كما سبق و أن أعلنت عنه في الجزء الأول من هذا الملف سوف أكرس معظم تدخلي حول الفشل المدرسي و التكوين المهني، لكن قبل هذا إرتأيت أن أعطي صورة على نمو التكوين المهني.... إذن ما هو هذا الفشل الدراسي؟ إذا رسب أحد التلاميذ و لم يتمكن من متابعة دراسته و من التعلم بالمزيد من الصعوبات خلافا للتلاميذ الآخرين من نفس المستوى، إذا بدأ في الإبتعاد عن المجتمع المدرسي وأخذ يسبب مشاكل سلوكية أو علائقية مع غيره ، سيقول الأساتذة عنه هذا ولد فاشل... و نحن كأولياء نقول إنه الفشل المدرسي. كلنا يعلم أنَ للمدرسة مهمتان رئيسيتان في أغلب دول العالم يجب تحقيقهما: 1- مهمة التربية التي تساعد الطفل على أن يصبح مواطنا صالحا. 2- مهمة التعليم التي تسمح للطفل باكتساب المعرفة. علاوة على ذلك، غالبا ما يكون هناك تفاعل بين الوظيفتين الإثنتين، فالطفل الذي فشل بإرادته في اكتساب المعرفة التي تتماشي مع سنه، سيؤدي به ذلك إلى الإحباط و إلى ردود أفعال قد تؤدي به إلى إحداث تصرفات سلوكية منحرفة في المدرسة. نعي كلنا أن العلوم تنمو إلى ما لا نهاية بتراكم المعرفة من لبنات عمل الأجيال المتعاقبة، و في ذات السياق، أليس من الأجدر بنا اليوم أن نتصور ماذا سيكون عليه المجتمع الجلفاوي في 2025، 2035 أو في 2045 مثلا؟ لنفكر في الأجيال القادمة، في الأشخاص الذين سوف يأتون بعدنا...هؤلاء الذين هم أطفال اليوم، هم رجال و نساء المستقبل و سيطرحون الأسئلة، على غرار : * - لماذا الذين من قبلنا لم يمنحوا المزيد من الاهتمام لمستقبلنا ؟ * - لماذا لم يكن الانشغال الرئيسي لأهلنا هو التعليم العالي و البحث العلمي و الحرص على نوعية تعليم و تكوين الإنسان الجلفاوي ؟ فالمشروع الوطني 2010 / 2014 يحتوي على أكثر من 40٪ من موارد المخطط الخماسي في برنامج السيد رئيس الجمهورية. حيث يهدف إلى تحسين التنمية البشرية بما في ذلك ما يقارب من 3150 مدرسة إبتدائية و 1000 إكمالية و 850 ثانوية، و 600 ألف مقعدا بيداغوجيا جامعيا و 400 ألف سرير، وأكثر من 300 مؤسسة تكوين وتعليم مهنيين، ولم تتحصل ولاية الجلفة على مركز واحد ولا على معهد واحد من 300 مركز ومعهد.... ! مع علم جميع السلطات والمنتخبين آنذاك، بالرغم من أنَ ولاية الجلفة في حاجة ماسة لمثل تلك المؤسسات. ربما لا يعرف الجميع أنَ مدينة الجلفة قد عرفت التكوين المهني في 1947 حيث كانت توجد بها ملحقة صغيرة تقع غرب المقبرة الخضراء تابعة لمركز التكوين بالعفرون من ولاية البليدة. و في إطار آخر بنى الآباء البيض المركز الحالي الذي يقع بحي 100 دار في سنة 1958 ، ثم بقى على نفس الحال إلى غاية 1976 ووضع تحت وصاية الوزارة بموجب القرار رقم 50/76 الصادر في 25/03/1976، أما عن بقية المراكز بولايتنا الجلفة فقد كان إفتتاحها كالتالي: الجلفة 2 مركز بن ربيح 1982، مراكز مسعد، عين وسارة، الجلفة عين الشيح بنات 1985 وحاسي بحبح 1986، الشارف 2004...الإدريسية 1997...البيرين 1996...حد السحاري 2004 ...دار الشيوخ 2004...