خدمات الحالة المدنية لوازرة الخارجية كل يوم سبت.. تخفيف الضغط وتحسين الخدمة الموجهة للمواطن    الذكرى ال70 لاستشهاد ديدوش مراد: ندوة تاريخية تستذكر مسار البطل الرمز    انتصارات متتالية.. وكبح جماح تسييس القضايا العادلة    مجلس الأمن يعقد اجتماعا حول وضع الأطفال في غزّة    تمديد أجل اكتتاب التصريح النهائي للضريبة الجزافية الوحيدة    فتح تحقيقات محايدة لمساءلة الاحتلال الصهيوني على جرائمه    التقلبات الجوية عبر ولايات الوطن..تقديم يد المساعدة لأزيد من 200 شخص وإخراج 70 مركبة عالقة    خدمات عن بعد لعصرنة التسيير القنصلي قريبا    وزير البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية يشدد على نوعية الخدمات المقدمة وتعزيز استعمال الدفع الإلكتروني    بلومي يباشر عملية التأهيل ويقترب من العودة إلى الملاعب    ريان قلي يجدد عقده مع كوينز بارك رانجرز الإنجليزي    الجزائر رائدة في الطاقة والفلاحة والأشغال العمومية    رحلة بحث عن أوانٍ جديدة لشهر رمضان    ربات البيوت ينعشن حرفة صناعة المربى    35 % نسبة امتلاء السدود على المستوى الوطني    حزب العمال يسجل العديد من النقاط الايجابية في مشروعي قانوني البلدية والولاية    قافلة تكوينية جنوبية    المولودية على بُعد نقطة من ربع النهائي    مرموش في السيتي    تراجع صادرات الجزائر من الغاز المسال    الرئيس يستقبل ثلاثة سفراء جدد    نعمل على تعزيز العلاقات مع الجزائر    أمطار وثلوج في 26 ولاية    حريصون على احترافية الصحافة الوطنية    إحياء الذكرى ال70 لاستشهاد البطل ديدوش مراد    بلمهدي: هذا موعد أولى رحلات الحج    بسكرة : تعاونية "أوسكار" الثقافية تحيي الذكرى ال 21 لوفاة الموسيقار الراحل معطي بشير    كرة القدم/ رابطة أبطال افريقيا /المجموعة 1- الجولة 6/ : مولودية الجزائر تتعادل مع يونغ أفريكانز(0-0) و تتأهل للدور ربع النهائي    كرة القدم: اختتام ورشة "الكاف" حول الحوكمة بالجزائر (فاف)    حوادث المرور: وفاة 13 شخصا وإصابة 290 آخرين خلال ال48 ساعة الأخيرة    تجارة : وضع برنامج استباقي لتجنب أي تذبذب في الأسواق    ري: نسبة امتلاء السدود تقارب ال 35 بالمائة على المستوى الوطني و هي مرشحة للارتفاع    مجلس الأمن الدولي : الدبلوماسية الجزائرية تنجح في حماية الأصول الليبية المجمدة    سكيكدة: تأكيد على أهمية الحفاظ على الذاكرة الوطنية تخليدا لبطولات رموز الثورة التحريرية المظفرة    تطهير المياه المستعملة: تصفية قرابة 600 مليون متر مكعب من المياه سنويا    الجزائرتدين الهجمات المتعمدة لقوات الاحتلال الصهيوني على قوة اليونيفيل    كأس الكونفدرالية: شباب قسنطينة و اتحاد الجزائر من اجل إنهاء مرحلة المجموعات في الصدارة    تقلبات جوية : الأمن الوطني يدعو مستعملي الطريق إلى توخي الحيطة والحذر    العدوان الصهيوني على غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 46899 شهيدا و110725 جريحا    منظمة حقوقية صحراوية تستنكر بأشد العبارات اعتقال وتعذيب نشطاء حقوقيين صحراويين في مدينة الداخلة