رغم النّفي المتكرّر لكل التّسريبات الإسرائيلية لما بات يعرف بصفقة القرن المبهمة ظاهرياً، إلاّ أنّ وقائع الأحداث على الأرض تعطينا مؤشرات عملية واضحة عن الخطوط العريضة لتلك الصفقة، والتي من الواضح أن التسريبات الإسرائيلية التي تلوح بين الفينة والأخرى ليست إلاّ بالونات اختبار تمهيدية لما سيؤول له العمل الحثيث الجاري فعلياً لتنفيذ مسلسل تلك الصفقة على الأرض ضمن خطوات مدروسة بدقة؛ والتي كان إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن أهم حلقاته. والملاحظ أنّ قضايا الحل النّهائي تحسم اليوم عملياً على أرض الواقع، فقضية المستوطنات وحدود الدولة الفلسطينية الأمنية لا السياسية ترسم آخر فصولها جرافات الاستيطان، وذلك بعد أن حدّد جُلّها الجدار العازل، ومن الواضح أنّ صفقة ترامب لن تزيل حجرا من مستوطنة خلف الجدار، علاوة عن تلك التي بداخله، وقضية الحدود الشرقية في غور نهر الأردن ليست بتلك العقبة الصعبة، أما قضية القدس، فمن الواضح أن إسرائيل قد حسمت أمرها عبر إخراج الأحياء ذات الكثافة السكانية من حيّز بلديتها بعد أن أحاطتها بسوار معالي أدوميم من الشرق، وطرد سكان منطقة (E 1) الواقعة شمالها استعدادا لعزل المدينة نهائياً عن الضفة الغربية. وما تبقى من قضية القدس والحرم القدسي تحت الإدارة الهاشمية ضمن الإستاتيسكو القائم، وباعتقادي لن تمانع إسرائيل في أن يشارك الفلسطينيين هذا المقترح فى الإدارة؛ والباب مفتوح لأي دولة أخرى محبة للسلام فى أن تشارك فى الادارة الروحية للمكان تحت السيادة الفعلية السياسية والعسكرية الإسرائيلية على بلدية مدينة القدس الموحدة. إغلاق مكتب منظمة التحرير فى واشنطن، إجراء عملي أمريكي ولعل أهم حلقات مسلسل صفقة القرن والتي تمثلث في إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، فهي إجراء عملي أمريكي صريح بأن الدولة الفلسطينية المقترحة لا تمثل إلا سكان الضفة والقطاع؛ بمعنى أن منظمة التحرير الفلسطينية لن يكون لها أي محل من الاعراب فيما هو قادم طبقاً لرؤية الإدارة الأمريكية، وهي خطوة متقدّمة جداً لمعالجة قضية اللاجئين الفلسطينيّين بعيداً عن صفقة القرن، وهو ما يعنى إخراج قضية اللاجئين من قضايا مفاوضات الحل النهائي بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين؛ وذلك على الأقل في المرحلة الراهنة من التسوية، ومن الواضح أنّها ستحل بعيداً عن إسرائيل ضمن مساهمة إقليمية في حل الصّراع، إضافة إلى ذلك فإنّ مبرّرات الخطوة الأمريكية ترسم خطا أحمرا عريضا على صلاحيات الدولة الفلسطينية المقترحة ضمن سياساتها الخارجية مستقبلاً، والتي ستكون ضمن سقف محدّد. حل الصّراع هو أسلوب جديد ومبتكر إنّ أسلوب الإدارة الأمريكية في حل الصّراع هو أسلوب جديد ومبتكر، فهي تفرض الواقع على الأرض وترى ردّة الفعل على كل المستويات، وهو ما يمكنها من تحديد مستوى الضّغط آنياً ولاحقاً في كل قضية على حدا من قضايا الصراع. والمتابع لأسلوب إدارة ترامب في تعامله مع القيادة السياسية الفلسطينية في أيامها الأولى في البيت الأبيض، وفي قضية بوابات الحرم والاستيطان الذي اشتعلت عطاءاته مع قدوم إدارته؛ فإنّه يدرك حقيقة أنّ الادارة الأمريكية بزعامة ترامب ترسم الخطوط العريضة لصفقة القرن بالأفعال على الأرض؛ وطبقا لردود الأفعال على أحداث مفتعلة في كل قضية من قضايا الحل النهائي للصراع، وهو ما يعني أنّنا سنرى مع الوقت المزيد من تلك الأحداث الاستراتيجية المفتعلة؛ والتي سيحدّد ردة فعل المستوى السياسي والشارع الفلسطيني عليها مدى إمكانية تقبل الطرف الفلسطيني لتنازل أو تمرير الغايات الاستراتيجية لتلك الأحداث لاحقاً. وهو ما يعني أنّ على الكل الفلسطيني وخاصة القيادة الفلسطينية إدراك أن مفاوضات التسوية الحقيقية والعملية تدور الآن على الأرض، وأن ما سيعرض في نهاية المطاف على الورق سيكون خلاصة ما يفرض على الأرض، وأنّنا بردود أفعالنا على ما يجري نحدّد معالم صفقة ترامب، وأنّ ترامب كان صادقاً عندما قال أنّه لن يجبر أي طرف على أي شيء؛ فالرّجل ينتظر ردود الأفعال الفلسطينية مقابل ما تفرضه سياسة الأمر الواقع التي تتّبعها إسرائيل تجاه قضايا الحل النهائي. كيان بحدود أمنية لا سياسية يطلق عليه مسمّى دولة لكن أخطر ما يجرى اليوم في حل الصراع هو التصور الجديد لطبيعة الدولة الفلسطينية وإسرائيل؛ والتي استحوذت بالقوة المسلّحة على أراضي الغير طبقاً لمفاهيم عقائدية توراتية مزعومة ضاربة بعرض الحائط كل قرارات الأممالمتحدة مقابل دولة فلسطينية من الواضح أنها ستكون كيان بحدود أمنية لا سياسية يطلق عليها مسمى دولة، وما يجري لن تكون عواقبه وخيمةً على الفلسطينيّين فحسب بل سيتعداهم ليصل لكل دول العالم الذي سيسمح لهذه المهزلة أن تمر دون ضجيج، فهو بصمته سيخلق سابقة يحتذى بها لحل صراعات إثنية وقومية ومذهبية مستعرة في الاقليم والعالم، وسيفتح الباب واسعا أمام لهيب التطرف الديني في العالم ومنطقة الشرق الأوسط تحديداً التي لعب فيها الدين دوراً أساسياً في حركة تاريخها. المؤكّد أنّ حل الصّراع الفلسطيني الاسرائيلي بهذه الصورة التوراتية لن يمنح إسرائيل الأمن لمدة طويلة، والقارئ لتاريخ الشرق الأوسط يكتشف كم كانت مأساويا نهاية تجارب مماثلة للتّجربة الصّهيونية على هذه الأرض. أستاذ علوم سياسية وعلاقات دولية عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.