يندرج قانون المالية للسنة الجديدة 2018، في إطار الحفاظ على التوازنات الاقتصادية الكبرى من خلال اعتماد آليات للتحكم في الإنفاق العمومي والتخفيف من انعكاسات تراجع إيرادات المحروقات والحرص على بلوغ مستوى جيد في ترشيد الاستعمال الناجع لمداخيل الدولة التي أصبحت موردا ثمينا يستدعي تعاملا حذرا ومتبصرا لا مجال فيه للارتجال أو العفوية، طالما أن المسألة تعني مستقبل الأمن المالي والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للبلاد. بالرغم من شدة الصدمة المالية الخارجية التي تلقي بظلالها، منذ أكثر من ثلاث سنوات، إثر انهيار شديد لأسعار برميل النفط، فقد تم التأكيد من خلال أحكام هذا التشريع المالي الذي يعطي ضمانات للسوق الاستثمارية ويحمي المنظومة الاقتصادية برمّتها على مواصلة مرافقة المؤسسات الإنتاجية الجزائرية التي تنخرط في مسار الاستثمار ضمن خيار البديل الاقتصادي المتنوع والمتجه إلى التصدير، باعتباره المحطة التي يمكن لأي مؤسسة تجيد قراءة المؤشرات أن تحولها لمنطلق إلى العالمية، شريطة التمتع بالإصرار وإتباع المعايير. ولعل القائمة المتعلقة بالمنتجات الممنوعة من الاستيراد المتضمنة لحوالي ألف منتوج، هي المحفز للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة للانتقال إلى وتيرة متقدمة في ملاءمة برامجها الإنتاجية وتكييفها مع المستجدات وامتلاك الجرأة في رفع التحديات ذات الصلة، طالما أن السوق يوفر الطلب المتنامي ومناخ الأعمال يعرف تحسنا مضطردا لا يتوفر في أسواق استثمارية أخرى إقليمية وجهوية. وبقدر ما يتميز به قانون المالية، الذي يراعي في أدبياته كافة المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة وفقا لرؤية استشرافية تتوخى الحذر في تخصيص النفقات مقارنة بحجم الإيرادات التي تراجعت، فإنه باعتماده سعر 50 دولارا لبرميل النفط، يوفر الفرصة الثمينة للنسيج المؤسساتي وعالم المقاولاتية لمواكبة المرحلة على ما فيها من صعوبات، كفاعل اقتصادي منتج للثروة والقيمة المضافة وبالتالي المساهمة الفعلية في الرفع من وتيرة النمو خارج المحروقات. غير أن التطلع لبلوغ درجة متقدمة من النجاعة التي يصبو إليها قانون المالية، المستفيد من اعتماد آليات غير تقليدية تمثلت في الإصدار النقدي لمواجهة أزمة السيولة المحلية وحماية احتياطي الصرف بالعملة الصعبة، والتحسن الطفيف لأسعار النفط التي لا ينبغي الرهان على عودتها إلى سابق عهدها المزدهر قبل جوان 2014، يتطلب تفعيل أدوات المرافقة والمراقبة التي تنطلق من تقديم التوجيه الملائم والتواجد المستمر قرب المشاريع المعنية من خلال خروج البنك إلى الساحة الاستثمارية لتحيين مؤشراته. وينتظر في هذا الإطار، أن تلعب البنوك دورها المحوري في تتبع مسارات التمويلات الاستثمارية حرصا على أن تصب في مشاريع إنتاجية حقيقية ومنع أي استعمال غير ناجع لها وذلك وفقا لمقاربة شاملة يكون فيها عنصر الجدوى الاقتصادية الحلقة القوية في معالجة ملفات تمويل المؤسسات دون تمييز بينها، في ظل إرساء مفهوم الشراكة العمومية والخاصة كجسر لعبور الاقتصاد الجزائري إلى بر الأمان، بفضل بروز متعاملين احترافيين لديهم موارد مالية خاصة تضخ في مشاريع هذا النوع من الشراكة وإدارتها وفقا لمعايير النّجاعة. كما يقتضي تجسيد الأهداف المسطرة من خلال الرهان على الهدوء والتبصر والتوازن بعيدا عن أي هلع رغم ثقل التداعيات الناجمة عن الظرف المالي الصعب، أن يتم العمل بالموازاة على صعيد إعادة صياغة نظام حديث للتحصيل الضريبي لتوسيع الوعاء وتقليص هامش التهرب انطلاقا من قاعدة ضريبة، أقل دفعا، طوعيا أكثر، وجرد دقيق للأملاك العمومية الوطنية والمحلية من اجل تقويمها في السوق خاصة بالنسبة للجماعات المحلية التي تحتاج لموارد جديدة وإضافية ذات مردودية يمكن تحقيقها محليا وبأقل كلفة بالتزام الجدية في ضبط البرامج والشفافية في توظيف تراثها التجاري من عقارات ونشاطات استثمارية مختلفة.