مقر البلدية تستند الدراسة إلى مشكلة بحثية رئيسية وهي أن التحول الذي يشهده العالم في مختلف الجوانب الانسانية والصناعية، قد خلف تأثيرا في مختلف التجمعات الإنسانية والتنظيمات والحاجيات والرغبات وحتى الاهتمامات، وهو ما يجعل فحص هذا الأثر في كل نواحيه أمرا مهما وإلزاميا. وتأتي البلدية كأحد التنظيمات الإدارية والسياسية التي شهدت حالة من التأثر والتأقلم مع تحولات العولمة ونتائجها، وهذا لكونها الوحدة الإدارية المحلية الأكثر ارتباطا بالجمهور، وبالتالي فهي اقتراب من كل التحول والتغيير الذي تعيشه المجتمعات والواجب على الحكومات أن تتأقلم معه. من هنا كان فهم الموقع أو الدور الجديد لهذه الوحدة في سياق الأدوار أو الوظائف الجديدة للدولة ومن خلفها الحكومة. ومعرفة الميكانيزم الجديد الذي يمكن أن يؤثر عليها تطويرا وتحسينا. وهو ما سيتم مناقشته من خلال محاور ثلاث هي: ما تعلق بالدولة ووظائفها الجديدة، البلدية في أدوراها الجدية القديمة، ثم التحول الذي عرفته ولا زالت حركية البلدية وأدوارها. 1- الدولة في سياق المقاربات الحديثة للعولمة حافظت الدولة الوطنية منذ نشأتها على ما اكتسبته من وظائف تقليدية وظلت تمارس ما أنتجته (معاهدة واستفاليا) من أدبيات وتفصيلات حول الدولة، إلى أن بدأت الإنسانية تعرف تحولات عميقة أعقبت ظهور العولمة كنمط اقتصادي و اجتماعي وسياسي موحد طبع كل تفاصيل الدول والمجتمعات. وقد كان لهذا تأثير بالغ على الدولة ووظائفها، وعلى الرغم من محافظتها على بنيتها الكلاسيكية، إلا أن نمط التسيير والحكم والمؤسسات وتوسع الاختصاصات وتشابك المشاكل و المطالب اليومية والدائمة، أضحى سببا مباشرا في تبدل وظائفها أدوراها وانسجامها مع هذه الانتقالات الإنسانية الجديدة. أ- كسر الأنماط وبروز الفعل الدولاتي الجديد تعددت الآراء التي قدمها العلماء والباحثون حول المتغيرات ذات التأثير على الدولة في عصر العولمة، ويمكن تصنيف هذه الآراء على النحو التالي: أ- الاتجاه القائل بالتحول من مفهوم الدولة القومية إلى الدولة الشبكية: والذي يرى أنصاره أن العالم يتحول من حالة الدولة القومية صاحبة السيادة على إقليمها وسكانها إلى حالة الشبكات عبر القومية، فالشبكات المالية والتجارية والتكنولوجية والإعلامية والثقافية تحدد الواقع القائم في العالم، ومن ثم فعلى الدول إن تحاول التكيف مع هذا الواقع الجديد من خلال إعادة الهيكلة الداخلية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وإداريا. ويستند أنصار هذا الاتجاه إلى أن الفرضية القائلة بأن رفاهية المواطن لم تعد تعتمد على أفعال حكومته بقدر ما تعتمد أساسا وأكثر من ذي قبل على أفعال وقرارات يتم التوصل إليها خارج حدود دولته، وبواسطة أبنية ومؤسسات تتخذ قراراتها بطريقة تجميعية. ب .الاتجاه القائل بأن العولمة قد أخضعت الدولة: يرى أنصار هذا الاتجاه أن العمليات والأبنية العولمية ستنال بشدة من قدرات الدولة وفعاليتها للقيام بوظائفها، فآليات العولمة حولت الدولة إلى منفذين وأدوات فى أيدي قوى ليس للدول أمل بالتحكم فيها سياسيا، فان كانت الحكومات لم تفقد قدرتها الذاتية بصورة مطلقة على التحكم في عناصر قوتها فى ظل العولمة، إلا أنها وجدت من يشاركها فى القيام بأدوارها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية. ج .