الجزائر حريصة على إقامة علاقات متينة مع بلدان إفريقيا    الجزائر تتضامن مع ميانمار    عيد الفطر المبارك: رئيس مجلس الأمة يهنئ الشعب الجزائري والأمة الاسلامية    طوارئ بالموانئ لاستقبال مليون أضحية    الجزائر توقّع اتفاقيات بقيمة مليار دولار    الفلسطينيون يتشبّثون بأرضهم    فرنسا: بدء مسيرة من أجل اطلاق سراح المعتقلين السياسيين الصحراويين في السجون المغربية    الشباب يتأهّل    الدرك يُسطّر مخططا أمنياً وقائياً    فيغولي.. وداعاً    66 عاماً على استشهاد العقيدين    رئيس الجمهورية يتلقى تهاني نظيره التركي بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك    المسابقة الوطنية للأطفال لكتابة الرسائل: تمديد آجال المشاركة إلى غاية 8 أبريل القادم    المرصد الوطني للمجتمع المدني يخصص يومي الخميس والسبت لاستقبال الجمعيات    تجارة: تحديد شروط سير المداومات والعطل والتوقف التقني للصيانة واستئناف النشاط بعد الأعياد الرسمية    منظمة حقوقية تدين منع الاحتلال المغربي مجددا لوفد دولي من زيارة الصحراء الغربية    فلسطين: أكثر من 9500 أسير في سجون الاحتلال الصهيوني يواجهون جرائم منظمة وممنهجة    تندوف : إطلاق أشغال إنجاز أكبر محطة لإنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية بغارا جبيلات    تجارة : تحديد شروط عرض الفواكه والخضر الطازجة بموجب قرار وزاري مشترك    موبيليس تتوج الفائزين في الطبعة ال 14 للمسابقة الوطنية الكبرى لحفظ القرآن    شهر التراث: إطلاق الطبعة ال1 لمسابقة "ماراتون التصوير الفوتوغرافي لولاية الجزائر"    حوادث الطرقات تخلف 6 قتلى و442 جريحاً    هطول أمطار رعدية في 10 ولايات    سوق اهراس : وزير الشباب والرياضة يعاين عدة مشاريع ويتفقد قطاعه    القضاء على مجرمين اثنين حاولا تهريب بارون مخدرات بتلمسان    الجزائر تستحضر ذكرى العقيد عميروش قائد الولاية الثالثة التاريخية    مؤسسة "نات كوم": تسخير 4200 عون و355 شاحنة    مدرب هيرتا برلين ينفي معاناة مازة من الإرهاق    عروض مواقع التواصل بديل لاستحضار "بنّة" العيد    تطور كبير في العمل التضامني خلال رمضان    الأمن المائي.. الجزائر تربح المعركة    المخزن واليمين المتطرّف الفرنسي.. تحالف الشيطان    تحويل صندوق التعاون الفلاحي ل"شباك موحّد" هدفنا    ارتفاع قيمة عمورة بعد تألقه مع فولفسبورغ و"الخضر"    صايفي: كنت قريبا من الانتقال إلى نيوكاستل سنة 2004    أنشطة تنموية ودينية في ختام الشهر الفضيل    بين البحث عن المشاهدات وتهميش النقد الفني المتخصّص    نحو تنظيم ملتقى "المسرح والذاكرة" وإنشاء شبكة توزيع العروض    تقييم مدى تجسيد برنامج قطاع الشباب    بوغالي وقوجيل يعزّيان في وفاة الفنان حمزة فيغولي    مولودية الجزائر : بن يحيى يجهز خطة الإطاحة بأورلاندو بيراتس    الجزائر- قطر: التوقيع على الاتفاقية النهائية للمشروع المتكامل لانتاج الحليب المجفف    غضب جماهيري في سطيف وشباب بلوزداد يكمل عقد المتأهلين..