على مرتفعات بن شكاو و ما بين طرقاتها الملتوية و جبالها الشامخة ... تسير أمامك سيارة نقل جماعي بيضاء اللون في طريق عودتها إلى الجلفة. سيارة ليست ككل المركبات ... يقودها رجل ليس ككل الرجال ... يركبها أشخاص ليسوا ككل الناس ... كانوا في مستشفى ليس ككل مستشفياتنا ... لأنه ببساطة لا يوجد مستشفى من هذا النوع في الجلفة. يودعهم في الصباح الباكر جبل حواص فتنتحب غاباته ... يقرؤون: طريق السلامة ... Bonne route ...Safety road ... يشفق عليهم جبل حجر الملح ... فقد كان يتمناهم سياحا يهيمون بمناظره ... تبكيهم النبكة بدموعها المالحة... تضرب لهم "الصقيعة" موعدا في المساء ... يتحدى بهم الرجل الطريق الطويل ... يشق بهم الفيافي ... يسخر الرجل بكبرياء رفاقه على كبرياء جبال الشريعة ... يمر بهم على قردة المانغو التي ألفت وجوههم ... و هاهي تتساءل الفيافي و جبال الشريعة و قردتها و واد الشفة و مياهه المنسابة عن فلان الذي كان يأتي معهم ... لماذا لم يأت اليوم معكم؟ لقد كان معكم الأسبوع الماضي فقط ... لقد رأينا وجهه الباسم من نافذة سيارتكم الأسبوع الماضي ... ماذا حل به؟ لكن الرجل يتجاوز هذا الأسئلة ... و يحيلهم إلى "حواص" كي يستخبر عنه عند "الخضراء" و "المجحودة" و "الڤباب" و "سي الهادي" و غيرها من مقابر ولاية الجلفة ... ثم ينظر الرجل إلى الطريق المفتوحة بين يديه ... يحث الخطى ... ليصل بهم إلى مستشفى "فرانس فانون" ... صاحب كتاب “المعذبون في الأرض” ... " Les damnés de terre". الآن و أنت في محطة "الجقبوب" و الشمس في مغربها... تتراءى لك السيارة البيضاء قادمة ... تحمد قرية “الزينة" الله على وصولهم ... يلتفت جبل حواص وراءه فيتهلل وجهه و تنتشي غاباته ... على الجبل مكتوب "بلدية الجلفة ترحب بكم" ... تتراءى لهم صومعتا مسجد خالد بن الوليد رضي الله عنه صاحب الثمانين أثر طعنة سيف في جسمه ... يمرون على "الجقبوب" ... يبتسم لهم رجال الأمن مفسحين لهم الطريق ... يقرئهم الرجل السلام و يواصل طريقه ...يقرؤون : الجلفة ترحب بكم ... Djelfa vous souhaite la bien venue ... Welcome to Djelfa ... و أدخل الجلفة لأترك الرجل يواصل بهم إلى محل سكناهم فردا فردا ... انه حقا رجل السنة بلا منازع !