المحتلة    اتحاد الصحفيين العرب انزلق في "الدعاية المضلّلة"    الأونروا: 4 آلاف شاحنة مساعدات جاهزة لدخول غزة    اقرار تدابير جبائية للصناعة السينماتوغرافية في الجزائر    وزير الاتصال يعزّي في وفاة محمد حاج حمو    رقمنة 90 % من ملفات المرضى    قتيل وستة جرحى في حادثي مرور خلال يومين    تعيين حكم موزمبيقي لإدارة اللقاء    بلمهدي يزور المجاهدين وأرامل وأبناء الشهداء بالبقاع المقدّسة    جائزة لجنة التحكيم ل''فرانز فانون" زحزاح    فكر وفنون وعرفان بمن سبقوا، وحضور قارٌّ لغزة    المتحور XEC سريع الانتشار والإجراءات الوقائية ضرورة    بلمهدي يوقع على اتفاقية الحج    تسليط الضوء على عمق التراث الجزائري وثراء مكوناته    كيف تستعد لرمضان من رجب؟    ثلاث أسباب تكتب لك التوفيق والنجاح في عملك    الأوزاعي.. فقيه أهل الشام    نحو طبع كتاب الأربعين النووية بلغة البرايل    انطلاق قراءة كتاب صحيح البخاري وموطأ الإمام مالك عبر مساجد الوطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محطات في مسيرة مكتبة "لاسناد" بالجلفة
نشر في الجلفة إنفو يوم 04 - 09 - 2017

الحمد لله الوليّ الحميد، الهادي إلى دين التّوحيد، في كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد. سُبحانك سُبحانك سُبحانك، لا نُحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك. و الصّلاة و السّلام على نبيّنا مُحمّدٍ النّبيّ الرّسول العربي، المبعوث للعالمين، و على آله الأطهار، و أصحابه المُهاجرين منهم و الأنصار، و من تبعهم بإحسان. و بعد..
فالمعهود عادة أنّ الكُتب هي عناوين العُلوم و الفُنون، و هي تبع لها، و أنّ العناية بها ؛ تأليفًا و توليفًا و تصنيفًا و طِباعة و نشرًا و توزيعًا و ترويجًا و تجارة و اقتناء و جمعًا، هي من صميم العِناية بالعلم و المعرفة، و هي رافد من روافد بناء المدنيات و الحضارات...
و لقد حرصت الدّولة الجزائريّة الفتيّة، إبّان السّنوات الأُولى من استقلالها و استرجاع حُرّيتها، على تجسيد مشروع التّعليم العَتيق أو الأَصليّ(1) (الأصيل)، الّذي تَبنَّته، كما أنّها تبنّت نِسبيًّا رُؤية جمعيّة العُلماء الإصلاحيّة، و عُنيت بإقامة مُلتقيات الفِكر الإسلامي المُثمرة، و سَاعدت على تَوسيع دائرة المَكتبات العامّة التّابعة لوزارة الثّقافة، في المُدن الكُبرى و الدّساكر، الّتي كانت معروفة بالقُطر الجزائري وقتئذ، و دَعّمت أَثمان الكُتب الّتي تُعرض و تُباع فيها. كما أنّها حَرصت على تشجيع و توسيع حركيّة التّعليم و التّدريس، و حتّى التّأليف و التّصنيف، و ما يتبعهما من نسخ و تسفير و تجليد، بالإضافة إلى صِناعة مواد الكتابة، أو جلبها و استيرادها. و استمرّت هذه العناية بالثّقافة و المعارف و العُلوم، عبر عُقودٍ خلت.. و تأسّست المكتبات العامّة و دُور الثّقافة و دُور النّشر، و على رأسها الشّركة الوطنيّة للنّشر و التّوزيع، الّذي تسمّت في ما بعد بالمُؤسّسة الوطنيّة لِلكتاب، و دِيوان المطبوعات الجامعيّة، و عدد من المكتبات المشهورة، في كافة رُبوع الوطن الحبيب...