مفاجآت مدوية في كأس الجزائر    اجتماع تنسيقي حول بطولة المدارس الإفريقية لكرة القدم    اللهم نسألك الثبات بعد رمضان    فتاوى : الجمع بين نية القضاء وصيام ست من شوال    بمناسبة الذكرى المزدوجة ليوم الأرض واليوم العالمي للقدس..حركة البناء الوطني تنظم وقفة تضامنية مع الشعب الفلسطيني    منظمات حقوقية: على فرنسا التوقف فورا عن ترحيل الجزائريين بطريقة غير قانونية    توجيهات وزير الصحة لمدراء القطاع : ضمان الجاهزية القصوى للمرافق الصحية خلال أيام عيد الفطر    الجزائر تُكرّم حفظة القرآن    لقد كان وما زال لكل زمان عادُها..    عمورة ثاني أفضل هدّاف بعد صلاح    6288 سرير جديد تعزّز قطاع الصحة هذا العام    أعيادنا بين العادة والعبادة    عيد الفطر: ليلة ترقب هلال شهر شوال غدا السبت (وزارة)    صحة : السيد سايحي يترأس اجتماعا لضمان استمرارية الخدمات الصحية خلال أيام عيد الفطر    قطاع الصحة يتعزز بأزيد من 6000 سرير خلال السداسي الأول من السنة الجارية    رفع مستوى التنسيق لخدمة الحجّاج والمعتمرين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محطات في مسيرة مكتبة "لاسناد" بالجلفة
نشر في الجلفة إنفو يوم 04 - 09 - 2017

الحمد لله الوليّ الحميد، الهادي إلى دين التّوحيد، في كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد. سُبحانك سُبحانك سُبحانك، لا نُحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك. و الصّلاة و السّلام على نبيّنا مُحمّدٍ النّبيّ الرّسول العربي، المبعوث للعالمين، و على آله الأطهار، و أصحابه المُهاجرين منهم و الأنصار، و من تبعهم بإحسان. و بعد..
فالمعهود عادة أنّ الكُتب هي عناوين العُلوم و الفُنون، و هي تبع لها، و أنّ العناية بها ؛ تأليفًا و توليفًا و تصنيفًا و طِباعة و نشرًا و توزيعًا و ترويجًا و تجارة و اقتناء و جمعًا، هي من صميم العِناية بالعلم و المعرفة، و هي رافد من روافد بناء المدنيات و الحضارات...
و لقد حرصت الدّولة الجزائريّة الفتيّة، إبّان السّنوات الأُولى من استقلالها و استرجاع حُرّيتها، على تجسيد مشروع التّعليم العَتيق أو الأَصليّ(1) (الأصيل)، الّذي تَبنَّته، كما أنّها تبنّت نِسبيًّا رُؤية جمعيّة العُلماء الإصلاحيّة، و عُنيت بإقامة مُلتقيات الفِكر الإسلامي المُثمرة، و سَاعدت على تَوسيع دائرة المَكتبات العامّة التّابعة لوزارة الثّقافة، في المُدن الكُبرى و الدّساكر، الّتي كانت معروفة بالقُطر الجزائري وقتئذ، و دَعّمت أَثمان الكُتب الّتي تُعرض و تُباع فيها. كما أنّها حَرصت على تشجيع و توسيع حركيّة التّعليم و التّدريس، و حتّى التّأليف و التّصنيف، و ما يتبعهما من نسخ و تسفير و تجليد، بالإضافة إلى صِناعة مواد الكتابة، أو جلبها و استيرادها. و استمرّت هذه العناية بالثّقافة و المعارف و العُلوم، عبر عُقودٍ خلت.. و تأسّست المكتبات العامّة و دُور الثّقافة و دُور النّشر، و على رأسها الشّركة الوطنيّة للنّشر و التّوزيع، الّذي تسمّت في ما بعد بالمُؤسّسة الوطنيّة لِلكتاب، و دِيوان المطبوعات الجامعيّة، و عدد من المكتبات المشهورة، في كافة رُبوع الوطن الحبيب...