عين الإبل 1993. تجدر الإشارة إلى أنَ ثلاث (03) ملحقات من مجموع أربعة لم يتم ترسميهم من طرف الوزارة الوصية كملحقات. وأنَ الوالي الحالي السيد عبد القادر جلاوي إقترح رفع مستواهم إلى درجة مراكز. على غرار ما يسجله القارئ من فارق بين الولايتين، نجد أنَ الجلفة لها مجموع 13 مؤسسة تكوين و تمهين أما في ولاية باتنة فلها 27 مؤسسة بمعنى (ضعف العدد). إذا قارنا عدد الشبان الذين هم في حاجة إلى تكوين مهني في الولايتين يحتمل عدد الجلفاويين أكثر من الباتنيين. كل من يتساءل عن الأسباب، أجيبه أننا كلنا مسؤولون عن تأخر الولاية في هذ الميدان و في ميادين أخرى. الشئ الذي نشاهده في الكثير من القطاعات الحيوية. لقد كنا دوما في ولايتنا خاضعين لرغبة المصلحة الخاصة و لم نرتق إلى مستوى الاهتمام بالمصالح العامة، و لم نتبصر إلى نقائص التنمية البشرية و غيرها. لم تزرع في حقل ثقافتنا فكرة التطلع و المقارنة بكوننا نجهل التطورات الإجتماعية التي تنجز هنا و هناك. علينا أن نعزز دفاعنا بحجة تواجد عدد هائل من التلاميذ الراغبين في الحصول على شهادات تخرج من مراكز التكوين المهني و من المعاهد. صحيح أنه ليس من السهل أن نتطلع كلنا إلى آفاق لا يوجد في ثقافتنا البديهية رصيدا لها و لا نتدارك أفرادا أو جماعات التصور الأفقي بدون مراجع. كل ما تكسبه الأمهات من ثقافة الرواية الشعبية و تردده لأولادها مرتبط بالماضي.. و كل الحكايات التي تروى قد يكون شطر منها من عهد الجاهلية. للوصول إلى رفع درجة الوعي عند أطفال المدارس و دفعهم لمواصلة الدراسة إلى غاية الحصول على الشهادات العليا. يجب علينا ألا نبقى متفرجين في حفلات التكريم التي تقيمها الإدارة. على كل من باستطاعته أن يفعل شيئا عليه أن يفعل...سواء أكان ولي تلميذ، أو عضو جمعية تربوية أو من أصحاب الضمائر الحية...كما يجب علينا تعزيز مكانة المتفوقين من الناجحين في الإمتحانات للأطوار الثلاث، تكريمهم و الالتفاف حولهم، خاصة إن كانوا من ذوي الإحتياج، و الإعتزاز الصادق و المتواصل نحو أوليائهم و لنجعلهم في مكانة اجتماعية معتبرة هم و الأساتذة الذين درّسوهم و كونوهم، و من جهة أخرى نعتني كذلك بالمدارس باتخاذ بعض الإجراءات، منها ما نحن بحاجة إليه اليوم و المتمثل في تجديد جمعيات أولياء التلاميذ على مستوى الإبتدائي العام المقبل 2016 خلال السنة وقبل 31 ماي... و لنجاح هاته العملية يجب على المعنيين تقديم يد المساعدة لمديري المدارس. و من شروط النجاح ألا يكون رئيس المكتب و الأعضاء من أساتذة المؤسسة... و تجديد كل الجمعيات في التكميلي عام 2017 ثم جمعيات الثانوي في 2018 ... و الجدير ذكره أن 233 مؤسسة لا يوجد لها جمعية إطلاقا و 257 مؤسسة مازال مسجل عليها (مكتب جمعية) لم يجتمع منذ 5 سنوات و كل أعضاء المكتب لا يوجد لهم إبنا واحدا متتلمذا بتلك المدرسة حسبما تشترطه التعليمات و القوانين في هذا المضمار. علينا ألاّ نتهاون و نغض الطرف و بالتالي نترك الفئة التي حرمت من التعليم العام يتلقفها الشارع و ينغمسون في أتون بؤر الإنحراف، و بالتالي نكون قد ضيعنا طاقة جبارة لديهم و لم نحسن استغلالها