من مقتل عثمان رضي الله عنه إلى مقتل الحسين رضي الله عنه تبع الأحداث في ظل هذه الفترة التاريخية التي تمتد من مقتل عثمان إلى غاية حادثة كربلاء ، إني أدعو القارئ الكريم أن يقف معي على شواهد الإنتقالة النوعية للدولة الإسلامية على عهد الرعيل الأول من الصحابة و التابعين، دون الخوض في تلك التفاصيل عن مقتل الحسين ، هذه قراءة تصيدية نتصيد من خلالها تلك الدوافع الكامنة وراء مقتل الحسين . إن زمرة التوتر هي الأساس في حصول مقتل عثمان و كذا مقتل الحسين رضي الله عنهم ، فكما أسلفنا أن مناط النفرة يقع حتما من أولئك المتشبثين بذيول الآراء دون تفهم أو تعقل في إختيارية الجانب الحواري كأسلوب تفاعلي يمتص مساعي التفرق أو الانحياز لأي حساب كان . فنحن نستشهد بواقع التاريخ لإعطاء تفسيرات منطقية لما نعايشه اليوم على ضوء مقولة ما أشبه اليوم بالبارحة. و حتما ان الجناية وقعت و أفرزت مخاضا عجيب أمره فنرى أوداجا أنهكتها الحماسة زورا بأن دعوا للحسين الأحقية في الحكم ، ثم تجدهم يبخسون الرجل حقه في حمايته و الذود عن آله و حريمه من صبية و نساء كن معه في صعيد كربلاء ليبقى الرجل بمن معه يصارع سيوفا أشهرت في وجهه دون مراعاة لحرمته كونه سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم و ريحانته . تشير الروايات التاريخية التي حكت خبر خروج الحسين إلى الكوفة أن جملة من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا و قدم واجب النصيحة و أدى الأمانة التي هي في عنقه إزاء مقدم الحسين الخروج إلى أرض العراق ناصحين إياه بتجنب المخاطرة و المغامرة بحياته فهاهو عبد لله بن عباس يبصره بالذي قد يكون و يوضح له ان ما أصاب اباه عليا و أخاه الحسن ما كان إلا من شؤم و خبث مطية أهل العراق و أنهم ما نصرو و لا تقلدوا سيفا في وجه أحد لأجل آل البيت ، لكن الله يفعل ما يشاء و يصر الحسين على سفره رغم ما تبدى له من نصيحة الصحابة و ما تبدى له من وعثاء القوم و سوء مطلعهم و أكثر ما لفت روعه كثرة ما أرسل إليه من صحائف رسل أهل الكوفة و أهل العراق ملحين عليه بالقدوم و أنهم له مناصرون و بأموالهم و ذراريهم مضحون فكان ذاك سببا في إرسال الحسين ابن عمه مسلم ابن عقيل ابن أبي طالب ليترصد له الخبر و يستجمع له أفئدة الناس ، و ماهي إلا أيام و مسلم بالكوفة فرأى منهم القبول و المبايعة و أنهم على قلب رجل واحد لأجل الحسين فجاءه القوم يبايعون و بالأموال يكرمون. إلا أن خبر مسلم بلغ يزيدا بن معاوية فولى على الكوفة أمير البصرة عبيد الله ابن زياد فخذل الناس عن مسلم و رغبهم و خوفهم مغبة ماهم مقبلون عليه، فتنحى القوم زرافات زرافات عن مسلم بن عقيل حتى أصبح ومعه الألف ثم غدى و معه مئة رجل ثم ما لبث ان وجد معه ثلاثين صلى به صلاة العشاء الآخرة ،ثم لبث الرجل (مسلم بن عقيل ) الذي بايعه الناس بأنفسهم لنصرة الحسين وحيدا حتى ظفر به عبيد الله بن زياد فقتله. و الحق أنه ما قتله ابن زياد وإنما خيانة القوم له هي التي قتلته . و ليت خبر مسلم قد بلغ الحسين قبل خروجه من مكة لكن الأمر لما يتوضح إلا بعد أن بلغ الحسين كربلاء و أدرك حينها أن القوم له ناكصون و أنهم على أعقابهم مدبرون ليقضي الله أمرا كان مفعولا . الشاهد من ذكر ذلك أن مقام الحسين لم يشفع له عند شيعته من اهل العراق فقد خانوه و تركوه يصارع الموت وحده ، فكيف لمن هو دونه في القدر و المنزلة أن يدعي أن له الغلبة و القوم ليسوا كالقوم ، و كيف لمن لم يدرك منزلة الحسين قيد أنملة أن يواجه قلوب أمة أجمعت قلبوها على كرهه و خلعه من كرسيه الذي لو كان له لسان لاشتكى من فرط جلوسه عليه . وما من ظالم إلا ويجزى بظالم يماثله بالذي فعل و كقول الشاعر : و ما من يدي إلا يد الله فوقها و لا ظالم إلا سيبلى بظالم إنها دعوة الحق في النصرة للمظلوم فالحسين لبى دعوة القوم لينصر الحق و يخلي عن سبيل كل ضعيف و مسكين ، لكن دائرة الخذلان كانت متمكنة من قلوب أهل الكوفة فقد كان لهم إلى عهد قريب سجالات في الخيانة مع علي رضي الله عنه و كذا الحسن لم يسلم منهم فقد باشره أحدهم بطعنة في فخذه فكاد أن يقتل لولا أن الله سلم . إننا هاهنا نأتي بالسريع من أخبار و نتف أيام الدولة الإسلامية في بدايتها حتى يتبين الحق فيتبع ، فهل القذافي وأشباهه كالحسين وهل من تقوى بهم القذافي يعدون شيئا بالمقارنة بشيعة الحسين كلا والله لكن لا أحد يقرأ التاريخ فهاهو علي زين العابدين يفر لما علم أن لا بقاء له و من كان يظن ان حسني مبارك سيؤول حاله إلى ما عليه اليوم و من كان يعتفد أن القذافي سقتل شر قتلة إنها سنة الله في خلقه " وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس " ، ولكن لا أحد يعتبر ولا أحد يساءل نفسه أهذه مجرد شنشنة من بني أخزم أم أنها السنة الكونية التي لا مناص منها . (*) طليبي محمد / دراسات عليا في التاريخ