حزب جبهة التحرير الوطني يثمن القرارات الأخيرة لرئيس الجمهورية خلال مجلس الوزراء    ارتفعت بنسبة 10 بالمائة.. 20 مليار دينار قيمة ميزانية البحث العلمي في 2025    الجزائر تستمر في رئاسة الاتحاد البرلماني العربي وتحتضن مؤتمره القادم    المغرب : مغاربة يحتجون أمام البرلمان ضد التطبيع    بلمهدي يشرف على اختتام اللقاء الوطني الثاني للتعليم القرآني عن بعد    نقابات الصحة : "رئيس الجمهورية وفى بتعهداته تجاه ممارسي الصحة"    ميلة.. تلقيح أزيد من 55 ألف رأس بقر ضد مرض الجلد العقدي المعدي    أثر ايجابي مرتقب على الوضعيتين المهنية والاجتماعية..وزارة التربية تشكر الرئيس تبون على اهتمامه بالقطاع    معسكر : انطلاق حملة وطنية لإصلاح تسربات مائية بقنوات توزيع الماء الشروب    ترقية المحتوى المحلي: غريب يدعو الى توسيع الشراكات بين قطاعي الصناعة والطاقة    زيتوني يزور معرض الانتاج الجزائري ويكشف عن اجراءات خاصة لتغطية الطلب أثناء رمضان    العدوان الصهيوني على غزة: أصبح من المستحيل تقريبا توصيل المساعدات الإنسانية إلى القطاع    البطولة العربية 2024 لدراجات المضمار : مشاركة 8 دول في موعد القاهرة من بينها الجزائر    يقتلونا بل ونحيا.. لا يموت الشهداء    تسجيل 30 براءة اختراع و40 مشروع بحث وتطوير    شبيبة القبائل تعزز صدارتها والقمة دون فائز    هذا موعد السوبر    تامادرتازة رئيساً لاتحادية الكرة الطائرة    إطلاق بطاقة بيبنكية للدفع المؤجّل    حجز كمية من الأسلحة بعين أمناس    الحماية المدنية تدعو إلى الحذر    المجلس الشعبي الوطني: المصادقة على مشروع القانون المتعلق بحماية الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة وترقيتهم    يوم دراسي للتحسيس بمخاطر المخدّرات    سلطة ضبط السمعي البصري تنبّه قناة الحياة    ربيقة يجدّد عرفان الجزائر    غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا الى 45317 شهيدا و 107713 جريحا    الوادي : مشاركة 30 فرقة صوتية في المهرجان الوطني للأنشودة المدرسية    انطلاق دورة تكوينية لفائدة الإعلاميين حول دعم الصحافة الاستقصائية    عطاف يتلقى مكالمة هاتفية من نظيره المصري    وفاة الكاتب والقاص والمترجم بوداود عمير    قسنطينة: افتتاح الطبعة العشرين للمهرجان الوطني لمسرح الطفل الأربعاء المقبل    الدورة الوطنية المفتوحة للشطرنج : تيبازة تستضيف المنافسة من 26 إلى 28 ديسمبر    هل الشعر ديوان العرب..؟!    العملة الصعبة في السوق السوداء تشهد انهيارا    وحدة جديدة لإنتاج مليون لتر حليب يوميا قبل رمضان    رسالة تحذير من الخارجية الليبية لنظيرتها المغربية    أقطاب لإنتاج اللوازم المدرسية لبلوغ الاكتفاء الذاتي    دراسة وضعية مواقع الرسو والصيد بسيدي سالم وعين بربر    "الفاف" توقف الحكم بوكواسة وتفتح تحقيقا    عمورة: سعيد مع فولفسبورغ وأتطلع لتقديم الأفضل    بن ناصر يشرع في التدريبات الجماعية مع ميلان    الفساد يصل إلى مستويات خطيرة ويهدد استقرار البلاد    حجز 319 قرص مهلوس    دورات تكوينية في الإسعافات الأولية لفائدة ذوي الهمم    محمود الأطرش.. مناضل من طينة الكبار    تلمسان عاصمة موسيقى الحوزي    مرآة جيل ممزَّق بين الأحلام والواقع    "صرخة الأسود".. تحية لأصدقاء الثورة الجزائرية    ظاهرة الغش والاحتيال تنتشر بين التجّار    توقيف سارقي وحدتي تكييف هوائي    77 ألف جرعة لتدارك تلقيح التلاميذ    مجلس الوزراء: المصادقة على القانون الأساسي لقطاع الصحة لفائدة السلك الطبي وشبه الطبي    دعاء : أدعية للهداية من القرآن والسنة    حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في الإسلام    تدفق كبير على الوكالات لحجز رحلات العمرة    روائع قصص الصحابة في حسن الخاتمة    إعداد ورقة طريق للتعاون والشراكة بين قطاعي الإنتاج الصيدلاني والتعليم العالي والبحث العلمي    فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا تكن غشاشا
في رحاب رمضان
نشر في الجمهورية يوم 07 - 06 - 2017

الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله و على آله و صحبه و من ولاه أما بعد:
هناك صفة ذميمة، وفعلة شنيعة، وظاهرة قبيحة لم يكد يسلم منها أحد - إلا من رحم ربي- إنها ظاهرة الغش،
و هي ظاهرة منتشرة في كل المناحي و في كل الأوقات لكنها تنتشرا بكثرة في رمضان، فمن التجار من يغش لأجل زيادة الربح، و من الموظفين من يغش باسم الصيام و التعب وهكذا ، ولكل غشاش سبب يعلق عليه صفة الغش حتى لا يظهر عواره أمام الآخرين.
