مباشرةً بعد تفجيرات سبتمبر 2001، أقرت الإدارة الأمريكية بأنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال إقصاء باكستان من أن يكون لها دور في أي حرب قد تشنّها لاستئصال حركة طالبان ومن ورائها تنظيم القاعدة.. ولم تخيّب اسلام أباد آمال بوش، فبِقليل من المغريات المالية التي يستأثر بها الحكام ولا تصل أبدا الشعب الباكستاني الذي يبقى واحدا من أفقر الشعوب في العالم، سارعت إلى تقديم المطلوب وحتى أكثر على طبق من ذهب لدعم ما سمّته أمريكا بالحرب العالمية ضد الإرهاب. ودون تردّد، ارتمت باكستان في الحضن الأمريكي وفتحت أراضيها للقوات التي ستشنّ الحرب على طالبان أفغانستان التي كانت إسلام أباد واحدة من ثلاث دول تعترف بنظامها في العالم، ولم ينحصر التحالف العسكري الباكستاني الأمريكي في الحرب التي أعلنتها إدارة بوش في أفغانستان، بل امتد الى قبول إسلام أباد شنَّ حرب بالوكالة فوق أراضيها ضد جزء من أبنائها الذين يطلق عليهم إسم طالبان باكستان والذين يتَّخذون من منطقة القبائل المتاخمة للحدود مع أفغانستان قواعد لهم، ولم تدْرِ باكستان بأنّها بمثل هذا الفعل الذي يعتبره شعبها شنيعا ومحظورا ومحرما قد فتحت أبواب جهنّم على البلاد والعباد، والنتيجة هي هذه التفجيرات التي تهزّ الشوارع والمباني وحتى المساجد وتحصد أرواح الأبرياء الذين يسقطون في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل. قد تكون قيادة باكتسان بقبولها لعب دور الحليف الإستراتيجي في الحرب الأمريكية ضد أفغانستان ثم قبولها محاربة طالبان باكستان بنفسها والسكوت على الغارات التي يشنُّها الطيران الأمريكي في منطقة القبائل وتحصد أرواح مئات المدنيين الأبرياء قد حصلت على بعض المكاسب الاقتصادية، حيث رفعت إدارة بوش العقوبات التي كانت تفرضها عليها، إثر إجرائها للتجارب النووية عام 1998. ورفع أوباما لاحقا قيمة المساعدات الإقتصادية الموجهة لها الى خمسة مليار دولار سنويا لمدة خمسة أعوام، لكن في المقابل خسرت الكثير، إذ انقلب السّحر على السّاحر، وكان لعبها لهذا الدور بمثابة اللعب بالنار، إذ عززت طالبان باكستان قوَّتها تماما مثلما تعززت قوة طالبان أفغانستان ومثلما أصبح الإحتلال الأمريكي يعيش المأزق الحقيقي في أفغانستان ويبحث عن القشة التي تخرجه إلى برّ الأمان حتى وإن كانت طالبان نفسها التي يحثُّ قرضاي على مفاوضتِهَا، فإنَّ باكتسان تأكل الحصْرُم بعد أن اشتعلت النيران بداخلها وبعد أن وجدت نفسها بين سندان الضغوط الأمريكية وضربات الإرهاب من جهة، وبين مطرقة السخط الشعبي الذي يحمِّل قيادته مسؤولية ما تعيشه البلاد من تصعيد للعنف الذي يدفع ثمنه الأبرياء. إنّ الرضوخ المجاني والأعمى للإدارة الأمريكية ومشاركتها في حرب دون شرعية ولا مصداقية، بل والتحول إلى سيف بيدها لضرب أبنائها كان سيقود حتما إلى هذه النتيجة.. تأجيج للسخط الشعبي وتصعيد للعنف وتفجيرات وقتلى ودمار، لتصبح باكستان غارقة في دماء أبنائها تسيير على ألغام من التهديدات صنعتها سياسة الإنبطاح والرضوخ المجاني لأمريكا على حساب شعبها.. ولابأس أن نسجِّل في الأخير بأن كل دولة تكون في أمن وأمان وتأتي أمريكا لتدَّعي بأن القاعدة نائمة بها، حتى تتحول هذه الدولة الى مذابح ومسالخ بشرية بيد الإرهاب، ومثل باكستان نخشى أن يدخل اليمن الشقيق في مثل هذا الجحيم الذي لايعلم بشاعته إلا من مرّ به.