و توجيهها. كلنا نعلم أن الراسبون أو المستبعدون من المدارس يدخلون في حالة اضطراب سيكولوجي حيث أغلبهم يذوق لأول مرة في حياته طعم مرارة الإخفاق و يعيش حالة عدم الاستقرار و الوهن و الاضطرابات النفسية و هي ظروف راهنة... لذا يلزم علينا، الوقوف جنبهم و الحرص عليهم من أجل أن يكون لهم مراكز و معاهد بعدد معتبر و أساتذة مكونين ذوي اختصاص. المتخلون عن الإكماليات و المغادرون للثانويات يغوصون في متاهات عتمة و هم في انتقال متسارع و اضطراب حاد..هؤلاء التلاميذ المفلسين أصبحوا لا ينتمون إلى شريحة طالبي العلم و المعرفة...و ليسوا جزءا من هذه المؤسسات التي كانت بمثابة بيوتهم بعد منازلهم...كل هذه الأماكن مرتبطة بأفكارهم و تحزنهم و تبقى تراودهم الذكريات التي تنتظرهم في زاوية كل شارع كانوا يعبرونه للوصول إلى مدارسهم التعليمية...بعضهم يعترف بفشله وعدم إهتمامه و إن سألته عن دور ذويه في رعايته و مرافقته و توجيهه يحمّلهم المسؤولية...و آثار الخيبة و الحزن بادية على محياه... أسفنا يبدأ و ينتهي في جملة واحدة...تساؤلاتنا و حيرتنا تنتهى في تخلينا وغيابنا عنهم و نحن المدركين بالانعكاسات السلبية التي ستقع عل رأس هؤلاء المفلسين في تحصيلهم العلمي و المعرفي... و كأننا لا نريد أن نكون من الذين قال فيهم الرسول عليه أفضل و أزكى الصلاة والسلام '' المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا''. إنَ الكثير من الأمهات و الآباء الذين يشعرون بالقلق إزاء هؤلاء المستبعدين و المحرومين من مزاولة التعليم أو التكوين المهني لا يفهمون كيف ينجدون فلذات أكبادهم، نجدهم حائرين على مستقبلهم و لا يعرفون كيف يمدوا لهم يد المواساة، و لا يحسنون مواكبتهم أو توجيههم إلى مراكز التكوين المهني...مثل هذا التحول هو أكثر صعوبة يتلقاها مراهق في حياته التعليمية و هو في غياب كامل عن التصور و التطلع لحياة كريمة...أما بالنسبة لبعضهم، فهم مهددون بالإنزلاق، قد تكون مجرد بداية حيث قد يعيش الطفل كابوسا لفترات مترددة من الحيرة إلى الأمل من الأمل إلى الغضب... بعض الأولياء يتسترون وراء القضاء و القدر عندما يتعلق الأمر بالشأن الدراسي لأولادهم و مدى نجاحهم فيه، فحتى بعد فشل الولد الأول و الثاني يعولون على البقية دون أن يهتموا و يراجعوا أنفسهم...للأسف! الكثير من الآباء لمّا يستيقظوا بعد من غي سباتهم، قبل طرد أطفالهم في بعض الأحيان يبدؤون بالقصف و اللوم و الشتائم...الشيء الذي يولد الإرتباك لديهم و يبعدهم عن التفكير البناء....في تلك اللحظة يصبح الطفل في خطر، من شدة الضغط و قد يهرب الولد من المنزل، أو يعود إليه في وقت متأخر من الليل ربما يسقط و هو في غفلة بأيادي مجرمين و يتعلم التدخين، أو تعاطي المخدرات بسبب هذه التغييرات الرئيسة التي تميز مرحلة المراهقة، سواء من الناحية الفسيولوجية و التعرض النفسي و السلوكي للإجهاد المكثف خاصة خلال هذه الفترة الصعبة... منذ أكثر من 25 عام، تعوّد أغلب مدراء المؤسسات تسيير الدخول المدرسي تحت ضغط حاد من بارونات الغش و الديماغوجيا... و لذا نجد في ثانوية ما مشتلة من المعيدين... لهذه الأسباب لا بد أن تكون مراكز التكوين مستعدة لاستقبال العدد الهائل من المتربصين... لا أتذكر من قال: "أبواب المستقبل تبقى مفتحة للذي يستطيع دفعها..."