الأكيد أن الشاب التونسي البوعزيزي - رحمه الله و غفر له – لم يكن يدري أن طريقته في التعبير عن سخطه من الظلم الذي لحق به ستؤدي إلى انفجار المنطقة العربية كلها تحت أقدام شيوخ أنبتوا الجذور تحت كرسي الحكم. فتحالفت تلك المشاعر المكبوتة للشباب المقهور على أمره مع جمهورية الفايسبوك الافتراضية و استحال الأمر إلى عاصفة هوجاء اقتلعت و ما فتئت تقتلع هؤلاء الشيوخ الواحد تلو الآخر حتى سارع بعضهم إلى تقديم التنازلات و الوعود لعل و عسى أن تعفيه الأيام مما لحق بأترابه. المعادلة واضحة للعيان وضوح الشمس ... شباب همشوا في بلدانهم و لم ينالوا الفرصة التي تليق بمستواهم و بتحصيلهم العلمي و غيبت أمامهم الفرصة في المشاركة التنمية المحلية... شباب أمام شيوخ كانوا ذات يوم شبابا احتكروا كل شيئ و نالوا فرصتهم و زيادة و لكنهم لما يقنعوا و لما يذهبوا إلى بيوتهم بل تقاعدوا و عادوا بحجة خبرتهم التي عدمها غيرهم و خدمة الوطن التي احتكروها لوحدهم ... و المضحك في هذا كله هو ذلك النموذج لأحد أولئك الشيوخ –الوزير السابق للسياحة- الذي بلغ من العمر عتيا – على عتبة الثمانين- و هاهو هذه الأيام يقود حملة تقويمية يريد من خلالها العودة إلى الأضواء ... هذا النموذج من الشيوخ الجاثمين على رؤوسنا لا يريد أن يعود إلى بيته و يقتنع بالراتب المعتبر الذي يناله من الإستوزار فيريح و يستريح... لأنه هو السبب في هروبنا إلى العوالم الافتراضية. يقابل ذلك من جهة شباب أكفاء وطنيون بكل ما تحمل الكلمة من معنى...يحبون بلادهم و يهيمون بها في كل واد... يفتخرون بثورة أجدادهم ضد المستعمر... يفتخرون بصورة الشهيد الشاب العربي بن مهيدي و هو يبتسم أمام جلاديه و هو صاحب مقولة "ألقوا بالثورة و سترون كيف سيحتضنها الشعب" و مقولته للسفاح بيجار "لن تستطيعوا أن توقفوا عجلة التاريخ "... و دارت العجلة و استقلت الأقطار العربية من ظلم الإستدمار و خلد التاريخ أولئك الذين ضحوا بالنفس و النفيس و لكن مثلما أن التاريخ فيه صفحات ذهبية فانه كذلك لا يرحم من يحاول أن يوقف عجلته عن الدوران وان تعطلت عن الدوران لمدة 23 سنة أو ثلاثين سنة فانه حتما سيأتي يوم فيه تدور. و شاءت الأقدار أن تكون عربة خضر لشاب فقير معدم..بطال..جامعي ...كفؤ.. عربة خضر بعجلتين تدير عجلة التاريخ بعد أن أوهمنا القابعون أنها قد صدئت و لن تدور... و لكن ظهرت فجأة زيوت تشحيم بإمكانها أن تقتلع أي صدأ على العجلة المقدر لها أن تدور.... زيوت اسمها الفايسبوك و التويتر دارت العجلة التي ظننا أنها قد صدئت حتى أن سرعتها في الدوران قد أذهلت أولئك القابعين ...دارت العجلة حتى أنها قد أدهشت الموساد الذي فشل في استشراف فرضية سقوط مبارك... وجوه "القابعين" الآن عليها غبرة و ترهقها قترة... هم الآن واجمون و لا يدرون ماهم فاعلون... لقد فلتت الأمور من أيديهم... هم يحاولون الآن جاهدين أن يدخلوا علينا في جمهوريتنا الافتراضية و لكنهم لا يعرفون ما هذا الشيئ المسمى الكيبورد و الأفاعيل التي فعلها... فلا تعجب اذا أن ترى في الصباح شابا يبيع الكوكاو على قارعة الطريق بسوق الرحمة بساميزو و في المساء بجانبك يمسك الكيبورد و يتواصل مع أوباما بالبيت الأبيض. و في ظل ذلك فان المستقبل لمن يملك القدرة على الإقناع ... و يستطيع أن يقنع من يمكنه أن يصل إلى قلوب الناس ... و يصل الى قلوب الناس من يخاطبهم بما يفهمون بعيدا عن لغة الخشب كالشرعية الثورية و المؤامرات التي تحاك في الخارج و غيرها من العبارات التي أكل عليها الدهر و شرب أما الفايسبوك و التويتر و التاقد و غيرها من صفحات التواصل الإجتماعي فهي الآن الشارع الذي يحتضن الشعوب و الثورة و ربما لم يكن العربي بن مهيدي و هو يقول هذه المقولة للجلاد بيجار- لم يكن يدري- أن الدعوة لهذه الثورة بعد ستين عام من إعدامه سيصبح شارعها افتراضيا قد تشعله على أرض الواقع مجرد عربة خضر و يضمن لها التأطير و التعبئة مجرد قطعة بلاستيكية اسمها كيبورد... بقي في الأخير شيئ آخر و هو أنه مازال هناك بيننا بعضا من الأغبياء أو المتغابين- لا أدري – ممن مازالوا يعتقدون أن الأمور مازالت تحسم بالأمور التقليدية و بلغة الخشب و أن الأمور تسير على نطاقهم و فقط ... و قد سمعنا في هذا الصدد بالجلفة أن صاحب "الأتان" يمني صاحب "اللحم المجفف" بالالتحاق به مقابل 600 مليون... مساكين لا يدرون ما يمكن أن يفعله بهم الفايسبوك...