و باقتراح و سعي و بذل من السّيّد حسّان بن سعد القويني المحمدي، ثمّ النّايلي مأجُورًا الّذي كان أوّل رئيسٍ للمجلس الشّعبي الولائي، بعد أن أضحت الجلفة ولاية سنة 1974 م، تمّ إنشاء فرع للشّركة الوطنيّة للنّشر و التّوزيع (لاسناد)، بمقربة من حيّ الظّلّ الجميل، بمدينة الجلفة، سنة 1973 م(2).
و قد تولّى تسييرها و القيام عليها حسّان عمر، من سنة 1973 م، إلى غاية نهاية سنة 1974 م، و من بداية سنة 1975 م إلى غاية 31 ديسمبر 1979 م، تولّى أمرها الأُستاذ المُحترم ابن بُوزيد عمّار(3)، ليعقبه بعد هذا التّاريخ، و بالضّبط في جانفي 1980 م، الأُستاذ الكريم حفّاف عبد القادر ؛ كُلّ ذلك كان تحت وِصاية وزارة الثّقافة كما لا يخفى. و قد غشيتها جُموعٌ مُتكاثرة من النّاس، في بِقاع منطقة الجلفة الواسعة، قاصيها و دانيها، و حتّى من خارجها ؛ فيهم أهل العلم و الأدب و الفِكر و الفضل(4)، و فيهم السّاسة و أهل السُّلط و المناصب و الجاه و كبار القوم(5)، و اقتنوا منها ما اشتهوا من كُتبٍ ذات طِباعة تجليديّة، أو كارتونيّة (كارطونيّة)، و رسائل و مجلّات و طوامير و دوريات و نشريات، مُتعدِّدة المهايع و المجالات، و اكتحلت أعينهم بمعروضاتها و مصفوفاتها، في شتّى المعارف و الفُنون(6). و ليس بمُغيّب ما قدّمته هذه المكتبة الكبيرة، لِآهلة الرّبع النّابلي المُترامي النّظر، في الأيّام الخوالي، و إنّ جفّ سِيبه في السِّنيّ الأخيرة، بيد أنّه من واجبنا كمُشتغلين على هذا الخطّ، مُنذ وقت، أنّ نُذكِّر بذلك، و أن نُنوِّه به و نُمجِّده، و نُقيِّده عبر صفحات مرقومة، تُضاف إلى مسرد تاريخ جلفتنا (جلفانا) الثّقافيّ . و لا فخرًا.....
و من مُستحسن القول أن نتعرّض بشيء من التّعريف بالشُّخوص الّذين تعاقبوا على إدارتها، و نخصّ الذّكر بشخصين رئيسيين كانا من رُموزها(7)، في الحقبة المُمتدّة من 1975 م، و إلى أن صارت تحت الملكيّة الخاصّة، مُنذ سنة 1997 م، و إلى يوم النّاس هذا...