و باقتراح و سعي و بذل من السّيّد حسّان بن سعد القويني المحمدي، ثمّ النّايلي مأجُورًا الّذي كان أوّل رئيسٍ للمجلس الشّعبي الولائي، بعد أن أضحت الجلفة ولاية سنة 1974 م، تمّ إنشاء فرع للشّركة الوطنيّة للنّشر و التّوزيع (لاسناد)، بمقربة من حيّ الظّلّ الجميل، بمدينة الجلفة، سنة 1973 م(2).
و قد تولّى تسييرها و القيام عليها حسّان عمر، من سنة 1973 م، إلى غاية نهاية سنة 1974 م، و من بداية سنة 1975 م إلى غاية 31 ديسمبر 1979 م، تولّى أمرها الأُستاذ المُحترم ابن بُوزيد عمّار(3)، ليعقبه بعد هذا التّاريخ، و بالضّبط في جانفي 1980 م، الأُستاذ الكريم حفّاف عبد القادر ؛ كُلّ ذلك كان تحت وِصاية وزارة الثّقافة كما لا يخفى. و قد غشيتها جُموعٌ مُتكاثرة من النّاس، في بِقاع منطقة الجلفة الواسعة، قاصيها و دانيها، و حتّى من خارجها ؛ فيهم أهل العلم و الأدب و الفِكر و الفضل(4)، و فيهم السّاسة و أهل السُّلط و المناصب و الجاه و كبار القوم(5)، و اقتنوا منها ما اشتهوا من كُتبٍ ذات طِباعة تجليديّة، أو كارتونيّة (كارطونيّة)، و رسائل و مجلّات و طوامير و دوريات و نشريات، مُتعدِّدة المهايع و المجالات، و اكتحلت أعينهم بمعروضاتها و مصفوفاتها، في شتّى المعارف و الفُنون(6). و ليس بمُغيّب ما قدّمته هذه المكتبة الكبيرة، لِآهلة الرّبع النّابلي المُترامي النّظر، في الأيّام الخوالي، و إنّ جفّ سِيبه في السِّنيّ الأخيرة، بيد أنّه من واجبنا كمُشتغلين على هذا الخطّ، مُنذ وقت، أنّ نُذكِّر بذلك، و أن نُنوِّه به و نُمجِّده، و نُقيِّده عبر صفحات مرقومة، تُضاف إلى مسرد تاريخ جلفتنا (جلفانا) الثّقافيّ . و لا فخرًا.....
و من مُستحسن القول أن نتعرّض بشيء من التّعريف بالشُّخوص الّذين تعاقبوا على إدارتها، و نخصّ الذّكر بشخصين رئيسيين كانا من رُموزها(7)، في الحقبة المُمتدّة من 1975 م، و إلى أن صارت تحت الملكيّة الخاصّة، مُنذ سنة 1997 م، و إلى يوم النّاس هذا...