الاتجاه القائل بأن العولمة قد أخلت بالتوازن الذي قامت عليه الدولة القومية بين الاقتصاد والسياسة: إن أي نظام سياسي سواء كان ديمقراطيا أم غير ديموقراطى يتطلب درجة من التوافق بين الطريقة التي ينتج بها الشعب ثروته والطريقة التي يحكم بها نفسه، لأنه إذا حدث تنافر بين الجانبين فسينتهي الأمر بأن يحطم أحدهما الآخر، ومن ثم فإن صح أن هناك نظاما اقتصاديا يقوم على المعرفة ليحل محل النظام الإنتاجي المصنعى، فعلينا أن نتوقع صراعا تاريخيا جديدا لإعادة إنتاج مؤسساتنا السياسية كي تتوافق مع النظام الاقتصادي الجديد. هذه التصورات المنسجمة على اختلاف زوايا الرؤية والتفسير، أعطت للدولة حزمة جديدة من الوظائف، والتي هي فاعلة أكثر في عالم اليوم والتي تستطيع أن تفسر الكثير من حالات التراكم السلبي و الإيجابي في فهم تطور الدول وتراجعها، وهذا ما يفصله "الدليل الوظيفي" للدولة في عصر العولمة. ب- الدليل الوظيفي الجديد للدولة أغلب الأدبيات المعاصرة التي عنيت بدراسة الدولة ووظائفها الجديدة في عصر العولمة، ركزت على الوظائف الاقتصادية، وهذا بسبب توسع السوق وزيادة الإنتاج وارتفاع مستويات الاستهلاك، زيادة على التغيرات والتحولات الهامة التي برزت على الأنشطة الاقتصادية، غير أن هذا لم يمنع من مناقشة المجموعات المتشابكة للدولة الحديثة والتي عرفت تغيرا وتطورا ملاحقا للعالم المعولم اليوم. 1- مجموعة الوظائف الاقتصادية الجديدة للدولة : 1- وضع القواعد القانونية المنظمة للنشاط الاقتصادي، وتوفير الضمانات القانونية والإدارية اللازمة لقيام القطاع الخاص بدوره في النشاط الاقتصادي. 2- توفير الظروف الملائمة للمنافسة ومنع الاحتكار، وذلك من خلال تفعيل مبدأ الشافية في المعاملات والمعلومات. 3- وضع منظومة من السياسات المالية والنقدية المرنة، القادرة على تمكين الدولة من إدارة النشاط الاقتصادي وتوجيهه. 4- علاج الخلل الذي قد يحدث في توزيع الدخل، من خلال منظومة من السياسات الاجتماعية المتكاملة. 5- إدارة الأزمات الاقتصادية والمالية والنقدية المحتملة من خلال وضع منظومة من السيناريوهات المحتملة وتطويرها باستمرار. 2- مجموعة الوظائف الاتصالية للدولة 1- على الدولة أن تقوم بوظيفتها الاتصالية في مجال بلورة القيم الإنسانية اللازمة للجم جماح النشاط الاقتصادي، وذلك من خلال عملية التنشئة التي تساعد على خلق الوعي الأخلاقي لدى كل أبناء المجتمع، بما يقلل من الأنانية والنزعة اللاإنسانية للعولمة. 2- يتطلب على الدولة التركيز على تقديم المعلومات أيا كانت إلى المواطنين، في ظل الانفجار المعلوماتي والتداول الواسع للمعلومات والأخبار بصورة واسعة وسريعة، وهذا بغية دعم مصداقية الدولة لدى مواطنيها، ويقوى من ارتباطهم بها. 3- الوظيفة الاتصالية للدولة في عصر العولمة تتمثل في وضع البنية الأساسية لمجتمع المعلومات ووضع القواعد والنظم القانونية التي تيسر انتقال وتداول وإنتاج المعلومات في المجتمع. 4- إدارة التعددية الثقافية في المجتمع، فالتعددية الثقافية تعنى وجود اختلافات بين العناصر المكونة لمجتمع ما، وبالتالي وجوب خلق رابطة التكامل فيما بين هذه الأجزاء بما يحافظ على التوازن بين ما هو مشترك وما هو متميز لكل جزء من هذه الأجزاء في الدولة الحديثة. 