جرى الانتقال إلى السنة الجديدة 2018 بدرجة من الوعي والإدراك من جانب الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين بشأن ثقل التحديات التي تلوح في الأفق على المدى القريب والمتوسط وضرورة صياغة ورقة طريق جريئة تستجيب للتوجهات الوطنية الكبرى بما يعزز القدرات الوطنية في كافة القطاعات لتجاوز تداعيات الصدمة المالية مع الحرص على حماية الاستقرار باعتباره مكسبا وقاسما مشتركا يضمن حقوق الأجيال في التنمية. أول التحديات التي ينبغي التصدي لها تتمثل أساسا في الشق الاقتصادي في مواصلة معالجة هاجس البطالة والتضخم مع السهر على تأمين سلامة احتياطي الصرف بالعملة الصعبة، من خلال الرفع من وتيرة الاستثمار المنتج للثروة والمنسجم مع خيار التوجه إلى أسواق خارجية ناشئة في المنطقة العربية والإفريقية، وفي الشق الاجتماعي بالاستمرار في تنمية مناخ الاستقرار وتكريس الطمأنينة لتعزيز جانب الثقة في السوق الاستثمارية، التي يعرف مناخها العام تحسنا مضطردا من كافة الجوانب التشريعية والتنظيمية وإجراءات مرافقة المشاريع الإنتاجية خاصة خارج المحروقات. تستدعي السنة الجديدة وفقا لجملة المؤشرات القائمة والمتوقعة وبالنظر لحجم التطلعات خاصة الوصول إلى انجاز معدل للنمو ب 4 بالمائة مضاعفة حجم العمل في الورشات ومواقع الإنتاج وترقية الأداء في عالم المؤسسات خاصة وان قانون المالية يخصص مساحة معتبرة من التمويلات لبناء جسر العبور من مرحلة الصدمة إلى مرحلة استعادة التوازنات وتعزيزها من خلال مساهمة فعالة للمؤسسات الجزائرية وكافة المتدخلين في الساحة الاقتصادية الشاملة، التي يعول عليها في إحداث القفزة المنتظرة وفقا لرؤية متكاملة قائمة على الفعالية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية. في هذا الإطار يمكن مثلا امتصاص جانب كبير من الانعكاسات السلبية للرفع من أسعار الوقود التي تقود إلى الرفع من كلفة النقل بتدخل الإدارة القطاعية المعنية لإرساء تشكيلة أسعار مضبوطة بحسب حجم الاستهلاك ومسافة الخدمات بحيث يكون الدفع مناسب في الحد الأدنى على الأقل للخدمة بدل ترك السوق في هذا المجال للارتجال الذي غالبا ما يطلق يد صاحب الخدمة للعبث بالقدرة الشرائية للمواطن. ويتطلب مثل هذا العمل الدقيق إعادة تموين السوق المالية بالقطع النقدية الصغيرة، من اجل التحكم جيدا في ارتفاع الكلفة مع رسم مقاطع لخطوط النقل وإلغاء السعر الموحد الذي يخفي إجحافا في حق القدرة الشرائية بحيث أن أزمة “الصرف”تخدم صاحب التاجر وصاحب مركبة النقل. قصد استيعاب أزمة السيولة خارج إجراءات الحكومة المتخذة في إطار الإصدار النقدي، يمكن للرهان على مسألة الرفع من وتيرة الادخار المحلي أو في أوساط الجالية المقيمة بالخارج، من خلال طرح برامج محفزة وجذابة تثير اهتمام المواطنين، أن يوفر المطلوب لتنمية الاحتياطي الداخلي وتحسين المورد الخارجي. وهنا تتاح للمؤسسات الجزائرية، التي تتطلع للمنافسة وأصبحت أمامها اليوم أكثر من فرصة للبروز في السوق خاصة في ضوء قائمة طويلة لمواد ومنتجات يمنع استيرادها، لتنطلق في مواكبة التحولات من خلال وضع الموارد وانخراط الجهاز الإنتاجي في الديناميكية الجديدة. لعل إطلاق مسار الشراكة بين المؤسسات العمومية ونظيرتها الخاصة وحتى تلك المشكلة برأسمال يشمل مستثمرين أجانب أفضل ما يمكن أن تقدمه السوق الاستثمارية الجزائرية بعيدا عن أي قراءات ضيقة كما يروج له البعض من خوصصة جزئية أو كلية أو تحايل على التراث الاقتصادي العمومي الذي لا يزال يشكل قاطرة للنمو ويحتاج إلى أن تتظافر معه جهود القطاع الخاص الاحترافي القائم على إنتاج الثروة والابتكارات والجرأة في مواجهة وطنية للمنافسة الخارجية. لا يمكن أن ينخرط في مثل هكذا خيار استراتيجي إلا من لديهم قناعة راسخة بأن المعركة تخاض مع منافسين شرسين من مختلف جهات العالم ولذلك أصبح حتما أن تتكاتف المؤسسات الجزائرية حول مبادرة بناء اقتصاد وطني متنوع وتكامل يجد فيه الجميع موقعا مميزا، ومن ثمة فإن انهيار طرف يقود إلى انهيار شريكه الأخر أمام منافس قادم من وراء البحر وعينه على العام والخاص من خلال الهيمنة على السوق.