الغش الظاهرة التي جاءت الأحاديث الصريحة الصحيحة بذمها، والتحذير منها؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ومن غشنا فليس منا). وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ على صبرة طعام فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللاً، فقال:(ما هذا يا صاحب الطعام؟) قال: أصابته السماء يا رسول الله.قال:(أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غش فليس مني). وضابط الغش- ما قاله ابن حجر الهيثمي رحمه الله: "الغش المحرم أن يعلم ذو السلعة من نحو بائع أو مشتر فيها شيئاً لو اطلع عليه مريد أخذها ما أخذ بذلك المقابل" أي أن صاحب السلع يكتم عيوب السلعة أو يعمد إلى إخفاءها حتى لا يراها المشتري فتنقص قيمتها وينخفض ثمنها. إن للغش صور مختلفة، وأشكال متنوعة، يعسر علينا في هذا المقال حصرها، فالغش يكون في أبواب كثيرة، بل إنَّ الدين كله يقوم على النصيحة، فمن غش في دينه فليس بناصح، بل هو غاش؛ عن أبي رقية تميم الداري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الدين النصيحة) قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: (لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم) ولكل غاش طريقته ووسيلته في الغش والخديعة، ولكننا رأينا أن نشير إلى بعض صور الغش، فمن صور الغش المتعددة؛ الغش في البيوع وغيرها من المعاملات، وما أكثر هذه الصور في زماننا! سئل ابن حجر الهيثمي رحمه الله سؤالاً مطولاً ذكر فيه السائل بعضاً من صور الغش في البيوع، فكان مما أجاب به ابن حجر أن قال: "وَلَعَمْرِي إنَّهُ حَقِيقٌ أَنْ يُفْرَدَ بِالتَّأْلِيفِ لِسَعَةِ أَحْكَامِهِ، وَكَثْرَةِ صُوَرِهِ، وَاحْتِيَاجِ النَّاسِ, بَلْ اضْطِرَارُهُمْ إلَى بَسْطِ الْكَلَامِ عَلَى كُلِّ صُورَةٍ مِنْ تِلْكَ الصُّوَرِ، وَغَيْرِهَا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ، وَهُوَ كَثِيرٌ جِدًّا لِغَلَبَةِ الْغِشِّ وَالْخِيَانَةِ عَلَى الْبَاعَةِ حَتَّى لَا يَسْلَمَ مِنْهُمَا إلَّا النَّادِرُ الَّذِي حَفِظَهُ اللَّهُ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ, وَلَوْ كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ لَأَفْرَدْت ذَلِكَ بِتَأْلِيفٍ، مُسْتَوْعِبٍ جَامِعٍ لَكِنِّي أُشِيرُ -إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى- إلَى مَا يَنْفَعُ الْمُوَفَّقَ, وَيُحَذِّرُ الْعَاصِيَ,وَمَنْ لَمْ يُرِدْ اللَّهُ هِدَايَتَهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ"..