5- الوظيفة الاتصالية للدولة في عصر العولمة تتمثل في تحقيق الربط والتكامل بين الدائرة الوطنية والإقليمية والعالمية في كافة المجالات. 3- مجموعة الوظائف الاجتماعية الجديدة للدولة 1- إدارة الصراع الاجتماعي بأبعاده ومستوياته الجديدة المتداخلة والمعقدة وبما يؤدى إلى تقليل حدة العنف الاجتماعي لأقل درجة ممكنة. 2- الاستثمار في مجال تنمية الموارد البشرية في التعليم والتدريب، حيث أصبح التعليم مدخلا لتحقيق العدالة الاجتماعية بمفهومها الجديد. 3- تطوير نظم التأمينات الاجتماعية والمعاشات بما يتلاءم والظروف الجديدة وابتكار الوسائل الملائمة لإدارة واستثمار أموال التأمينات الاجتماعية. 4- تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين في المجالات المختلفة من خلال آليات ووسائل جديدة تقوم على أساس الشراكة بين الدولة والمواطنين وقوى المجتمع المدني. 5- علاج مشكلة الاستبعاد والتهميش الاجتماعي بوسائل جديدة ومبتكرة. 6- الاهتمام بمشكلة الفقر من خلال توفير آليات نابعة من خبرة المجتمع في تحقيق التكافل الاجتماعي. 7- علاج الجوانب الاجتماعية لمشكلة البطالة، من خلال التعامل مع المجتمعات المحلية وتحديد طبيعة المشكلة في كل مجتمع محلى. 4- الوظائف الأمنية الجديدة للدولة 1- مقاومة التطرف والإرهاب، حيث أن ظاهرة التطرف والإرهاب من الظواهر الخطيرة التي تهدد الأمن. 2- مواجهة التهديدات اللاتماثلية التي أصبحت تهدد الدولة ومن بينها التنظيمات الافتراضية، الجرائم الالكترونية، القرصنة (الواقعية والافتراضية). 3- التعرف على أنواع الجرائم الجديدة التي تهدد الأمن ووضع مخطط علمي وعملي ملائم للتعامل معها. 4- مبدأ الاعتماد المتبادل بين دول العالم يمكن أن يكون له آثاره على أمن الدول فيما بينها، وهو ما تطلب تعاملا خاصا واستراتيجيا مع كثير من القضايا المرتبطة بذلك مثل اللاجئين، الجريمة العابرة للقارات، الإشعاعات الكيمياوية، حماية الملكية الفكرية وغيرها .... لم تكن كل هذه الوظائف إلا أن تزيد من البحث عن تفاصيل الأجزاء التي يمكنها أن تسهم في بحث أكثر في موقع الدولة، وبالرغم ما تشهده العولمة من كثرة اهتمام بالأبعاد الكبرى إلا أن الجزئيات والمستويات الدنيا والأجزاء الأقل، لها دور فاعل وحاضر دائما. فالبلدية هذه المؤسسة السياسية الإدارية التي تعد الوحدة الأساسية والتأسيسية في حركية الدولة، كان لها بالغ التأثر بكل التحول المجتمعي والسياسي، وهو ما ستفصله المحاور التالية. 2- البلدية: ثنائية الفعل الإداري والسياسي لم تخرج البلدية عن دائرة تأثير العولمة وتحول وظائف الدولة في الزمن الراهن، ولذلك فإن الأثر الذي سينتجه كل هذا الحراك الإنساني على أفعال وأدوار البلدية، سيكون منتهيا وبكل تأكيد إلى أن يطور ويعيد الفهم إلى الوضعية الدستورية و السياسية والطبيعة الإدارية للبلدية. وبذلك يكون من المهم فهم أن البلدية أو المجلس المحلي هو مؤسسة دولة تسعى إلى أن تقدم الخدمة العمومية، وتحقق التنمية المحلية وتضمن استمرار سيادة الدولة على إقليمها، زيادة على أنها تحقق الفعل الإداري و السياسي الذي أنيط بها دستوريا، والذي سيكون تفصيله فيما يرد لاحقا. أ- فلسفة التشكيل والفعالية الإدارية قد تكون الأهداف التي يسعى نظام الإدارة المحلية إلى تحقيقها