تعهدت مجموعة الثماني في قمتها الأخيرة بفرنسا بدعم ما أسمته التحول العربي إلى الديمقراطيات، وهذا في ضوء توسع دائرة الثورات الشعبية التي شهدتها المنطقة العربية، وأدت لحد الأن إلى الإطاحة برئيس تونس ومصر. وضمن هذا السياق ستقدم مساعدات في شكل قروض بقيمة 20 مليار دولار للدول العربية الساعية إلى التحول للديمقراطية ولتذليل المشاكل الاقتصادية التي تشهدها بفعل الاحتجاجات العامة وتوقف النشاط الاقتصادي والتجاري ولاسيما في مجال السياحة والخدمات.لقد أوضح تقرير صندوق النقد الدولي المقدم لقمة الثماني يوم 26 ماي الماضي ان احتياجات التمويل الخارجي للدول المستوردة للنفط في المنطقة العربية تتجاوز 160 مليار دولار خلال السنوات الثلاث القادمة. كما أن ضمان الاستقرار الاجتماعي والسياسي في المنطقة العربية يتطلب ايجاد مابين 50 و75 مليون فرصة عمل في العقد المقبل. وبما يضمن تقليص حجم البطالة العربية المستمرة حاليا بالتصاعد بشكل خطير ولهذا يؤكد خبراء الصندوق على تحول اقتصادي حقيقي بالمنطقة، يتطلب في الأساس زيادة كبيرة في النمو الاقتصادي العربي، بالاعتماد اساسا علي دعم القطاع الخاص، وهو مايستدعي التحول جذريا في النماذج الاقتصادية المتبعة حاليا. والواقع ان المساعدات الاقتصادية والمالية المقترحة للديمقراطيات الناشئة هي دون المستوى المطلوب، ولاتقارن بالمساعدات التي قدمتها الولاياتالمتحدة الى الاوربيين قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية، التي بلغت 120 مليار دولار باسعار اليوم. كما ان تجربة الشعوب العربية تؤكد ان حجم المساعدات والقروض ليس في قيمتها بل في فعاليتها حيث كانت الدول الغربية على علم بتحويلها من قبل الحكام والانظمة العربية لفائدتها الخاصة. لقد كشف انتصار ثورة الشباب في في تونس ومصر ابعاد الاستقطاب المالي والاقتصادي الخطير لصالح العائلات الحاكمة سواء بن علي وزوجته ليلى الطرابلسي في تونس او مبارك في مصر والعائلات الدائرة في فلكهما المقدرة بعشرات الملايير من الدولارات التي اصبحت رهينة اليوم في البنوك الغربية، رغم الضائقة التي تعيشها تونس ومصر بفعل الانتكاسات الاقتصادية والتي كانت أحد الأسباب الرئيسية لثورات الشباب بالبلدين، زاد من حدتها الوضع الاجتماعي المتردي الناجم عن احتجاجات ثورة الشباب وتراجع الوضع الاقتصادي بسبب تعنت بن علي ومبارك للبقاء في السلطة. ولاننكر هنا تحرك الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي ومعهما البنك الدولي بتقديم وعود بمساعدات عاجلة، إذ تعهد الرئيس باراك أوباما بتقديم ملياري دولار لمصر، بينما اعلن الاتحاد الاوربي عن تقديم 7،1 مليار دولار اضافية في ميزانيته لدور الجوار، وغالبا ماتذهب ثلثا هذه الميزانية الى دول شمال افريقيا والشرق الاوسط. ومن جهته اعلن البنك الدولي عن تخصيصه لحزمة من 6 ملايير دولار ضمن السياق ذاته. والواقع ان هذه الاعتمادات تأتي ضمن توجه أمريكي أوروبي جديد، يستفيد من تجارب السنوات الماضية. حيث يقر المسؤولون الغربيون بانهم اخطأوا عندما فضلوا الاستقرار او بالأحرى التغاضي عن ممارسات الديكتاتوريات العربية على حساب الإصلاحات الديمقراطية والاقتصادية. زيادة على فشلهم في بناء سياسة مساءلة سلمية، وبالتالي فان مساعداتهم اليوم ستوجه لمكافأة الإصلاحات ومعاقبة التراجع وتقديم هذه المساعدات لتناسب كل بلد على حدة، ويأمل اوباما والقادة الغربيين اعادة قصة نجاح بناء دول اوروبا الشرقية، غير انهم يتخوفون من استمرار العقبات البيروقراطية المزمنة وتصويت التونسيين والمصريين في المواعيد الانتخابية الغربية لصالح المتطرفين الإسلاميين..! ومن دون شك فان البلدان العربية تعيش اليوم في عالم عبارة عن قرية واحدة، ولايمكنها ضمان الاستقرار بهذه الشروط الغربية، التي هي في الحقيقة محاولة للالتفاف على الثورات العربية الراهنة بتقديم مساعدات مشروطة ومثقلة بخدمات الديون التي كانت أحد اسباب الانتكاسات الاقتصادية العربية، ولهذا فان مساعدة ومكافأة الديمقراطيات الناجحة تتطلب تخليصها من ديونها وفتح شراكة اقتصادية حقيقية، تعتمد على تنمية فرص الاستثمار بها، وبما يتيح التخفيف من حدة آفة البطالة. والا فان موجات الهجرة ستتوسع من الجنوب في اتجاه دول الشمال، التي ترفض بحكم وضعها الاقتصادي في ظل الازمة العالمية الراهنة استقبال المزيد من موجات الهجرة، التي لايمكن لدول الشمال مهما اوتيت من قوة ان تمنعها. فنمو واستقرار الدول العربية الطبيعي افضل وسيلة لانتعاش واستقرار الغرب، الذي يجب عليه ان يتخلى عن انانيته. ويعيد صياغة سياساته بما يحقق المصلحة للجميع، مثلما غيرت ثورات الشباب العربي واقع تفاجأ له الجميع