قد يظن البعض بأنه لا يمكن أن يتخرج من السجن حملة شهادات الدراسات العليا إلا أن هذا المستحيل تحول واقعاً في مؤسسة إعادة التربية بالجلفة التي باتت تحقق نتائج مميزة في السنوات الأخيرة بين المساجين الذين تفوقوا في امتحاناتهم الدراسية، وخير مثال على ذلك النزيلة " م , ف " صاحبة ال 28 ربيعا على شهادة البكالوريا مرتين الأولى سنة 2006 والثانية هذه السنة بالرغم من أنها اجتازت امتحان شهادة البكالوريا قبل دخولها المؤسسة لمرتين متتاليتين إلا أنها لم تتمكن من الحصول عليها , بالإضافة إلى حصولها على شهادة الدراسات التطبيقية الجامعية في العلوم القانونية والإدارية إنها إحدى مفارقات الحياة التي تعلمنا أن الإرادة كفيلة بتحقيق المعجزات، والسجون التي يقتاد إليها عادة المجرمون وذوي السوابق العدلية يمكنها أن تجعل من هؤلاء إطارات بدل أن تظل مجرد أماكن لتكوين المجرمين . كثيرة هي صور التحدي التي يصنعها مساجين قرروا التخلص من ثوب الإجرام وتحولوا إلى طلبة نجباء وبات الأمل الوحيد لهؤلاء أن يشملهم العفو الرئاسي الذي بات تقليداً في كل الأعياد الوطنية والدينية , ومن بين الحاصلين على شهادة التعليم المتوسط لهذه السنة " ب, ع ر " صاحب العشرون ربيعا وهو أصغر سجين بالمؤسسة بمعدل 13,52 يقابله نزيل آخر يبلغ من العمر 43 سنة تحصل على نفس الشهادة بعدما لم يساعفه الحظ منذ سنة 1980 كما أن له ولدان تحصلا كذلك هذا العام على شهادة التعليم المتوسط , تحوّلت مؤسسة إعادة التربية بالجلفة إلى أفضل مكان للتحصيل العلمي والتحضير الأمثل لامتحان شهادة البكالوريا وهذا بالنظر للجو الذي أصبحت توفره المؤسسة للطالب المحبوس الذي أضحى السجن أحب إليه من الثانويات والجامعات التي غرقت في الانحرافات ليفسح المجال هذه المرة الى الزنزانة وقدرتها على صناعة أدمغة فجرت طاقاتها وراء القضبان وحققت ما عجز عنه الكثير خارج أسوار السجن . قادتنا زيارة إلى جناح التكوين بمؤسسة إعادة التربية بالجلفة فقبل أن ندخل هذه المؤسسة، كنا نعتقد أن السجن ليس سوى مجموعة من الزنزانات الموحشة والأقفال ، لكن الواقع كان مغايرا تمام لما اكتشفناه من قاعات للمحاضرات المجهزة بجميع الوسائل البيداغوجية وأجهزة الإعلام الآلي وورشات التكوين المهني ، حيث توفر إدارة المؤسسة قاعات للتعليم والتكوين وهي 4 قاعات منها واحدة مجهزة بأجهزة الإعلام الآلي ، إضافة إلى قاعة للمطالعة فيها عناوين عديدة من الكتب تتجاوز ال 3200 عنوان يتمالعمل بها بنظام المكتبات العادية ويمكن للسجين الطالب استعارة كتاب لمدة أسبوع مع قابلية التجديد إلى غاية الشهر . وقد خصصت إدارة السجن مصلحة تشرف على العمل التكويني مهمته السهر على سير البرامج التكوينية المختلفة سواء تعلق الأمر ببرامج محو الأمية أو التكوين والتعليم عن بعد أو التعليم العادي الذي يتم بإشراف 3 أساتذة تم انتدابهم من خلال إمضاء اتفاقيات مع كل من مديرية التربية الوطنية وكذا مديرية التعليم والتكوين المهني بالإضافة إلى السجناء من ذوي المستويات العالية ومن بينهم النزيل " ر , ل " وهو أستاذ جامعي يقدم دروسا في اللغة الفرنسية والإنجليزية للمساجين المقبلين على شهادة البكالويا ، وتقوم ذات المصلحة حاليا بتأطير أكثر من 400 محبوس يتلقون تكوينا في المراحل الأساسية والمستوى المتوسط نجح منهم حوالي 204 نزيل في المستويات المختلفة. هذه السنة سجلت مؤسسة إعادة التربي بالجلفة نسبة نجاح تقدر ب 76,47 بالمائة في شهادة البكالوريا حيث نجح 13 نزيلا من بين 17 ممن أجروا الإمتحان فيما بلغ عدد المسجلين 28 نزيلا منهم من أفرج عنه قبل موعد الإمتحان فيما تم تسجيل نسبة نجاح تقدر ب 86,20 بالمائة في شهادة التعليم المتوسط بعد نجاح 29 نزيلا من بين 40 ممن أجروا الإمتحان , الناجحون في شهادتي التعليم المتوسط والبكالوريا أكدوا لنا استفادتهم من عدة تحفيزات من بينها الزيارات المقربة والتي تسمح لهم بالتحدث إلى أهاليهم مباشرة بالإضافة إلى منحهم شهادات شرفية من طرف إدارة المؤسسة , أما أكبر محفّز ينتظره هؤلاء فيتعلق بالعفو الرئاسي والاستفادة من إجراءات التخفيف والحرية النصفية والجدير بالذكر، أن المؤسسة تهتم بالتكوين ابتداء من المستوى محو الأمية إلى غاية المرحلة الجامعية مرورا بمختلف الأصناف، وحسب مسؤولي المؤسسة فإن هناك نزيل كفيف تحصل على شهادة البكالوريا السنة الماضية تم الإفراج عنه وهو حاليا يزاول دراسته الجامعية . بالإضافة إلى السجين " م , م " صاحب 49 سنة الذي تحصل على شهادة البكالوريا مرتين وراء القضبان , جميع المساجين الذين تحدثنا إليهم أجمعوا بأن الدراسة داخل الزنزانة تختلف إلى حد بعيد عن الدراسة بالمؤسسات التعليمية حيث تتوفر كل الشروط التي تساعد النزيل عن مزاولة دراسته في ظروف جيدة . بعدما قرروا استغلال فراغ السجن في طلب العلم ورفع بذلك تحدي البكالوريا إلى أن تحصلوا عليها . هذا وتصدر المؤسسة مجلة نصف شهرية أطلقت عليها إسم " الضياء " يساهم فيها المساجين والموظفين حيث يتكفل هؤلاء بكتابة مواضيع مختلفة بعد مطالعة الكتب تتكفل لجنة خاصة بإختيار المواضيع التي تعود بالفائدة على المساجين بعد الإطلاع عليها .