هي في أكثر الأحيان هي الدوافع التي تبني نظام الإدارة المحلية ويمكن تلخيص هذه الدوافع على النحو التالي: - يعد تقسيم العمل منذ بدء المجتمعات الإنسانية ضرورة حتمية في كل نشاط بشري سواء كان هذا النشاط فرديا أو حكوميا. وقد أصبح أداء الخدمات الحكومية في كل بقعة من بقاع الدولة على نحو سليم مهمة ينوء بها كاهل الحكومة المركزية سواء من حيث التنظيم الإداري أو التنظيم المالي. - العمل على تكافؤ الأعباء المالية المفروضة على الأقاليم مع الخدمات التي تتلقاها وتوفير العدالة لها،حتى لا تستأثر العواصم المدن وأقاليم معينة بقدر كبير من الخدمات على حساب الأقاليم الأخرى من نفس الدولة. - أهمية إشراك المواطنين في إدارة شؤونهم لا تستدعيه الديمقراطية فحسب بل تتطلبه الإدارة الناجحة، لأنه سبيل الحيوية والمسؤولية والاستمرار فضلا عن انه نشر الوعي الديمقراطي وتدريب المواطنين على شؤون الإدارة المحلية وتحمل المسؤولية. - رتابة الأسلوب ووحدة النمط التي تسير عليه الحكومة المركزية عندما تباشر أداء خدماتها العامة في أرجاء الدولة، نجده يختلف في المرافق والخدمات المحلية وهذا الاختلاف يقتضي بالبداهة تفاوتا في أنماط الانجاز وأساليب الأداء حيث أن التقيد بأنماط متماثلة هو إغفال التفاوت الطبيعي بين الوحدات الإدارية المحلية المختلفة فالظروف المحلية تستدعي تنوعا في النمط وتعددا بالأسلوب ليتناسب مع حاجات تلك الوحدات وإمكانياتها وظروفها. - تقوية البناء الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للدولة بتوزيع القوى الايجابية بدل تركيزها في العاصمة مما يظهر أثره في مواجهة الأزمات والمصاعب التي تتعرض لها الدولة من الخارج أو من الداخل. - ضمان عدالة توزيع الخدمات بما يعمل على الاستقرار والتنافس في الإنتاج كما انه سيؤدي إلى إفساح المجال لتجربة النظم الإدارية على النطاق المحلي ويعد الفرصة للإبداع الشعبي في هذا المجال ثم الانتفاع بما يثبت صلاحيته من أساليب الإدارة والعمل. هذه هي الدواعي ودوافع قيام نظام الجماعات المحلية والتي تحدد المبادئ العامة للنظام، فالاعتراف بتباين مصالح المجتمعات المحلية يتطلب اتخاذ قرارات على الطبيعة بواسطة أشخاص يقيمون في موطن هذه المصالح والمشاكل التي تتولد في الوحدة المحلية ويتأثرون بها بطريقة مباشرة لأنهم يدركون طبيعة مشكلاتهم وحسمها قبل غيرها. ب- الدور السياسي في حركية البلدية البلدية والديمقراطية على المستوى الوطني : يعمل نظام الجماعات المحلية على تقوية الديمقراطية على المستوى القومي، لأنه يتيح الفرصة لمشاركة المواطنين في إدارة شؤونهم المحلية بأنفسهم، إضافة إلى أنه يخلق مناخا ديمقراطيا للتعبير عن الرأي . فالمجالس المحلية تعتبر المدرسة الأولية التي يتعلم فيها المواطن ألف باء السياسة، لما تتيحه له من فرص المشاركة، باعتباره ناخبا، أو مرشحا. وإلى جانب ما سبق، فإن الديمقراطية المحلية تساهم في تحقيق التناغم الاجتماعي، وتأكيد روح الجماعة، بما يؤدى في النهاية إلى استقرار المجتمع سياسيا. ومن ثم تمكين الناخبين من اختيار القادة المحليين الذين يثقون فيهم. البلدية والديمقراطية على المستوى المحلى: لا شك في أن الانتخابات المحلية عنصر أساسي من عناصر الديمقراطية المحلية، إذ أنها تعطى المواطنين المحليين