أمّا الأوّل فهو عمّار بن أبي الأرباح (بولرباح) بن مُحمّد بن بُوزيد الزّيديّ (نسبة إلى أولاد زيد) الزّنيني (نسبة إلى مدينة زنينة. الإدريسيّة حاليًا). و خُؤولته هم أولاد عنتر الهلاليون القاطنون بمدينة قصر البُخاريّ. وُلد يوم الثّلاثاء 29 ذي الحجّة 1438 ه، المُوافق الأوّل من شهر مارس 1938 م، بمدينة القليعة، بولاية تيبازة، بالشّمال الجزائريّ (هذا حسب الوثائق الإدرايّة الخاصّة به). تربّى و نشأ و تأدّب و تلقّى تعليمه، بمدينة أخواله كما ذكرنا سابقًا، و قد حفظ القُرآن، و زاول الدِّراسة بالتّعليم النِّظامي الحُكومي في ذلك الحين سنين عددا. و في سنة 1959 م ساهم في النِّضال السِّياسي، ضدّ المُستدمر الفرنسي، و اُختير عضوا في المُنظّمة المدنيّة لجبهة التّحرير الوطني (م. م. ج. ت. و )، و بعد الاستقلال (1962 م) تولّى رئاسة المجلس البلدي بالتّعيين، لُكلّ من الإدريسيّة و القدِّيد و بن يعقوب، و ما بين سنتي 1971 م، و 1974 م، صار أمينًا و مُنسِّقًا لِقسمة حزب جبهة التّحرير الوطنيّ، لِتلك الجهة. و بداية من سنة 1975 م كُلِّف بتسيير فرع الشّركة الوطنيّة للنّشر و التّوزيع بالجلفة، الّذي عُرف في وقته بإسم وكالة الجلفة للنّشر و التّوزيع، حتّى نهاية سنة 1979 م، كما أشرنا آنفا، و قد أدارها بنزاهة و اقتدار. ليُزاول مرّة أخرى، في أوائل عام 1980 م، عُضويّة المجلس الشّعبيّ البلدي لمدينة الإدريسيّة (زنينة) ؛ بطلب من أهلها، و اُنتخب كنائب أوّل، إلى أن اخترمته المنيّة بعد مرض عُضال، يوم الاثنين 15 شعبان 1410 ه، المُوافق 12 مارس 1990 م(8)، و هو في بداية عقده السّادس من العُمر. و هُو رجلٌ وطنيٌّ نزيهٌ غيورٌ، ذُو ثقافة شرعيّة و عربيّة مُحترمة، مُقتنٍ للكُتب و المجلّات و الجرائد، مُحبٌّ للمُطالعة فيها، مُعتنٍ بها، يُجيد اللّغة الفرنسيّة نُطقًا و كتابة كأهلها.
و أمّا الّذي خلفه بتعيين من الوزارة الوصيّة ؛ فهو عبد القادر بن العربي بن يحيى حفّاف الخبيزي الصّحراوي الجلفاويّ (الجلفيّ)، الّذي وُلد يوم الخميس غُرّة جُماد ثانٍ 1373 ه، المُوافق 04 فيفري 1954 م، بحيّ بن عزيز (بنعزيز)، بوسط مدينة الجلفة.
و هو مُتحصِّل على مُستوى سنة ثالثة ثانويّ، شُعبة آداب، للموسم الدِّراسيّ 1972 م / 1973 م، بإحدى ثانويات مدينة المَدية (عاصمة التِّيطري). و قد درس سنة واحدة بجامعة التّكوين المُتواصل، أثناء أدائه للخدمة الوطنيّة، بالنّاحية العسكريّة الخامسة (05)، و كُلِّف بِرئاسة مصلحة المُحافظة السِّياسيّة لدى النّاحية المُشار إليها.
كما أنّه تلقّى تكوينا و رسكلة من طرف وزارة الثّقافة بالجزائر العاصمة، في سنة 1983 م، لِمُدّة عامٍ كاملٍ.....(9)
و من سنة 1975 م، إلى غاية نهاية سنة 1979 م، كان مُسيِّرًا ماليًّا (مُقتصدًا) للمعهد الفلاحي، بمدينة الجلفة.