والأحاديث في التحذير من الغش كثيرة جداً.. فمن تأملها ووفقه الله لفهمها والعمل بها نجا من الغش،وعلم عظيم قبحه وخطره، وأن الله لا بد أن يمحق ما يحصله الغاشون بغشهم. فمن تأمل تلك الأحاديث علم أن كل من عرف بسلعته عيباً وجب عليه وجوباً متأكداً بيانه للمشتري،وكذلك لو علم العيب غير البائع كجاره وصاحبه، ورأى إنساناً يريد أن يشتري ولا يعرف ذلك العيب وجب عليه أن يبينه له. وكثير من الناس لا يهتدون لذلك أو لا يعملون، يمر الشخص منهم فيرى رجلاً غريباً يريد شراء شيء فيه عيب وهو لا يدري فيسكت عن نصحه؛ حتى يغشه البائع ويأخذ ماله بالباطل، وما درى الساكت على ذلك أنه شريك البائع في الإثم والكبيرة والفسق، المترتب عليه ذلك الوعيد الشديد، فالغاش الذي لم يبين العيب للمشتري لا يزال في مقت الله، أو لا تزال الملائكة تلعنه ،والغش في البيع كبيرة من كبائر الذنوب؛ كما عده الحافظ ابن حجر رحمه الله حيث قال: "عدّ هذه كبيرة هو ظاهر ما في هذه الأحاديث من نفي الإسلام عنه،مع كونه لم يزل في مقت الله أو كون الملائكة تلعنه". ومن صور الغش؛ الغش في الزواج؛ فعلى سبيل المثال أنَّ بعض الآباء قد يخفي مرضاً أو عيباً في ابنته ولا يبينه للخاطب ليكون على بينة، فإذا دخل بها اكتشف ما فيها من مرض أو عيب. أليس هذا غشاً يترتب عليه مفاسد عظيمة في حق الزوج والزوجة؟!. وبعض الأولياء يعمد إلى تزويج موليته دون بذل جهد في معرفة حال الخاطب وتمسكه بدينه وخلقه.. وفي هذا غش للزوجة وظلم لها. ومن صور الغش أيضا: الغش في النصيحة، وذلك بعدم الإخلاص فيها، والقصد من بذلها أغراض دنيوية، ومن حق الأخُوّة بين المؤمنين أن يتفانى الأخ في نصح أخيه ويمحص له ذلك، فالمؤمنون نَصحة والمنافقون غششة. والمؤمن مرآة أخيه إذا رأى فيه عيباً أصلحه.والنصيحة تكون بكف الأذى عن المسلمين، وتعليمهم ما يجهلونه من دينهم، وإعانتهم عليه بالقول والفعل، وستر عوراتهم، وسد خلاتهم، ودفع المضار عنهم، بجلب النافع لهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، برفق وإخلاص، والشفقة عليهم، وتوقير كبريهم، ورحمة صغيرهم، وتخوُّلهم بالموعظة الحسنة، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه من الخير،ويكره لهم ما يكره لنفسه من المكروه.والغش في النصيحة من كبائر الذنوب الباطنة. ومن صور الغش؛الغش للرعية؛ فعن معقل بن يسار المزني رضي الله عنه أنه قال في مرضه الذي مات فيه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته إلا حرّم الله عليه الجنة) وفي لفظ للبخاري:(ما من مسلم يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصحه لم يجد رائحة الجنة) فهذا وعيد شديد يدخل فيه كل من استرعاه الله رعيّة سواءً كانت صغيرة أم كبيرة، ابتداءً من أفراد الأسرة إلى الحاكم، فيجب على الكل النصح لرعيته وعدم غشهم. فالموظف يجب عليه أن ينصح في وظيفته، وأن يؤديها على الوجه المطلوب شرعاً دون غش ولا خداع، ودون تأخير لأعمال الناس ومصالحهم، وليعلم أنه موقوف بين يدي الله عز وجل.فما ولاه الله عز وجل هذه الوظيفة إلا ليديم النصح للمسلمين. وكذلك الأب يجب عليه أن ينصح أولاده، وألا يفرط في تربيتهم بل يبذل كل ما يستطيع ليقي نفسه وأولاده من نارٍ وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد، قال ابن القيم رحمه الله: "وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه، وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده وفوَّت عليه حظه في الدنيا والآخرة،وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد - رأيت عامته من قبل الآباء". وقد عد الحافظ الذهبي الغش للرعية كبيرة من كبائر الذنوب، مستدلاً على ذلك بآيات عديدة، وأحاديث صحيحة صريحة.
هذا بعض مظاهر الغش، وهي غيض من فيض، وقطرة من بحر، ليحيا من حيي على بيّنة ويهلك من هلك على بيّنة.والغش - له مضار عديدة، وأخطار جسيمة؛ فمن مضاره: أنه طريق موصل إلى النار- والعياذ بالله-، وهو دليل على دناءة النفس وخبثها، وسبب من أسباب البعد عن الله وعن الناس. وهو طريق لحرمان إجابة الدعاء، وحرمان البركة في المال والعمر،وهو دليل على نقص الإيمان. ومن مضاره أنه يورث سخط الناس ومقتهم، قال ابن حجر رحمه الله:«وكثرة ذلك - أي الغش- تدل على فساد الزمان، وقرب الساعة، وفساد الأموال والمعاملات، ونزع البركات من المتاجر والمبيعات...بل ومن الأراضي المزروعات..وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم: (ليست السنة بأن لا تمطروا ولكن السنة أن تمطروا وتمطروا ولا تنبت الأرض شيئا).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.