الفرصة لتقييم أداء الأعضاء المنتخبين، والحكم على مصداقيتهم في المستقبل. كما تسهم الديمقراطية المحلية في تحقيق المساواة السياسية بين المواطنين، من خلال إتاحة فرص المشاركة في صنع السياسات المحلية أمامهم، وبذلك تقوى من المساواة بينهم في ممارسة حقوقهم المدنية والتي من أهمها: حقهم في التعبير عن آرائهم فيمن يتولى إدارة شئونهم المحلية، وحقهم في تكوين الجماعات السياسية المدافعة عن حقوقهم، والحد من تركيز السلطة في يد الحكومة المركزية، مما يحول دون إهمال السلطات المركزية لحقوق المواطن. وفيما يتعلق بالاستجابة Responsiveness، يمكن القول بأن المجالس المحلية تكون أكثر استجابة من الحكومة المركزية للمطالب المحلية، لمعرفة هذه المجالس بالمجتمع المحلى وظروفه وإحساسها بالمسؤولية المباشرة تجاه الناخبين، ولعلم أعضائها بان إعادة انتخابهم تتوقف على موقف الرأي العام المحلى من أدائهم واستجابتهم لمطالب المواطنين. 3- إحداثيات التحول في أدوار البلدية في إطار التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدها العالم في أواخر القرن العشرين والتي انعكست بالتالي على دور الدولة، حدث الانتقال من نظام حكم محلى تسيطر فيه المجالس المحلية المنتخبة (Local Government) إلى نظام حكم محلى يشارك فيه في تحمل المسؤوليات والسلطات والموارد إلى جانب هذه المجالس القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية (Local Governance). يوضح الإعلان الذي صدر عن مؤتمر "الاتحاد الدولي لإدارة المدن" الذي عقد في ديسمبر 1996 عناصر "الحوكمة المحلية الرشيدة Good Local Governance" علي النحو التالي: - نقل مسؤولية الأنشطة العامة الملائمة إلي المستويات المحلية المختلفة بموجب القانون. - لامركزية مالية وموارد كافية للقيام بتلك الأنشطة علي المستوى المحلي. - مشاركة حقيقية للمواطن في صنع القرار المحلي. - تهيئة الظروف التي من شأنها خصخصة الاقتصاد المحلي. وهذا ما يعتبر نقلة عرفتها أدوات التنظير وآليات الممارسة في دور البلديات في عصر التحول في أنماط وظائف الحكومة، وهو ما جعلها الآن من المؤشرات الهامة والرئيسية في قياس أداء الفعالية للبلدية ولكل وحدة محلية على اختلاف تسميتها. وقد أوجدت هذه التحولات العميقة في أدوار الدولة في هذا العصر ، مجموعة من المفاهيم التي قاربت بين البعد المركزي و المحلي، وحاولت أن تعطي للواقع المحلي دوره الكامل الريادي، لأنه أكثر الوسائل كفاءة لأداء السلع والخدمات المحلية، وهو على عكس المؤسسات العامة والفروع الإدارية، يتميز بسمتي الحساسية Sensitivity والاستجابة Responsiveness لحاجات المواطن المحلى. وهو ما أوجد في نفس السياق الحاجة إلى محاولة ترشيد حداثي لأدوار هذه الوحدات المحلية والتأكيد على تفعيل مبادئ "الحوكمة المحلية الرشيدة"، والتي تعد من أكثر صور الانتقال التي تعرفها أنماط البلديات من حيث الوظائف والبنى والممارسات، وهي تتحدد في النقاط التالية: - المشاركة Participation: بمعنى تهيئة السبل والآليات المناسبة للمواطنين المحليين كأفراد وجماعات، من أجل المساهمة في عمليات صنع القرارات،. وفي إطار التنافس علي الوظائف العامة، التي يتمكن المواطنون من المشاركة في الانتخابات واختيار الممثلين في مختلف مستويات الحكم. - المساءلة Accountability: يخضع صانع القرار في الأجهزة المحلية لمساءلة المواطنين والأطراف الأخرى ذات العلاقة.