أمّا الأوّل فهو عمّار بن أبي الأرباح (بولرباح) بن مُحمّد بن بُوزيد الزّيديّ (نسبة إلى أولاد زيد) الزّنيني (نسبة إلى مدينة زنينة. الإدريسيّة حاليًا). و خُؤولته هم أولاد عنتر الهلاليون القاطنون بمدينة قصر البُخاريّ. وُلد يوم الثّلاثاء 29 ذي الحجّة 1438 ه، المُوافق الأوّل من شهر مارس 1938 م، بمدينة القليعة، بولاية تيبازة، بالشّمال الجزائريّ (هذا حسب الوثائق الإدرايّة الخاصّة به). تربّى و نشأ و تأدّب و تلقّى تعليمه، بمدينة أخواله كما ذكرنا سابقًا، و قد حفظ القُرآن، و زاول الدِّراسة بالتّعليم النِّظامي الحُكومي في ذلك الحين سنين عددا. و في سنة 1959 م ساهم في النِّضال السِّياسي، ضدّ المُستدمر الفرنسي، و اُختير عضوا في المُنظّمة المدنيّة لجبهة التّحرير الوطني (م. م. ج. ت. و )، و بعد الاستقلال (1962 م) تولّى رئاسة المجلس البلدي بالتّعيين، لُكلّ من الإدريسيّة و القدِّيد و بن يعقوب، و ما بين سنتي 1971 م، و 1974 م، صار أمينًا و مُنسِّقًا لِقسمة حزب جبهة التّحرير الوطنيّ، لِتلك الجهة. و بداية من سنة 1975 م كُلِّف بتسيير فرع الشّركة الوطنيّة للنّشر و التّوزيع بالجلفة، الّذي عُرف في وقته بإسم وكالة الجلفة للنّشر و التّوزيع، حتّى نهاية سنة 1979 م، كما أشرنا آنفا، و قد أدارها بنزاهة و اقتدار. ليُزاول مرّة أخرى، في أوائل عام 1980 م، عُضويّة المجلس الشّعبيّ البلدي لمدينة الإدريسيّة (زنينة) ؛ بطلب من أهلها، و اُنتخب كنائب أوّل، إلى أن اخترمته المنيّة بعد مرض عُضال، يوم الاثنين 15 شعبان 1410 ه، المُوافق 12 مارس 1990 م(8)، و هو في بداية عقده السّادس من العُمر. و هُو رجلٌ وطنيٌّ نزيهٌ غيورٌ، ذُو ثقافة شرعيّة و عربيّة مُحترمة، مُقتنٍ للكُتب و المجلّات و الجرائد، مُحبٌّ للمُطالعة فيها، مُعتنٍ بها، يُجيد اللّغة الفرنسيّة نُطقًا و كتابة كأهلها.
و أمّا الّذي خلفه بتعيين من الوزارة الوصيّة ؛ فهو عبد القادر بن العربي بن يحيى حفّاف الخبيزي الصّحراوي الجلفاويّ (الجلفيّ)، الّذي وُلد يوم الخميس غُرّة جُماد ثانٍ 1373 ه، المُوافق 04 فيفري 1954 م، بحيّ بن عزيز (بنعزيز)، بوسط مدينة الجلفة.
و هو مُتحصِّل على مُستوى سنة ثالثة ثانويّ، شُعبة آداب، للموسم الدِّراسيّ 1972 م / 1973 م، بإحدى ثانويات مدينة المَدية (عاصمة التِّيطري). و قد درس سنة واحدة بجامعة التّكوين المُتواصل، أثناء أدائه للخدمة الوطنيّة، بالنّاحية العسكريّة الخامسة (05)، و كُلِّف بِرئاسة مصلحة المُحافظة السِّياسيّة لدى النّاحية المُشار إليها.
كما أنّه تلقّى تكوينا و رسكلة من طرف وزارة الثّقافة بالجزائر العاصمة، في سنة 1983 م، لِمُدّة عامٍ كاملٍ.....(9)
و من سنة 1975 م، إلى غاية نهاية سنة 1979 م، كان مُسيِّرًا ماليًّا (مُقتصدًا) للمعهد الفلاحي، بمدينة الجلفة.
