أعادت الاحتجاجات الأخيرة التي اندلعت على خلفية الارتفاع الجنوني لأسعار عدد من المواد الغذائية الأساسية تسليط الأضواء على دور القطاع الخاص في منظومة التنمية الاقتصادية والبشرية ومدى التزامه بصفة الشريك للقطاع العام ضمن دواليب الديناميكية الاقتصادية الإستراتيجية للدولة التي ترتبط بشكل وثيق بمستقبل أجيال بكاملها. اليوم وبعد أن ساد التعقل وخيم الهدوء بفضل التدخل الحاسم للسلطات العمومية لإعادة ترتيب أوضاع السوق بضبط آليات الأسعار وفقا لمقتضيات المؤشرات المحلية والعالمية أخذا في الاعتبار مستوى القدرة الشرائية فان النقاش ينبغي أن يتجه أيضا إلى معالجة موقع الرأسمال الوطني الخاص على الساحة خاصة بالنسبة للمتعاملين الذين ينشطون في الصناعات الغذائية وكل الحلقات التجارية التي تتبعه من حيث مدى الالتزام بالأهداف الإستراتيجية للنهوض بالمجموعة الوطنية. وفي هذا الصدد فانه خارج وقائع الأحداث المادية التي عكست عنفا ناتجا في الأصل عن تصادم وتضارب مصالح أطراف معادلة السوق الغذائية فان النتائج التي تمخضت ولا تشرف أي طرف بعد أن حاول البعض الاستثمار فيها حزبيا وسياسويا من الضروري أن يعيد القطاع الخاص الوطني توضيح موقعه وطبيعته إن كان طرفا مواطنيا أو مجرد متعامل انتهازي يتعاطى مع السوق بمفهوم مجرد للربح والخسارة بل الربح والربح فقط علما أن السوق إذا ما دخلت في فوضى وشملها اللاوضوح وتوسعت فيها المضاربة والاحتكار وغابت أخلاقيات المهنة الصناعية والتجارية انقلبت إلى مصدر خطر يهدد الجميع وهو ما لا يرغب فيه أحد طالما أن الاستقرار يعد قاسما مشتركا ومكسبا ثمينا لكافة الأطراف باعتبار أن كل حلقة ترتبط بالأخرى فلا يمكن للصناعي أن يستمر بدون تاجر جملة مهني ولا هذا أن يشتغل بدون باقي الحلقات وأساسها الزبون الذي يلعب دورا محوري في الديناميكية التجارية والاقتصادية. بلا شك أن الرأسمال الوطني النظيف الذي يجسد ما يعرف بالبرجوازية المحلية مؤسس على مدى مسار طويل لأجيال من العمل والإنتاج بالارتباط المباشر بالسوق الوطنية والأخذ في الاعتبار حقيقة القدرة الشرائية من منطلق التعامل مع المستهلكين بصفتهم شركاء مما يفرض دوما مراعاة معايير السعر والجودة والوفرة والانخراط في البرامج التنموية الوطنية ومن ثمة ليس هو بأي حال من الأحوال ذلك الرأسمال المؤسس من المضاربة والفساد والاحتكار يتغذى من أزمات الندرة والتحايل والغش والتهرب الضريبي. إن مثل هذا الرأسمال القذر هو من لا يقبل احترام قواعد معادلة الإنصاف والعدالة في تركيبة آليات السوق ومن ثمة لا يعير أي عناية لقيم وقواعد تصنف بمثابة أخلاقيات التعامل الصناعي والتجاري وبالتالي العبث بهوامش الربح والتهرب من كل آليات الشفافية من فوترة وتصريح جبائي سليم والخشية من دخول البورصة وقد تكون مثل هذه التطورات بكل ما حملته من مآسي منعرجا لتكفل الرأسمال الوطني الخاص بالإجابة عن سؤال إن كان شريكا في التنمية بكل مقتضياتها أم هو مجرد قناص فرص لجمع الثروة الفاحشة ومن ثمة هل تكون لديه الشجاعة لتطهير صفوفه من قراصنة اقتصاد السوق؟.