نوبل إبداع تدعمه السياسة الروائي العراقي عبد الرحمان مجيد الربيعي أديب انهكته الغربة، وأوجعته المنافي، فسكن الكلمة الحرة مستبدلا فيها الوطن الصورة على الجرح الذي يعتاش المأساة وينسجها بخيوط تداخلت ألوانها، عبد الرحمان مجيد الربيعي جاء الجزائر بدعوة من "الجاحظية" وهو يحمل العراق بكل تفاصيل أوجاعه الثقافية والاجتماعية والسياسية لأنه جعل من قلمه مرصدا يلتقط كل صورالدم والجمر والدموع، فالتقت به »المساء« على هامش هذه الزيارة وأجرت معه هذا الحوار حول راهن الرواية العربية. - المساء: الأستاذ عبد الرحمان مجيد الربيعي هل هذه أول زيارة تقومون بها الى الجزائر؟ * عبد الرحمان مجيد الربيعي: هذه رابع زيارة للجزائر، الزيارة الأولى كانت سنة 1976. - ما هو الانطباع الذي تسجلونه بين زيارتكم الأولى وهذه؟ * الزيارة الأولى كانت في فترة مبكرة قبل ثلاثين سنة، يوم كنا نحن أدباء المشرق العربي نبحث عن ما يعرفنا عن ابداع المغرب العربي الذي كان بالنسبة لنا سؤالا، خاصة وأننا عايشنا وقائع الثورة الجزائرية، وقرأنا أعمال الكتاب الجزائريين الذين كانوا يكتبون باللغة الفرنسية وتترجم أعمالهم إلى العربية بسرعة، وكنا منبهرين بأعمال مالك حداد، كاتب ياسين، مولود فرعون، عداالذين يكتبون باللغة العربية أمثال أبو العيد دودو، الطاهر وطار، ابو القاسم سعد الله، عبدالحميد بن هدوقة، وكنت فعلا منبهرا بما أرى وخاصة ذلك الحماس الدافق من الجيل الجديد الذي كانت أفكاره تتأجج بإنحيازها إلى اليسار بكل اتجاهاته، وكانت زيارتي بدعوة من المرحوم مصطفى كاتب الذي كان مسؤولا عن التنشيط الثقافي بالجامعة حضرت حينها بقاعة الموقار في الأدب والثورة »حيث امتلأت القاعة بالشباب الذي كان يناقش الأفكار والمداخلة التي قدمتها نشرت في كتاب بالجزائر عنوانه (الأدب والثورة) لكن بعد هذه السنوات اختلف المشهد، واختفى طغيان ما هو سياسي على ما عداه، وظهر جيل آخر من الكتاب الذين يكتبون باللغة العربية أوالفرنسية، وقد قرأت أعمال رشيد ميموني، رشيد بوجدرة، واسيني لعرج، أمين الزاوي وأحلام مستغانمي وصولا الى التجارب المفتي مثل تجربة بشير مفتي، وأعتقد أن الرواية الجزائرية اليوم رواية لها حضورها، إضافة إلى أن المدونة الشعرية الجزائرية قد اتسعت بأسماء جديدة وصلتني مجوعة كبيرة من الدواوين معظمها من اتحاد الكتاب عندما كان عزالدين ميهوبي رئيسا له. - كيف تقيمون الرواية العربية في هذه الأجواء السياسية والاجتماعية المتأزمة؟ * استجدت الآن أحداث كثيرة، هذه الأحداث أثرت سياسيا واقتصاديا وفكريا على بلدان العالم، أثرت أيضا على موضوع الكتابة الروائية وأحدثت لدى الكاتب موضوعات لم يكن الكاتب الذي سبقه يعرفها لأنها ابنة هذه المتغيرات التي حصلت في العالم بدء من سقوط الاتحاد السوفياتي وما ترتب عليه، ولنا ان نسأل ان كان الإتحاد السوفياتي سابقا لم يسقط فهل تجرأت امريكا على احتلال بلد عظيم كالعراق لتحول 27 مليون الى رهائن. - هل الرواية العربية الراهنة لها نفس مفعول الرواية الكلاسيكية في المجتمعات العربية؟ * الرواية العربية عند الرواد الأوائل قدمت فنا رفيعا ومؤسسا، نحن نقول على أي جنس أدبي فعل فعله في الناس، عندما يحظى بمساحة من الإنتشار ويصل الى القراء العرب في كل بلدانهم وهذا مالم يحصل، فنحن نحاول كمعنيين أن نتابع تجارب معاصرة لنا في الكتابة الروائية والشعراء يحاولون ذلك أيضا ولكن لا أريد أن ابالغ وأقول ان الرواية فعلت ما فعلته فنحن العرب نعد 300 مليون وروايات نجيب محفوظ كانت تصدر بطبعتها الأولى بألف أوثلاثة آلاف نسخة ولكن أشبه المسألة بالغرس، أي أننا نغرس وربما سيأكل من يأتي من ثمار غرسنا هذا ما أراه، أما اليوم فلا نكاد نكون نقرأ لبعضنا كل في بلده، ومن حسن الحظ أن المواقع الالكترونية تقوم بدورالانتشار والتعريف ولعل الآتي يكون أفضل. - بما أن الرواية كفن أدبي ليست أصيلة في الأدب العربي وأن لها تأثيرات بالآخر، فبمن تأثرت الرواية العربية؟ * من الواضح جدا أننا ككتاب عرب نتأثر بالرواية الأخرى التي تصلنا غالبا عن طريق الترجمة عدا من يقرأ بلغة أخرى، فبدايتنا ككتاب ننتمي لجيل السيتينيات تأثرنا بكتابات الكتاب الروس والأوروبيين وأثرت فينا بشكل واضح الرواية الامريكية لكن الآن بعد ان اخذت الرواية الامريكية اللاتينية الانتشارالواسع في العالم وقرأناها منقولة الى لغتنا انبهرنا بها لأنها حققت فرادتها ليس لغابرييل ماركيز ولكن قبله عند البرازيلي جورج امادو بطريك الرواية الامريكية اللاتينية. ثم جاءت اسماء بعدم ماركيز اومتزامنة معه مريوفركاس، ازابيل اليندي وآخرين احسنها بقرب هذه الأعمال منا لأن امريكا اللاتينية تشبهنا في ظروفها فهي عانت من الاحتلالات العكسرية والأنظمة الدكتاتورية وقسم منها حقق طموحاته في الانتصار على هذه الأنظمة وهذا أيضا ما حصل في الوطن العربي، وعلى فكرة فإن هؤلاء الكتاب أفاد قسم منهم من الموروث الحكائي العربي امثال باولو كويللو وابو رضيس ولاننسى أن هناك في امريكا اللاتينية حضورا عربيا للجيل الأول من المهاجرين خاصة من سوريا ولبنان وقد وصلوا الى مناصب سياسية كبيرة حتى لرئاسة الجمهورية، وجورج امادو كانت الشخصية العربية حاضرة كثيرا في أعماله. - هل فعلا جائزة نوبل للأدب فيها جانب من الميل السياسي أكثر مما هو أدبي؟ * جائزة نوبل السياسية حاضرة فيها وليست بريئة منها ولكن حسابات السياسة لدى لجنة الجائزة هي غير الحسابات التي نظنها نحن هي حسابات قد تتعدانا، انظر ان جائزة نوبل في فترة الاتحاد السوفياتي حصل عليها شروخوف الذي كان جزء من النظام السوفياتي وحصل عليها بارسترناك كمنشق على هذا النظام لكن لم يحصل عليها رسول حمزاتوف الشاعر الانساني الكبير، وليس برهان باموف التركي أهم من باشار كمال، لكن باموف حصل على الجائزة ولم يحصل عليها كمال، هي حسابات سياسية ولكن ليست بحتة، وهناك مراعاة للابداع حتى لا تكون النتيجة فصيحة أحيانا، تكون السياسة عامل مساعدة مثل ما حصل لنجيب محفوظ الذي هو جدير بالجائزة، لكن لولا العوامل المساعدة ما منحت له ولا أظن ان أديبا عربيا آخر سينالها في القريب وهذا مجرد توقع مني لأن الأدباء العرب لم يدرجوا في حساب هذه اللجنة وكم قرأنا لدرويش أوأدونيس قد رشحا لها ولكن لحد الآن لم يحصل أي شيء وربما تأتي ظروف أخرى. - هل النقد العربي يواكب الرواية؟ * هناك بلدان عربية فيها نشاط نقدي وفيها مواكبة مثل مصر، ليس هناك روائي قدم جهدا معينا وأحس بالغبن في مصر ولكن في البلدان العربية قد يكون ذلك. - هل للمرأة دور في الرواية العربية كمبدعة؟ * المرأة طالما هي نصف المجتمع لا تكون الرواية دون حضورالمرأة فيها وهناك مساهمات جادة لكاتبات عربيات في اثراء المدونة الروائية العربية في لبنان، مصر وفي المغرب. وفي العراق والخليج العربي والكويت والسعودية والبحرين بشكل خاص لكن المساهمة الأكبر لها في القصة القصيرة.