تظهر الصحراء و قد أنعم عليها بأكبر ثراء كما هو في الجزيرة العربية، وهبت كل أنواع العطور تفوح في السهوب متدفقة التأرج زكية و شهية من الشيح بعد المطرة. و في أعماق الصحراء يلوح على بالي وجوبا هؤلاء الرجال الزرق التوارق أسياد و ملوك الصحراء، في لطف وطنهم و أسرهم. المنحدرين من سلالة الجرمنتيون (garamantes) التي منذ العصور القديمة عمرتها على عربات الخيول و تبنوا كتابة (الفينيقية) قبل أن تعرف شعوب أوروبا القمح. أمام هؤلاء الرجال رفيعي القامة و لباسهم و أقنعتهم السوداء، معتزين في أعماق الرمال حيث العزلة التي يسكنونها، لنبقى مندهشين. إنهم لجديرون بالإحترام الكثير. لكن ما زالوا مضطهدين من الحكومات و الدول المجاورة لأنهم فقدوا "تجارتهم". هذه الأمة الأمازيغية المسلمة الكبيرة يجب إعانتها. فرجوعها إلى حظيرتها و مناطق رعيها يجب أن يأخذ بعين الإعتبار و بجدية في زمن العولمة، و مسؤولية الجزائر العظيمة. تطرقنا للتوارق، و لكننا لم نلم بكل شيء لشرح مغامراتهم و خيباتهم وتقلبات الزمن، لما تخلى عنهم الجميع. سنبقى مخلصين لكم أيها الإخوة متمنين لكم مشاريع حقيقية لا وهمية. يبدو أن هناك قوى عظيمة تقود العالم نحو أفق جديد. و أهم فرص المستقبل تكمن في وضعيتها الإستراتيجية و للعولمة مدى غير منتظر. و ما علينا إلا إرادة الإنفتاح. و لا مفارقة إذا قلدنا الرستميين، نبني مدنا جديدة على الطريقة الأمريكية. ونستثمر في السياحة، وفي الإمكانيات الفلاحية غير المستغلة. و هذا ممكن في زمن الشبكة العنكبوتية و الإنفراج المالي. ولنذكر كذالك الشعانبة النبلاء و المثقفين و قياد القوافل، أسياد الصحراء الوسطى. و كذالك نبلاء الأرباع و فرسانهم الفخورين الذين كل القبائل تود مصاهرتهم. نقترب الآن من (بر سيدي نائل) و الشوق يعلو بنا إلى أحاسيس أسمى. هذا البر العظيم، الطائر الذي يمد جناحيه من الشرق إلى الغرب من الزاب إلى مزاب وحتى جنوبتلمسان، من التل إلى أعماق الصحراء يقطنه أولاد سيدي نائل و حلفائهم المخلصين "عبازيز الشارف" و "السحاري الفخورين الذين أعتمدوا اللون الأحمر لخيامهم، لقد عرفوا أيام المجد، و اليوم يبحثون عن حكيم من مقام راشد بن مرشد، ليقول لهم أنكم بين إخوانكم و لا حلفاء لكم غيرنا... ينحدر أولاد سيدي نائل من سيدي محمد بن عبد الله المدعو نائل، الشريف الذي ينحدر من مولاي إدريس الأكبر. كان حاكما ل"فقيق" ثم تلميذا لسيدي أحمد بن يوسف الملياني. هو عالم تقي متسامح، نبل شرفه مثبت بدقة ومحل إجماع، فلا أريد أن آخذ على ما أكده أهل الإختصاص الأجلاء، و لأجل ذلك لا نؤمن كثيرا بالحدود بين بلدان المغرب الكبير. و باختصار ف"بر سيدي نائل" عبارة عن كيان، أي مساحة جغرافية و ثقافية لم يكشف عن أسراره بعد. و أكثر من ذلك مظاهره المختلفة، كرمه الأسطوري و تسامحه و بساطته "النية" مابين الصحراء و التل. أولاد سيدي نائل يمثلون أكبر تجمع قبلي عددا في الجزائر بدون منازع. أغنياء بكوكبة من الفنانين و المثقفين و علماء و شيوخ. وقد كان أول كتاب باللغة الفرنسية في الأدب في شمال إفريقيا يكتبه نائلي. و من المشرف أن تكون عدة محطات حبوس للحجيج في البقاع المقدسة لكل المغاربة، لنائلي. أولاد سيدي نائل بكثرتهم و إنتسابهم للطريقة الرحمانية، ساهموا بقوة في كل الإنتفاضات ضد الإستدمار الفرنسي. وفي سنة 1836 حالفوا الأمير عبد القادر و بقوا مخلصين له حتى آخر ساعة. و قد كانت في حينها قبائل المنطقة مسلحة ببندقية المشعل. ثم أدخل إليهم الأمير بندقية الحجرة. و كان أولاد سيدي نائل دائما يمدون جيش الأمير بوحدات قوية من الفرسان المشتهرين بها. وإذا كان خلال إنتفاضة أولاد سيدي الشيخ، سي الشريف بلحرش رفض المشاركة لعدم محالفتهم الأمير من قبل، فقد أمر عروش أولاد سيدي نائل بمآزرتهم و قد أبلوا بلاء حسنا.. و أخيرا لنعلم جيدا بمشاركة أولاد سيدي نائل في المقاومة الوطنية مع الزعاطشة، و لالة نسومر، و المقراني، و سي لالة، إلخ.. فقد كانت مشاركتهم متعددة وكبيرة . لقد عانى أولاد سيدي نائل الكثير من الإستدمار. و إنه من المضني أن نتطرق إلى تفاصيل الأضرار. فما