و تُعدّ فترة تولِّي الأستاذ عبد القادر حفّاف لفرع الشّركة المُتحدّث عنها، أطول فترة على الإطلاق، و شهدت عدّة تغيّرات ؛ ففي سنة 1984 م، أصبحت تُسمّى، المُؤسّسة الوطنيّة للكتاب (ابن رُستم)، و أثناء سِياسة حلِّ المُؤسّسات الّتي عرفتها الدّولة في فترة التّسعينيات من القرن المُنتهي، و تحديدًا في سنة 1997 م، باتت تحت الملكيّة الخاصّة، و استلمها الأُستاذ المذكور بالتّقسيط، رغبة منه و طواعية من نفسه، بعدما طلبت الوزارة المعنيّة، إلى جميع وُكلائها و مُسيِّريها و مُوظّفيها بالمُؤسّسة المُومى إليها، في اجتماع رسميّ، أن يختاروا بين التّسريح المُسبق، أو أن يتولّوا بأنفسهم شُؤون فُروع هذه المُؤسّسة الّتي حُلّت بقرار حُكومي، و تكون تحت حيازنهم الخاصّة، بعد شرائها من طرف الدّولة. و قد أخبرني الأستاذ عبد القادر أنّه اختار البقاء، و آل على نفسه أن يبقى وفيًّا للكتاب الورقيّ، إلى آخر رمغ في حياته، و أن تكون المكتبة تحت عِصمته، و أن يتولّى تسييرها معنويّا و مادِّيا، و تبقى كما كانت قِبلة و موئِلاً للقُرّاء و الطّلبة و مُقتني الكُتب. و قد أبرم عقد شرائها و تسلّمها، و اختار لها عدّة أسماء ؛ منها النّهضة، و المُستقبل، و وحي القلم، و اللّهب المُقدّس، و غيرها، رُفضت جميعها من طرف الإدارة المُختصّة ؛ بتعليل أنّها أسماء مكرورة، فهي بزعمهم أسماء اُختيرت لكثير من المُؤسّسات الّتي كانت على غِرارها، و مُنتشرة عبر المُدن الجزائريّة الكُبرى، عدا إسم اللّهب المُقدّس(10)، الّذي وُضع على لافتة (لافطة)، في أعلى مدخلها، و لكنّها ظلّت تُعرف و تُنعت بمكتبة لاسناد، مُنذ ذلك العهد، أو قبله، و إلى حدِّ السّاعة.....
و قد سألته عمّا يتذكّره من مواقف مُؤثِّرة وقعت له، طِيلة هذه الحِقبة الطّويلة في تسييرها. فذكر لي أنّه كان يومًا في مكتبه بإحدى زوايا المكتبة المُشارة، مُنصبًّا كعادته على مُراقبة و مُعالجة و مُراجعة بعض الوثائق و الفواتير و الحِسابات، فإذا بالإمام الكبير المعروف الزّاهد الورع أبي يحيى عطيّة مسعودي (رحمه الله رحمة واسعة) واقفًا بباب المكتبة، فذهبت إليه مُهرولا طامن الرّأس، في حالة احتشام و استحياء، و قد غشيني العرق من رأسي إلى أخمص رجلي، فقبّلت رأسه و يديه، و قرّبت إليه كُرسيًّا للجلوس عليه، و قلت له بغبطة و فرحة شديدتين : أهلاً و سهلاً و مرحبًا شيخنا الكريم... زيارة ميمونة إن شاء الله... أهلاً أهلاً أهلاً.
و قد جلس لحظات و حدّق بعينيه إلى زوايا المكتبة، و تصفّح بعض الكُتب، لا أذكر الآن عناوينها... و دعا لنا الله بالتّوفيق و السّداد. و قد أهديته مُصحفًا كبير الحجم ذات طبعة راقية، و هي من الطّبعات المحبوبة، في فترة الثّمانينيات. و التمست منه الرِّضا و القبول، و أن يعفو عنِّي و يُسامحني، في تقصيري نحوه، و أنِّي لم أكن أزوره كثيرًا، و أن يُعاود زِيارته لنا. فتبسّم، و أعدت تقبيل رأسه مرّة أُخرى ؛ تقديرًا و تبجيلاً. فكانت هذه أكثر اللّحظات المُؤثِّرات في حياتي الشّخصيّة و المهنيّة ؛ فيها المُفاجأة، و فيها ما فيها.....(11)
و الجدير بالانتباه أنّ في أيّامه، عرفت لاسناد أوّل مُشاركة في المعرض الدّولي للكتاب، الّذي نُظِّم خلال سنتي 1984 م، و 1985 م، و مُشاركات كثيرة، في معارض وطنيّة و محلِّيّة، لكثير من المُناسبات و الأغراض و الأعياد، بالإضافة إلى تنظيم أيّام مفتوحة لأساتذة و طلبة جامعة الجلفة. و قد ذكر لي أنّ الفترة المُمتدّة، من سنة 1980 م، إلى سنة 1988 م، هي الفترة الزّاهية، أو قال الذّهبيّة، لمكتبة لاسناد، و أنّ بعد أُفول سنة 1988 م، و إلى غاية اليوم، هي فترة التّرهّل و التّقلّص و التّدهور. و لا حول و لا قُوّة إلّا بالله.