و تُعدّ فترة تولِّي الأستاذ عبد القادر حفّاف لفرع الشّركة المُتحدّث عنها، أطول فترة على الإطلاق، و شهدت عدّة تغيّرات ؛ ففي سنة 1984 م، أصبحت تُسمّى، المُؤسّسة الوطنيّة للكتاب (ابن رُستم)، و أثناء سِياسة حلِّ المُؤسّسات الّتي عرفتها الدّولة في فترة التّسعينيات من القرن المُنتهي، و تحديدًا في سنة 1997 م، باتت تحت الملكيّة الخاصّة، و استلمها الأُستاذ المذكور بالتّقسيط، رغبة منه و طواعية من نفسه، بعدما طلبت الوزارة المعنيّة، إلى جميع وُكلائها و مُسيِّريها و مُوظّفيها بالمُؤسّسة المُومى إليها، في اجتماع رسميّ، أن يختاروا بين التّسريح المُسبق، أو أن يتولّوا بأنفسهم شُؤون فُروع هذه المُؤسّسة الّتي حُلّت بقرار حُكومي، و تكون تحت حيازنهم الخاصّة، بعد شرائها من طرف الدّولة. و قد أخبرني الأستاذ عبد القادر أنّه اختار البقاء، و آل على نفسه أن يبقى وفيًّا للكتاب الورقيّ، إلى آخر رمغ في حياته، و أن تكون المكتبة تحت عِصمته، و أن يتولّى تسييرها معنويّا و مادِّيا، و تبقى كما كانت قِبلة و موئِلاً للقُرّاء و الطّلبة و مُقتني الكُتب. و قد أبرم عقد شرائها و تسلّمها، و اختار لها عدّة أسماء ؛ منها النّهضة، و المُستقبل، و وحي القلم، و اللّهب المُقدّس، و غيرها، رُفضت جميعها من طرف الإدارة المُختصّة ؛ بتعليل أنّها أسماء مكرورة، فهي بزعمهم أسماء اُختيرت لكثير من المُؤسّسات الّتي كانت على غِرارها، و مُنتشرة عبر المُدن الجزائريّة الكُبرى، عدا إسم اللّهب المُقدّس(10)، الّذي وُضع على لافتة (لافطة)، في أعلى مدخلها، و لكنّها ظلّت تُعرف و تُنعت بمكتبة لاسناد، مُنذ ذلك العهد، أو قبله، و إلى حدِّ السّاعة.....
و قد سألته عمّا يتذكّره من مواقف مُؤثِّرة وقعت له، طِيلة هذه الحِقبة الطّويلة في تسييرها. فذكر لي أنّه كان يومًا في مكتبه بإحدى زوايا المكتبة المُشارة، مُنصبًّا كعادته على مُراقبة و مُعالجة و مُراجعة بعض الوثائق و الفواتير و الحِسابات، فإذا بالإمام الكبير المعروف الزّاهد الورع أبي يحيى عطيّة مسعودي (رحمه الله رحمة واسعة) واقفًا بباب المكتبة، فذهبت إليه مُهرولا طامن الرّأس، في حالة احتشام و استحياء، و قد غشيني العرق من رأسي إلى أخمص رجلي، فقبّلت رأسه و يديه، و قرّبت إليه كُرسيًّا للجلوس عليه، و قلت له بغبطة و فرحة شديدتين : أهلاً و سهلاً و مرحبًا شيخنا الكريم... زيارة ميمونة إن شاء الله... أهلاً أهلاً أهلاً.
و قد جلس لحظات و حدّق بعينيه إلى زوايا المكتبة، و تصفّح بعض الكُتب، لا أذكر الآن عناوينها... و دعا لنا الله بالتّوفيق و السّداد. و قد أهديته مُصحفًا كبير الحجم ذات طبعة راقية، و هي من الطّبعات المحبوبة، في فترة الثّمانينيات. و التمست منه الرِّضا و القبول، و أن يعفو عنِّي و يُسامحني، في تقصيري نحوه، و أنِّي لم أكن أزوره كثيرًا، و أن يُعاود زِيارته لنا. فتبسّم، و أعدت تقبيل رأسه مرّة أُخرى ؛ تقديرًا و تبجيلاً. فكانت هذه أكثر اللّحظات المُؤثِّرات في حياتي الشّخصيّة و المهنيّة ؛ فيها المُفاجأة، و فيها ما فيها.....(11)
و الجدير بالانتباه أنّ في أيّامه، عرفت لاسناد أوّل مُشاركة في المعرض الدّولي للكتاب، الّذي نُظِّم خلال سنتي 1984 م، و 1985 م، و مُشاركات كثيرة، في معارض وطنيّة و محلِّيّة، لكثير من المُناسبات و الأغراض و الأعياد، بالإضافة إلى تنظيم أيّام مفتوحة لأساتذة و طلبة جامعة الجلفة. و قد ذكر لي أنّ الفترة المُمتدّة، من سنة 1980 م، إلى سنة 1988 م، هي الفترة الزّاهية، أو قال الذّهبيّة، لمكتبة لاسناد، و أنّ بعد أُفول سنة 1988 م، و إلى غاية اليوم، هي فترة التّرهّل و التّقلّص و التّدهور. و لا حول و لا قُوّة إلّا بالله.