، أما بعض الأساليب المعرفية فهي تجعل التلاميذ أقل قدرة على اتخاذ القرارات المناسبة عند مواجهة المواقف الصعبة الشيء الذي يربي قنوات الفشل لديهم... و يصبح التلميذ في حالة إجهاد و لا يمكنه معه التركيز...لذا تلزم التدخلات الملائمة في حينها لتحسين إدارة الإجتهاد... حبذا لو انشغل المسؤولون عن قطاع التكوين المهني شيئا ما بأن يعطوا إهتماما للمساحات الخضراء و غرس الأزهار داخل أسوار المراكز الشيء الذي يريح نفوس المتربصين. ماذا لو تقدمنا خطوة كبيرة في صالح الأجيال القادمة ؟ في فائدة أولاد ولاية الجلفة ! في فائدة أولاد لجزائر ! هل يوجد بديل أفضل و أحسن من أن نشجع أطفالنا على مواصلة الجهود و البحث في السبل الشرعية من أجل تطوير تقدمهم في كسب العلم و المعرفة ؟ لا... أنا متأكد من أنه لا يوجد سبيل آخر... فلننظر إلى الشعوب التي تعرف تقدما حضاريا و تعيش في تطور كبير، ما هي الأسباب الجوهرية الكامنة وراء هذا النمو و فائض الإنتاج المادي و المعرفي لديهم؟ لقد تبين للقراء عن الفوارق و عن مقارنة الفرص التي تتاح لأولاد ولاية باتنة و التي تتاح لأولاد ولاية الجلفة...أتخلى عن أي تعليق مباشر. لكن أسجل بمرارة عجز المسؤلين المحليين الذين تقلدوا مناصب و مسؤولية تسيير شؤون ولايتنا منذ 20 أو 30 سنة خلت، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا أستطيع أن أتفهم عجز و فشل النخبة الجلفاوية التي كانت ولازالت تتزعم الحراك الاجتماعي منذ أكثر من ربع قرن. أشير أني لا أدري إن كنت توصلت على الحصول و الإطلاع على كل المعلومات التي لها علاقة بقطاعات التكوين ! العالم يتحول دائما للأفضل، و أشياء كثيرة تتغير، عزم كبير جدا... مستوحى من نشوة شديدة الأبعاد عند النخب... و حماس فياض عند الشعوب. .. هذه الاستمرارية... هي بميادين مختلفة في تغير متجدد للأحسن بفضل المخترعين و المبدعين الذين هم لدى الكثير من الشعوب، يعجب و يحتفى بهم، يحبونهم و يدعمونهم نظير مواهبهم. كشف أحد تقارير الأممالمتحدة لعام 2015 أنه يتم إيداع سنويا ما يقرب من 185 ألف براءة إختراع في العالم، و يكرس 1% من الناتج المحلي الإجمالي للبحث العلمي، ولقد أصبح عدد سكان العالم في 2015 8 مليار إنسان، 6 مليار هواتف نقالة، 4 مليار مشاهد للبرامج التلفزيونية. يلبس أولادنا سراويل جينز des Jeans الذين زُرع قطنهم في أوزبكستان، و يكمل النسيج والغزل في دولة الهند، و تصنع المسامير و الأزرار و التسمية في الصين أو في تايلاند و تكمل الخياطة في بنغلاديش وتباع في الكثير من الدول من بينها الجزائر. و منه أصبح ضروريا ، أيها القارئ المحترم، تطوير وإنجاز معاهد ومراكز تكوين يتحصل فيها الشباب على شهادة و مهنة شريفة..
.../... يتبع (*) رجل أعمال (**) الصور من مراكز و معاهد التكوين المهني بولاية باتنة