و إنِّي أقول بفخرٍ و اعتزازٍ أنِّي اقتنيت منها، سيما قبل سنة 1993 م، كُتبًا و رسائل، مُنوّعة الفحوى ؛ بين شرعيّة و لُغويّة و أدبيّة و فكريّة، غير مُستهانة العدد و الفائدة، و هي من أحبّ الكتب إليّ، الموجودة ضِمن مكتبتي الخاصّة...
هذا ما يسّر الله تعالى تبييضه، في تاريخ و مسيرة لاسناد بالجلفة. و أسأل الله تعالى أن أكون قد وُفّقت لِلفت انتباه القُرّاء و البَحثة و الكَتبة و المُهتمِّين، إلى هذه الحيثيّة، من حيثيات روافد التُّراث الثّقافي، بِبُعديه الإسلاميّ و العربيّ، لمنطقتنا الكريمة، و فتح المجال أمامهم للبحث و التّنقيب، في جُيوبه و خفاياه. و ما كان منّا من خيرٍ فبتوفيق الله و فضله، و ما كان منّا غير ذلك فمن أنفسنا و سيّئات أعمالنا، و إنّ الله في كلتا حَالَينا رحيمٌ بنا، و هُو العفو الغفور. و الصّلاة و السّلام على نبيّ الرّحمة مُحمّدٍ، و على آله و أصحابه الهُداة الأعلام، و من اتّبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.
صور لتدشين مكتبة لاسناد
صور ل"عمّار بن بوزيد" و مكتبته الخاصة بمدينة الزنينة
صور ل"حفاف عبد القادر" و بعض كتب لا سناد

هوامش
1 كان نِظام التّعليم المُتّبع في هذه المعاهد الإسلاميّة، على الطّريقة الأزهريّة المعمول بها بالجامع المعمور الأزهر الشّريف، و هي طريقة ناجعة بلا ريب. و مُدّة الدّراسة فيها أربع سنوات (04) ؛ يتلقّى فيها طالب العلم عُلومًا شتّى، لُغويّة، و شرعيّة، و وضعيّة، و علميّة، حِفظًا و إِملاءً و تَلقينًا و كتابةً و شَرحًا.... و نتمنّى أن يُستأنف العمل به كرّة أخرى، و ستكون عاقبته حُسنى. بإذن الله تعالى. و الله أعلى و أعلم.
2 و قد تكون سنة 1974 م، حينما غدت الجلفة ولاية، في التّقسيم الإداريّ الّذي وقع في ذلك الزّمان. و الله أعلى و أعلم.
3 تمّ اختياره برضا و قبول ؛ لأسباب، منها كفاءته العالية، و نظافة ماضيه، و حُسن سُلوكه، و تشبّعه بمبادئ الدِّين و العُروبة و الوطنيّة... و غيرها. و الله أعلى و أعلم.
4 أذكر على سبيل المثال لا القصر، من الأموات منهم (التّرتيب في ذكرهم هُنا حسب تاريخ الوفاة) : لبقع لخضر (ت 1984 م)، و حاشي معمّر ( امعمّر) (ت 1986 م)، و مسعودي عطيّة الإمام الشّهير (ت 1989 م)، و مرباح مُحمّد (ت 1990 م)، و عبد المجيد بن حبّة (ت 1992 م)، و شونان مُحمّد (ت 1993 م)، و بن زرقين مُحمّد (ت 1994 م)، و مزوزي الحُسين (ت 1994 م)، و بالنّوّي مُحمّد لمين (الأمين) (ت 1994 م)، و الشَّطِّي عبد القادر (ت 2007 م)، و محفوظي عامر (ت ماي 2009 م)، و بن سعدة مُحمّد (ت نُوفمبر 2009 م)، و شرّاك عليّ (ت 2015 م)، و زيّاني عبد القادر (ت 2016 م)...