و إنِّي أقول بفخرٍ و اعتزازٍ أنِّي اقتنيت منها، سيما قبل سنة 1993 م، كُتبًا و رسائل، مُنوّعة الفحوى ؛ بين شرعيّة و لُغويّة و أدبيّة و فكريّة، غير مُستهانة العدد و الفائدة، و هي من أحبّ الكتب إليّ، الموجودة ضِمن مكتبتي الخاصّة...
هذا ما يسّر الله تعالى تبييضه، في تاريخ و مسيرة لاسناد بالجلفة. و أسأل الله تعالى أن أكون قد وُفّقت لِلفت انتباه القُرّاء و البَحثة و الكَتبة و المُهتمِّين، إلى هذه الحيثيّة، من حيثيات روافد التُّراث الثّقافي، بِبُعديه الإسلاميّ و العربيّ، لمنطقتنا الكريمة، و فتح المجال أمامهم للبحث و التّنقيب، في جُيوبه و خفاياه. و ما كان منّا من خيرٍ فبتوفيق الله و فضله، و ما كان منّا غير ذلك فمن أنفسنا و سيّئات أعمالنا، و إنّ الله في كلتا حَالَينا رحيمٌ بنا، و هُو العفو الغفور. و الصّلاة و السّلام على نبيّ الرّحمة مُحمّدٍ، و على آله و أصحابه الهُداة الأعلام، و من اتّبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.
صور لتدشين مكتبة لاسناد
صور ل"عمّار بن بوزيد" و مكتبته الخاصة بمدينة الزنينة
صور ل"حفاف عبد القادر" و بعض كتب لا سناد

هوامش
1 كان نِظام التّعليم المُتّبع في هذه المعاهد الإسلاميّة، على الطّريقة الأزهريّة المعمول بها بالجامع المعمور الأزهر الشّريف، و هي طريقة ناجعة بلا ريب. و مُدّة الدّراسة فيها أربع سنوات (04) ؛ يتلقّى فيها طالب العلم عُلومًا شتّى، لُغويّة، و شرعيّة، و وضعيّة، و علميّة، حِفظًا و إِملاءً و تَلقينًا و كتابةً و شَرحًا.... و نتمنّى أن يُستأنف العمل به كرّة أخرى، و ستكون عاقبته حُسنى. بإذن الله تعالى. و الله أعلى و أعلم.
2 و قد تكون سنة 1974 م، حينما غدت الجلفة ولاية، في التّقسيم الإداريّ الّذي وقع في ذلك الزّمان. و الله أعلى و أعلم.
3 تمّ اختياره برضا و قبول ؛ لأسباب، منها كفاءته العالية، و نظافة ماضيه، و حُسن سُلوكه، و تشبّعه بمبادئ الدِّين و العُروبة و الوطنيّة... و غيرها. و الله أعلى و أعلم.
4 أذكر على سبيل المثال لا القصر، من الأموات منهم (التّرتيب في ذكرهم هُنا حسب تاريخ الوفاة) : لبقع لخضر (ت 1984 م)، و حاشي معمّر ( امعمّر) (ت 1986 م)، و مسعودي عطيّة الإمام الشّهير (ت 1989 م)، و مرباح مُحمّد (ت 1990 م)، و عبد المجيد بن حبّة (ت 1992 م)، و شونان مُحمّد (ت 1993 م)، و بن زرقين مُحمّد (ت 1994 م)، و مزوزي الحُسين (ت 1994 م)، و بالنّوّي مُحمّد لمين (الأمين) (ت 1994 م)، و الشَّطِّي عبد القادر (ت 2007 م)، و محفوظي عامر (ت ماي 2009 م)، و بن سعدة مُحمّد (ت نُوفمبر 2009 م)، و شرّاك عليّ (ت 2015 م)، و زيّاني عبد القادر (ت 2016 م)...
