بسبق نشر بعض من مضمونها القصصي.؟ إنها رواية عن يوميات شاب فاشل على الأصعدة جميعها، شاب من العاصمة، يغرق في تفاصيل يومية بائسة، كتلك التي يعانيها اغلب الشباب، إضافة إلى مشاكل نفسية تثيرها اعتبارات شخصية واجتماعية، يعانيها البطل في صمت.. البطل في روايتي "غربال الماء" مجهول الأب، لذلك فإن الأسئلة الاجتماعية تجرحه في الصميم، كما أن الأسئلة النفسية تكبر يوما بعد يوم لتطغى أكثر على جميع الاعتبارات الأخرى.. أما الشخوص الأخرى فقد اخترتها بعناية لتكون من أسفل دركات المجتمع، كلها شخصيات غير مثقفة، محدودة التفكير والانشغالات والأهداف والآمال. وما الفرق بين بنائها الأسلوبي وبين "ملائكة لافران"؟ هل هناك من تغيير أو تجديد؟ لا، لم اشتغل كثيرا على البناء الأسلوبي للرواية الجديدة، فقد تركت انسيابية الأحداث تسري وتأخذ مجراها وتشكل الأسلوب وفقا لذلك. الغربال والماء.. وأحيانا الغربال والشمس.. هي كلمات تراثية لأمثال شعبية..؟ نعم، الماء كلمة تقليدية عندما يقرن بالغربال، هذا في لغة جداتنا، ونحن نقول في موروثنا الشعبي المحلي: "يغربل الماء على رأسه" أي أن الشخص فاشل حتى الثمالة، عشوائي السلوك، مشتت التفكير، عديم المقاصد أو سفيها، لذلك جعلت من بطلي، من حياته وسلوكياته، غربلة للماء. انك وفي للذاكرة المكانية والحكائية في حين يتنصل اغلب الكتاب الجزائريين من المكان وتبعاته السردية، فكيف تفعل ذلك؟ رواياتي هي توطين للمعاني، ما جد منها وما كان قديما، وإني أجد متعة في فعل ذلك، وأحقق شعورا ما بالانتماء، وجمع أجزاء هويتنا المتشظية، بشكل واع وحضاري وثقافي، وواضح في كل تجلياته، إننا عندما نقرا الرواية اللبنانية والسورية نجد أنفسنا في تفاصيل الأزقة والحارات والأماكن المختلفة، حتى إننا نعتقد أننا هناك فعلا، لكن رواياتنا الجزائرية لا تشبه الجزائر تماما. هل تقول بذلك أننا في تبعية أسلوبية وتصويرية للرواية المشرقية؟ إن ما أقوله أننا نكتب الرواية والرواية ابنة المدينة، وليست الريف، لكننا في مجمل الأحوال نكتب الرواية دون أن نكتب المدينة، أننا نذر ها لكننا نتجاهل تفاصيلها، هذه هي المشكلة في رأيي، لا اعتقد أن أي روائي جزائري قد كتب المدينة كاملة دون نقصان عدا بعض الأسماء، لقد حاولت أن افعل ذلك في روايتي الجديدة، التي ستكون في حوالي 150 صفحة تقريبا. عدا المدينة، كيف تجد علاقة الروائي بالبيئة والمجتمع، وبذاته هو أيضا؟ ربما سأقول أن اغلب الروائيين الجزائريين من الجيل الماضي لم يكونوا صادقين مع أنفسهم، وحاولوا مجتهدين مجاراة هذا التيار أو ذلك، على عكس الجيل الجديد من الكتاب الشباب، الذين يؤسسون لوعي آخر أكثر التصاقا بواقع المجتمع والذين استطاعوا الحصول على بعض الخبرة في هذا المجال، إنهم يتصالحون مع ذواتهم بشكل راق، ويتقربون منهجيا وفنيا من واقعهم المعيش، دون انفعالات أو أحكام قيمية يصدرونها في أعمالهم على هذا أو ذاك، من الأشخاص والظروف، إنهم ينجزون الرواية بكثير من التأمل والكشف، ويتركون للقارئ اختيار الحكم.. استطيع أن أقول أن جيل الشباب حقق ذلك بجدارة. مثل هذا القول ما جعل أكثر من اسم من الأسماء الرائدة تغضب على جيل الشباب وتصفه بالاستعجالي والوصولي وغير ذلك من الأوصاف.؟ إنه جيل لا يمكن إرضاؤه على أية حال، إن هذا العداء يعود إلى غيرة لدى البعض منهم تجاه الكتاب الشباب، غيرة من قدراته ووعيه والإمكانات المتاحة له.. طرق أفضل في الكتابة، جوائز أكثر ومهرجانات أكثر، ربما الجيل القديم يشعر بالإحباط إزاء كل ذلك أو بفراغ تام بعد أن توقف معظمهم عن الكتابة، انم في النهاية كتاب لامعون انتظرتهم الساحة الأدبية لكن هناك من اخذ منهم المشعل. حسنا، وهل لك علاقة مميزة بمدينة الجلفة؟ مدينة الشعر والنخل والابتسام..؟ علاقتي بالجلفة كمدينة هي علاقة ملهم بملهَم، لم تغب عني يوما، أما الجلفة، كبيئة وكموروث فإنها تسكنني حتى وأنا بالعاصمة، إنها مقيمة بداخلي هامشيا وجوهريا، إنها علاقة حب أصيلة، وأنا في العاصمة دائم البحث عن مدينتي التي أنجبتني: الجلفة.