و من الأحياء (التّرتيب في ذكرهم هُنا هُو ترتيبٌ ألفبائيٌّ للألقابهم) : جنيدي الطّيّب، و حمزة لمبارك، و بوخلخال مُحمّد، و خليفة مُحمّد، و سالت الجابريّ، و بن سالم عبد القادر، و سليم لخضر، و شحطة المصفى، و بن شريك عبد الرّحمان، و بن الشّيخ مُحمّد، و قويدري مُحمّد الطّيّب، و قويسم الميلود (مُفتي الولاية الحالي)، و قويني بن ناجي، و مسعودي يحيى، و بُومقواس عامر، و النّعّاس عليّ، و بُونوّة أحمد...
5 هؤلاء كانوا يتهافتون إليها رغبًا و رهبًا ؛ لأنّ توجّه قادة الدّولة في ذلك الحين، كان على هذا المنحى. و الله أعلى و أعلم.
6 و من ظريف الحديث و طريفه في هذا المضمار، و من يُسر تسيير الأُمور و بساطتها في ذلك الزّمان.. أنّ المُسيّرين عمّار (رحمه الله)، و عبد القادر (حفظه الله)، كانا يستلمان في كثير من الأحايين، البِضاعة المُرسلة إلى لاسناد، من قِبل وزارة الثّقافة وقتذاك، و المُتمثّلة في الكُتب، و الكُتب ذات السّلاسل، و الرّسائل، و المجلّات، و الصُّحف، و المنشورات، و غيرها، عبر حافلات الشّركة الوطنيّة لِنقل المُسافرين، الّتي كانت محطّتها موجودة بحيّ الظّلّ الجميل، و هي قريبة جدًّا من المكتبة المُتكلّم عليها. و الله أعلى و أعلم.
7 لا أُريد ان أنسى الشّيخ الفاضل أبا مُصطفى عبد الرّحمان هيلوف رحمه الله، الّذي كان يشغل قابضًا لدى مكتبة لاسناد، لِسنوات عديدة ؛ رُبّما من سنة 1975 م، حتّى سنة 1983 م، أو بعدها بقليل، و قد اشتغل تحت إدارة الشّخصين اللّذين خصصناهما بشيء من التّرجمة، و له رِعاية و اهتمام بالكُتب عُمومًا. و هو من بيت التزامٍ و أدبٍ و فضلٍ، من البيوتات الأولى التي تأسّست بأولاد جلّال، بالجنوب الشّرقي الجزائريّ. كان على خُلقٍ و دِيانة، و قد خفّ في طلب المعارف و الثّقافات، إلى عدّة جِهات من الوطن، و له خلفٌ طيّبون. و الله أعلى و أعلم.
8 من خِلال ما زوّدني به نجلاه مُحمّد و أبو الأرباح (بُولرباح)، أثناء لِقائي بهما، مساء الثّلاثاء 07 ذي الحجّة 1438 ه، المُوافق 29 أوت 2017 م، بمسكنيهما، بمدينة الإدريسيّة (زنينة).
10 أجد بين كثير من معشر مُرتادي المكتبات، و مُقتني الكُتب، بجلفتنا (جلفانا)، تضمّرًا و تأسّفًا و غضاضة ؛ لاختيار و تبنّي هذا الإسم، و أجدني مثلهم ؛ لأسباب ليس هذا موضع عدّها و التّكلّم عليها. و الله أعلى و أعلم.
09 و 11 من خِلال لِقائي معه و مُحادثتي إليه، صباح يوم الخميس الثّاني من ذي الحِجّة 1438 ه، المُوافق الرّابع و العشرين من شهر أوت (آب) 2017 م، بمقرِّ مكتبته (اللّهب المُقدّس لاسناد سابقًا)، بقلب مدينة الجلفة البهجة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.