و من الأحياء (التّرتيب في ذكرهم هُنا هُو ترتيبٌ ألفبائيٌّ للألقابهم) : جنيدي الطّيّب، و حمزة لمبارك، و بوخلخال مُحمّد، و خليفة مُحمّد، و سالت الجابريّ، و بن سالم عبد القادر، و سليم لخضر، و شحطة المصفى، و بن شريك عبد الرّحمان، و بن الشّيخ مُحمّد، و قويدري مُحمّد الطّيّب، و قويسم الميلود (مُفتي الولاية الحالي)، و قويني بن ناجي، و مسعودي يحيى، و بُومقواس عامر، و النّعّاس عليّ، و بُونوّة أحمد...
5 هؤلاء كانوا يتهافتون إليها رغبًا و رهبًا ؛ لأنّ توجّه قادة الدّولة في ذلك الحين، كان على هذا المنحى. و الله أعلى و أعلم.
6 و من ظريف الحديث و طريفه في هذا المضمار، و من يُسر تسيير الأُمور و بساطتها في ذلك الزّمان.. أنّ المُسيّرين عمّار (رحمه الله)، و عبد القادر (حفظه الله)، كانا يستلمان في كثير من الأحايين، البِضاعة المُرسلة إلى لاسناد، من قِبل وزارة الثّقافة وقتذاك، و المُتمثّلة في الكُتب، و الكُتب ذات السّلاسل، و الرّسائل، و المجلّات، و الصُّحف، و المنشورات، و غيرها، عبر حافلات الشّركة الوطنيّة لِنقل المُسافرين، الّتي كانت محطّتها موجودة بحيّ الظّلّ الجميل، و هي قريبة جدًّا من المكتبة المُتكلّم عليها. و الله أعلى و أعلم.
7 لا أُريد ان أنسى الشّيخ الفاضل أبا مُصطفى عبد الرّحمان هيلوف رحمه الله، الّذي كان يشغل قابضًا لدى مكتبة لاسناد، لِسنوات عديدة ؛ رُبّما من سنة 1975 م، حتّى سنة 1983 م، أو بعدها بقليل، و قد اشتغل تحت إدارة الشّخصين اللّذين خصصناهما بشيء من التّرجمة، و له رِعاية و اهتمام بالكُتب عُمومًا. و هو من بيت التزامٍ و أدبٍ و فضلٍ، من البيوتات الأولى التي تأسّست بأولاد جلّال، بالجنوب الشّرقي الجزائريّ. كان على خُلقٍ و دِيانة، و قد خفّ في طلب المعارف و الثّقافات، إلى عدّة جِهات من الوطن، و له خلفٌ طيّبون. و الله أعلى و أعلم.
8 من خِلال ما زوّدني به نجلاه مُحمّد و أبو الأرباح (بُولرباح)، أثناء لِقائي بهما، مساء الثّلاثاء 07 ذي الحجّة 1438 ه، المُوافق 29 أوت 2017 م، بمسكنيهما، بمدينة الإدريسيّة (زنينة).
10 أجد بين كثير من معشر مُرتادي المكتبات، و مُقتني الكُتب، بجلفتنا (جلفانا)، تضمّرًا و تأسّفًا و غضاضة ؛ لاختيار و تبنّي هذا الإسم، و أجدني مثلهم ؛ لأسباب ليس هذا موضع عدّها و التّكلّم عليها. و الله أعلى و أعلم.
09 و 11 من خِلال لِقائي معه و مُحادثتي إليه، صباح يوم الخميس الثّاني من ذي الحِجّة 1438 ه، المُوافق الرّابع و العشرين من شهر أوت (آب) 2017 م، بمقرِّ مكتبته (اللّهب المُقدّس لاسناد سابقًا)، بقلب مدينة الجلفة البهجة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.