ظاهرة الغش أو الخداع انتشرت في هذا الزمان بطريقة ملفتة للانتباه، وهي في الزيادة حيث تساهل كثير من الناس معها سواء كان في التجارة أو الزواج أو الامتحان، وكل جوانب الحياة ومردّ ذلك إلى ضعف الإيمان والبعد عن منهج الله تعالى. إنّ الإسلام يبيّن الموقف من الغش، وذمّه الله تعالى في القرآن وذمّ أهله وتوعّدهم بالويل والثبور والعذاب الأليم، أما في القرآن وهو يتحدّث على نوع من الغشاشين وهم المطفّفون في الميزان قال عزّ وجل: {ويل للمطفّفين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون}،سورة المطفّفين. وأمّا في السنّة فلقد حذّر منه النبي صلى الله عليه وسلم وتوعّد فاعله حيثما مرّ على صُبْرَةِ طعام فأدخل فيه يده فنالت أصابعه بللا فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ فقال أصابته السماء يا رسول الله فقال «أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غش فليس منا» رواه مسلم. والغش في اللغة مأخوذ من الغشش أي المشوب بكدر. قال المنوى في تعريفه اصطلاحا: الغش هو ما يخلط من الرديئ بالجيد. وهو أمر «مشين» ينم على النفس الخبيثة التي اتخذت من الشيطان وذريته وليا من دون الله فهو يزين لهم الخبائث يحللها لهم ويشيّن لهم الطيّبات ويحرمها عليهم. والغش الذي يقع فيه الناس ويحترفونه أنواع كثيرة منها: 1 الغش في البيع والشراء: وهذا النوع من الغش كثير ويكون بمحاولة إخفاء العيب في السلعة، ويكون في ذاتية البضاعة أما شكلا أو كمية أو عددا أو وزنا أو كيلا. فمثلا تجد بائع الفاكهة والخضروات يجعل الجيد من الفوق أما الردئ فيجعله تحت الخضر أو الفاكهة فإذا طلب المشتري البضاعة فإنّ البائع يعمد إلى إعطائه من البضاعة الرديئة وهو بذلك غشّ هذا المشتري وتحايل عليه وأكل ماله بالباطل. ونفس الشيئ لبائع السيارات فإنه يغش المشتري ويتحايل عليه فمثلا يعمد إلى تغيير عدّاد السيارة، حتى تظهر للمشتري أنها لم تسر كثيرا يشتريها المسكين وما هي إلا أياما معدودة حتى تعطل السيارة بسبب هذا الغشاش. 2 الغش في الزواج: وهذا أخطر، لاسيما أنّه يتعلّق بمقصد عظيم من مقاصد الشريعة الإسلامية وهو حفظ النسل من العيوب والتحايل والتلاعب ووجوب الصفاء والنقاء في إقامة هذه العلاقة المقدسة، فإذا دخل فيها الغش والتحايل فسدت وأدّت إلى خراب البيوت، ولذلك فإنه لا يجوز فيها التلاعب بأي شكل من الأشكال، وحين يعمد بعض الأولياء إلى استعمال الغش في الزواج، معنى ذلك أن الوازع الديني اختفى وانعدم، وأعلن هؤلاء الحرب على الله ورسوله، فمثلا يتعمّد بعض الأولياء إلى تبديل الزوجة التي خطبها صاحبها بزوجة أخرى أكبر منها أو أقل منها جمالا، ويحدث هذا في ليلة الزواج فيجد المرء عندها مضطرا قبول هذه المرأة على مضض مما يترتب على ذلك مفاسد عظيمة تختفي فيها أهداف الزواج المتمثلة في الحب والمودة والسكينة، وكل هذا بسبب هذا الغش الذي امتهنه الناس، وأسّسوا عليه حياتهم. 3 الغش في الامتحانات: وهو نوع من الغش الذي أخذ بعدا خطيرا لأنه يتعلّق بمستقبل البلاد والعباد وحين يغشّ الطالب وينتقل بالغش، فإنّه سبّب الضرر الكبير لنفسه ولأمته، فسيكون رجلا غير مناسب في المنصب الذي هو فيه، وهذا الغش يعد حراما شديد الحرمه. فلا يجوز للطلبة الغش لأنهم سيواجهون الحياة العملية بصعوبة وقد يهلكون غيرهم، وبالتالي سينالون الإثم العظيم في الدنيا والآخرة، بل يجد نفسه في الحرج الشديد قد يؤدي به ذلك إلى العزلة والاكتئات، فالغش في هذا الباب يجب الابتعاد عنه والاعتماد على القدرات العقلية للإنسان وتوظيفها وتحصيل العلم النافع الذي يكون سببا في اللقمة الحلال. 4 الغش في الرعية: وهو يتعلّق بالحكم وولاية الناس وهو أمر خطير، حيث توعّد الله ورسوله الغاش لرعيته بالحرمان من الجنة. فعن معقل بن يسار المزني رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من عبد يسترعيه الله رعية فيموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرّم الله عليه الجنة»، رواه البخاري. فالموظف عليه أن يخلص في عمله ولا يغش فيه وكل إنسان له ولاية صغيرة أو كبيرة على أحد فيجب عليه أن يكون صافيا في التعامل معها ولا يخون ولا يتحايل ولا يغش بل عليه أن يخلص في عمله ويتقنه اتقانا. إن الغش أمر فظيع وعاقبته وخيمة فهو يوصل صاحبه إلى النار، كما أنه يحرمه من إجابة الدعاء والبركة في المال والعمر والولد وهو دليل على نقصان الإيمان أو انعدامه، فعلينا بالصفاء وتجنب الغش والخداع حتى نحصل على سكينة حياتنا ومرضاة ربّنا.