كشف وزير التجارة مصطفى بن بادة خلال إشرافه على افتتاح معرض “ألجيري إكسبو”، أن المتعاملين الجزائريين لا يولون أدنى اهتمام لملف الصادرات، بعد أن تيقّنوا بأن السوق الداخلية تدرّ عليهم أرباحا خيالية، لذلك عزفوا عن اقتحام هذا القطاع الحيوي. ويدرك هؤلاء المصدّرين الذين لا يتعدون ال 400، بأن متاعب التصدير لا بداية ولا نهاية لها، خاصة ممارسات الإدارة واسترجاع مستحقاتهم بالعملة الصعبة، لذلك فهم لا يريدون المساهمة أبدا في تقليص التبعية للمحروقات في المداخيل حتى وإن كانت رمزية في مجملها...أي رقم واحد. وهنا نطرح بحدّة قضية الصادرات خارج المحروقات الذي يؤرق الاقتصاد الجزائري، ولا نفكر حتى في إيجاد البديل له، والسؤال الذي يفرض نفسه هو كالتالي: هل بإمكان الجزائريين بناء اقتصاد خارج المحروقات؟ إنه الانشغال الذي ما فتئ يتردّد في الأوساط المهتمة بالشأن “التسييري” في هذا البلد، لا لشيء سوى لأن مفهوم أو معادلة “اقتصاد خارج المحروقات” معقدة جدا، إلى درجة يصعب إدراجها في رزنامة البرامج الوطنية كأولوية من الأولويات المراد العمل عليها في الأفق القادمة. إلاّ أنّ الاعتماد الراسخ هو أن البحث عن بديل للمحروقات يترجم ذلك الوعي الاستشرافي لصناع القرار، في عدم الاعتماد على مادة آيلة الزوال، حدّدها البعض من الخبراء في هذا الاختصاص بآجال لا تتعدى 30 و40 سنة. وهي رسالة واضحة المعالم تجاه كل البلدان التي ترى بأن هذه “المادة” أبدية، لكننا نقول في هذا المقام بأن ما يسمى “بدول النفط”، لجأت إلى خيار يعوّض كل ما له طابع ريعي، بمعنى أنها اقتحمت مجال الاستثمار في القطاع المالي، وحوّلت بلدانها إلى فضاء لجلب رؤوس الأموال، وإقامة البنوك والمؤسسات المالية والبورصات التي تتداول القيم المنقولة. كل هذا سمح لها بأن تجد ذلك الهامش من الفوائد المالية بشكل ملحوظ، غطّت به كل الفجوات الناجمة عن النفاقات الإضافية، التي تقتطع بصفة دائمة من مداخيل المحروقات. ولابد من التأكيد هنا بأن هذه “الدول” تتوافد عليها مجموعات من المستثمرين، الذين لهم رغبة جامحة في “تدوير” أموالهم في كل ما يتعلق بشراء أسهم الشركات التي تطرح على مستوى البورصات، أي في الأسواق المالية. وهذا الخيار يسير توازيا مع تثمين الصناعة البترولية، مما يعني بأن هناك ثنائية المداخيل، الأولى من النفط والثانية من مستحقات السوق المالي، لذلك لا يسجل أي تخوفات آنية أو ظرفية من تناقص وتراجع الاستفادات الآنية من هذه المادة في الخطاب السياسي لهؤلاء. لكن أبجاديات التفكير الاقتصادي لا يتوقف عند حدود السطحية، بل يستدعي الأمر أن يشرع في العمل الجاد على إيجاد بدائل للبترول، إن عاجلا أم آجلا، وهي حتمية لا مفر منها. وفي هذا الشأن، فإن كل تراجع تشهده أسعار البترول، يكون بمثابة ناقوس خطر لكل اقتصاديات تلك البلدان التي تعتمد على النفط، لتسارع فورا لاتخاذ الإجراءات التي تمكّنها من تجاوز هذه “الصدمة”، وهذا بتشجيع ترقية قطاعات أكثر حيوية لدرء الخطر الداهم على اقتصادياتها. في حين أن الجزائر من البلدان الوحيدة التي تدعو دائما إلى ضرورة التفكير مليا في تغيير هذا الواقع، الذي جعل الشعوب تعتمد على البترول فقط، في الوقت الذي تجاهلت فيه كل قدراتها الحقيقية التي تكون صمام أمان لأي طارئ في هذا الإطار. بالنسبة لبلادنا فإنها كانت دائما ذات طابع فلاحي، والرهان على هذا الخيار هو الذي سيخرجنا من كل هذه التبعية للبترول. والنمو الذي تعرفه الفلاحة في الجزائر، يؤسس لنظرة واقعية في التكفل بهذا القطاع في المستقبل، على نحو يستند إلى الدعم المتواصل لتحقيق ما يسمى بالأمن الغذائي بدلا من الاكتفاء الذاتي. إلاّ أن هنا يتعلق الأمر بالتحدي الذي يتطلّب رفعه، لتحلّ الفلاحة محل البترول. وقد يخطئ من يعتقد بأن ما يسمى بالاستراتيجية الوطنية للصناعة محل بديل للنفط، هذا تصور ناقص لأننا سنسقط مرة أخرى في غياهب التبعية في جانب المواد الأولية والتكنولوجية العالية، في حين أن الفلاحة تعتمد على مجموعة من الآليات المتكاملة في كل جوانبها، ويمكن أن تتخلّص من استيراد البذور وغيرها، اعتمادا على معاهد البحث التي تطور كل هذه المنظومة المتناسقة قد تصل إلى التصدير، علما أن هذه المهمة صعبة جدا وليست مرتبطة بالزمن المحدد، بل تكون انطلاقا من قرار حازم يمهّد الأرضية لدخول هذا الرهان.