( محليا ومركزيا) - الشرعية Legitimacy: قبول المواطن المحلي لسلطة هؤلاء الذين يحوزون القوة داخل المجتمع ويمارسونها في إطار قواعد وعمليات وإجراءات مقبولة وأن تستند إلي حكم القانون والعدالة، وذلك بتوفير فرص متساوية للجميع، للحفاظ علي مستوى حياتهم والسعي إلي مستوى أفضل. - الكفاءة والفعالية Efficiency & Effectiveness : ويعبر ذلك عن البعد الفني لأسلوب التسيير المحلي أو (البلدي) وهو ما يعني قدرة الأجهزة المحلية علي تحويل الموارد إلي برامج وخطط ومشاريع تلبي احتياجات المواطنين المحليين وتعبر عن أولوياتهم، مع تحقيق نتائج أفضل وتنظيم الاستفادة من الموارد المتاحة. - الشفافية Transparency: إتاحة تدفق/المعلومات وسهولة الحصول عليها لجميع الأطراف في المجتمع المحلي. ومن شأن ذلك توفير الفرصة للحكم علي مدي فعالية البلديات وكفاءتها. وكذلك تعزيز قدرة المواطن المحلي علي المشاركة. - الاستجابة Responsiveness:أن تسعي البلدية إلي خدمة جميع الأطراف المعنية، والاستجابة لمطالبها، خاصة الفقراء والمهمشين، وترتبط الاستجابة بدرجة المساءلة التي تستند بدورها علي درجة الشفافية وتوافر الثقة بين المجالس المحلية والمواطن المحلي. هذه الآليات الحوكمية التي تضع البلدية في صميم الاهتمام الشعبي والمركزي، يتوجب أن يتبعها مجموعة من الشروط الواجب أن تتوفر في بلديات القرن الواحد والعشرين ويمكن أن نحددها فيما يلي من مستلزمات الانتقال الفاعل والمؤثر: - مدى المرونة التي تتسم بها المجالس الشعبية المنتخبة في نقل الخدمات و حماية حق المواطنين في أن يكون لديهم خيار في تقييم أداء هذه الخدمات وتقويمها. - تحقيق الاستقلالية في القرار المحلي: يجب أن تمتلك البلديات القدرة على التجديد والتجريب وتطوير سياسات خاصة, لتشجيع المحليات على المنافسة على جودة وكم الخدمة.كما يعنى الاستقلال المحلى حرية ممارسة الاختيار في صنع السياسة المحلية. - قدرة البلديات على البحث عن مصادر التمويل الذاتي, فهذه الوحدات المحلية لا تستطيع أن تكون متمتعة بالحوكمة المحلية الرشيدة, إذا كانت تعتمد على الإعانات الحكومية لتنفيذ برامجها. - أهمية إصلاح الخدمة المدنية كشرط من شروط نجاح اللامركزية وفي تمكين البلديات من تحقيق حوافز المنافسة و الإنتاج والأداء. الخاتمة في الأخير، ينتهي بنا التحليل إلى أن الأدوار أو الوظائف الجديدة للدولة كانت بالغة التأثير على نمط الأداء وهندسة الوظائف التي تقوم بها البلدية، وعلى قدر ما أعطتها الكثير من الآليات القانونية وتمكين الإرادة الشعبية وتكريس الممارسة الديمقراطية، فإنها أيضا عملت على تقوية موقعها الرئيسي كوحدة أساسية وإستراتيجية في دفع التنمية وتوجيه الخيارات الوطنية. لقد حققت الدولة من خلال وظائفها الجديدة مفهوم إعادة اختراع الحكومة من حيث بنية المؤسسات وحركية الوظائف، وفي نفس المسار عملت على منح البلدية أو المجالس المحلية دفعا اقتصاديا وسياسيا وإداريا سيسهم في تحقيق رشادة أكثر في أنماط التسيير وفي تحقيق رغبات الجمهور وحاجياته، كما أنها ستكون قادرة على التكيف في مختلف الانتقالات الممكنة مستقبلا في الدولة والمجتمع.