علينا إلا أن نعرف كيف نبقى أوفياء و نرفع أقلامنا (..) لقد داست فرنسا على الجثث و أثارت الرعب و النهب و الإبادة و زادت الإفتراء، وقد أفقرت الشعب و سلطت عليه كل أنواع الآفات، مشككة في إستقامته. ذلك هو الإنجاز الحضاري الذي قدمته فرنسا (النكبة)، و ما ذلك إلا لأن أولاد سيدي نائل أخروا الغزو عن منطقتهم و الصحراء بعشرين (20) سنة بمقاومتهم الشرسة على عكس شمال الجزائر الذي أحتل في خمس (05) سنوات. أيها الأخوة إن بر سيدي نائل جميل، وهناك أحاسيس لا تدرك إلا بالبصر، والحركات الجميلة والكلمة الطيبة و تلك المناظر الخلابة التي تسمح بالخشوع، ومنها منطقة الضايات المتفردة بجمالها، التي كانت مسكن للنعامة، قضي عليها الأوربيون بهمجيتهم الهدامة (صيد مرقريت). قد تقام في يوم من الأيام، في ضاية من الضايات المتعددة جنوب مسعد (أين تقام الحضرات). حيث يصلي الناس و يرقصون و يأكلون الروينة و حتى المشوي و الشنين ليتطهروا من كل المغريات. لا أريد وصف كل سلوك، لكن من الأفضل عيش هذه اللحظات. أبناء وادي الحميضة يعرفون المقصود. المنابع القديمة المتواجدة على محور (القصور) والتي تسقي حدائق القرى مازلت موجودة. هذه السلسة من القصور العتيقة التي تربط السفح الجنوبي لسلسلة الأطلس الصحراوي قد ظهرت في القرن 6 مع ظهور زناتة و إدخال الإبل. فكل قرية مستقلة في توازنها العريق بجناتها و بساتينها من الخوخ والرمان و السفرجل الناضج. ففي هذه الحقبة ظهرت مدينة الأغواط جوهرة وادي جدي المسمى (مزي) و كذلك قرى بوسعادة و دمد و زكار و تعظميت و زنينة إلخ.. المساكن جد إيكولوجية تستعمل فيها مواد بسيطة، هذه القرى (المخازن) تعيش في تكافل مع الشعوب الرحل. و في العهد الذهبي للبدو كانت هذه القرى تشكل قلاع و مراكز ثقافية لأرستقراطية البدو، وكان يقطنها مزارعين جد متمدنين، ذوي تقنية زراعية تأثرت بتقنية المصريين و حتى من النبطيين. ها هي بعجالة بعض من مظاهر الجزائر العميقة، حاولنا رسمها بكل سلبياتنا لكن بقلب وإخلاص. محتفظين في أذهاننا أننا ننتمي إلى العائلة الكبرى للإنسانية. "إذا تعثر أخوك أعفو عنه، كل الأرجل يمكن أن تتعثر. و إذا تصلب القلب فتحسّر، و لا تتحسّر على ما ضاع". قد نكون تكلمنا على البدوي (الأعرابي) بشغف و توق، وحلمنا قليلا و تذكرنا طريقة حياة، و ماض لا شك مجيد، لكنه تولى. أما اليوم فهناك نظرة أخرى و أمل و تطلع نحو الرخاء المنشود. لنبقى في الجو الشعري و نحاول أن لا نفقد مفترق الطرق، الحس العميق لشعبنا و ذاكرته المطمورة في ركام التاريخ. و نتعرف في وسط المسخ (الشذوذ) تذمر الفكرة التواقة إلى الفضاء الأوسع. لنتجاهل هذه المجموعات الصغيرة المثيرة للشفقة صانعي الحدث،،لأنهم أوفياء إلى منهج ملتو كضمائرهم. سوف نكتب عن الضمائر الملتبسة، و في نفس الوقت نبقى دائما نلتمس الإستقرار و الرخاء، و كالسهاد تائهين بين الأقارب، و نحو حلول وهمية(..) و في حقيقة الأمر نقول اليوم أنه لا يوجد المفتاح في مكوناتنا بل علينا إظهاره من أعماقنا، و المعنى الحقيقي للحياة هو العمل للوصول إلى النصر. ما علينا إلا أن نقوم بالأشياء بكل بساطة. إننا نكاد نلمس الكلمات، و إن كان في بعض الأحيان شعرنا يُقربنا إلى النشوة. و نبقى رغم ذلك سطحيين، و ما هو إلا سكر عوض أن يكون خشوع أو سحر نتفهمه. المجتمع الراكد يجب تحريكه بآلية تغيير كافية لترقيته نحو أهداف معينة للانطلاق. و لنرسي في هذا الشعب أبسط فكرة ألا وهي رفع التحدي، و هذه التحديات ليست عرضية، بل فرضها التاريخ. و يبقى ضروريا معرفته و تفادي الحماقة (إن سألتم عن مؤسسة سيدي نائل). يمكننا بسهولة متناهية أن نرقى نحو التطور و نضمن مستقبل مزدهر لشعبنا. كي يعيش و يكون حرا ، وليتمكن من المعالجة، ويتعلم، و يكون في وقاية من الوباء، أن يكون قوي. في حينها نقول بكل مسئولية، أن في اليوم الذي نتمكن فيه بجدارة من المحراث، هو اليوم الذي نتمكن فيه من العالم. و ستكون هذه نهاية المقتصد. (*) عن مؤسسة سيدي نايل/ الأستاذ: عبد الرحمن شويحة ملاحظة: المقال ترجمة للموضوع الأصلي باللغة الفرنسية (الرابط من هنا)