هجر الكثير من الجزائريين دور السينما، حيث أصبحت شبابيك بيع التذاكر فارغة تنتظر من يقف أمامها، وهنا يمكن ارجاع السبب إلى إغلاق العديد منها خلال العشرية السوداء، التي اتتت على الاخضر واليابس، ما دفع عشاق السينما إلى اللجوء إلى الأقراص المضغوطة، الشيء الذي صعب عليهم الرجوع إلى دور السينما بعد فتح الكثير منها، هذا من جهة ومن جهة أخرى غزو الانترنيت والتكنولوجيا الحديثة للأسر الجزائرية، والتي سهلت للمواطن المهمة، حيث أصبح يجد كل ما يرفه عنه أمامه في البيت؟ فقد أعاقت موجة العنف الإرهابي، التي شهدتها الجزائر، الاهتمام، وعلى مدى عقد من الزمن، بدور السينما وتلاشي بناياتها، حيث أغلقت معظمها أو تم تدميرها أو الاستغناء عنها، كما تم تحويل البعض منها إلى أماكن لمشاهدة أفلام الفيديو، التي أصبحت تسيطر على عروض الأفلام التقليدية، وحتى العائلات هجرت السينما وفضلت مشاهدة القنوات الخارجية، والفيديو وآلات تشغيل أقراص الفيديو المدمجة. الحالة دفعت بوزارة الثقافة إلى تدارك الوضع لبدء سياسة ثقافية، بتجديد إنتاج الأفلام التقليدية على رأس أولوياتها إلى جانب تجديد قاعات السينما، وهذه المبادرة أدمجت فيها الوزارة البلديات، حيث بامكان كل بلدية إعادة الاعتبار لدور السينما التي توجد بها مع تجديديها وترميمها، وهنا نجد العديد من الولايات فتحت أو خلقت دور نشر أمام سكانها، قصد إعادة الاعتبار للسينما في الجزائر من جهة وزرع ثقافة الدخول إلى دور السينما من جهة اخرى. وقد عادت الكثير من دور السينما وعبر مختلف ولايات الوطن إلى نشاطها، وان كان ليس بالمستوى الذي عرفته من قبل، أين كانت تلاحظ طوابير أمام شبابيك بيع التذاكر من اجل الدخول لمشاهدة فيلم ما. هناك دور نشر رممت على أكملها، مثلما هو الحال لسينماتيك الجزائر الموجودة بشارع العربي بن مهيدي، غير أن الذين يعرفونها من قبل قالوا أنه تم تقليص عدد المقاعد بها، لكن هذا لا يعني التقليل من شأن هذه القاعة اليوم، التي جهزت بتقنيات حديثة تتماشى والتطور التكنولوجي اليوم، إضافة إلى سينما “أفريقيا” ببلدية سيدي محمد، التي رممت الواجهة الخارجية لها، فيما أعيد بناؤها داخليا، ناهيك عن قاعات “موسات”، و”سيرا مايسترا”، و”فرنسا”. كما تحتوي بلدية باب الواد على عدد معتبر من دور السينما التي من شأنها أن تقدم الكثير للفن السابع، وهي تامغوت، “الحرية”، و”المغرب”، فيما دمر أحد أهم هذه الفضاءات، وهنا يتوقف القول على سينما”لاينكس”، دون اهمال الدور الذي تلعبه قاعة الاطلس، التي فتحت أبوابها على مصرعيها أمام عشاق السينما، المسرح والاسرة الاعلامية، وهي الوحيدة في الجزائر التي تظهر أفلاما عائلية بنظام دولي بعرض لقطات مسبقة أو أفلام يومية”. هذا وقد تم خلق أماكن تعنى بالفن السابع في مناطق أخرى من الوطن كانت تعاني الحرمان من هذه الناحية، غير أنه وللأسف يبقى المشكل قائما، بسبب عزوف المواطنين والشباب على دور السينما، وهنا نطرح نقطتين، هجر المواطنين لهذه الاماكن في فترة المحنة التي مرت بها البلاد، الشيء الذي دفع بالكثيرين إلى الاعتماد على الاقراص المضغوطة لمشاهدة الافلام، وبهذا وبعد إعادة فتحها وجد المواطن نفسه يفضل رؤية الافلام وهو في بيته احسن من بذل المجهود والتنقل إلى دور السينما، ومن جهة أخرى يمكن ارجاع السبب إلى الأنترنيت، خاصة وأنه أصبح تحميل الافلام مجانا، وبحكم أن النسان بطبعه يواكب عصره، وفي الكثير من الاحيان، وهنا نقصد الشباب والاطفال، يقلدون الغرب وينجرون وراء مل ماهو آت من عندهم ولو لا يتماشى مع عاداتها وثقافاتهم، فهم يواكبون العصر، ويتجهون إلى الافلام الغربية التي يتم رؤيتها عن طريق التحميل. شهدت دور السينما عزوفا ملحوظا عليها، ولمعرفة رأي الجمهور والمواطنين الجزائريين في هذا الموضوع، تقربت “الشعب” من مجموعة ممن كانوا متواجدين بقاعة الأطلس، أين أكد كريم، البالغ من العمر 32 سنة أن “ قاعات السينما في بلادنا رجعة شبه أسطورة وخسارة صراحة أن شبابنا اليوم أهملوا هذه الوسيلة للترفيه، ليس في كل الولايات صراحة لكن في معظمها، فأنا صراحة من مواليد 1980، ومازلت أتذكر قاعات السينما أيام الإثنين، الخميس والجمعة، وتلك الأيام الحلوة مع الأصدقاء في طابور الشبابيك كي نقتني التذاكر لنتفرج على أفلام حربية أو كينقفو أو هندية، والكاوكاو والمشروبات الغازية، والإثارة عند العرض وسط الحشد الكبير من الجمهور، دون نسيان تلك اللحظات التي تلي العرض، فعند الخروج من القاعة تسمع الكلام من هنا وهناك حول الفيلم المعروض، والتشبه في الكثير من الاحيان بالأبطال”، كما قال ذات الشاب “وأظن كلنا سمعنا ذالك الحديث المشوق من طرف الوالد على قاعات السينما في السبعينيات والسهرات السينمائية يوم السبت مساء”، وقد كان حديث كريم عن تلك القاعات ببريق في الأعين، وبنبرة تأسف بينما أن اليوم قاعات السينما في الجزائر لم تعد مثل الزمن العريق لأسباب عديدة منها العشرية السوداء، البرابول والأجهزة الشخصية مثل”في سي دي” و”دي في اكس”، غلق القاعات بسبب الإفلاس أو لتبديل المهنة، عدم الإنتاج في السينما الجزائرية أو غلاء الأفلام الأجنبية للعرض، إهمال شبابنا لاحياء الترفهيات الجماعية، والأنترنت والتحميل المجاني للأفلام، وفي خلاصة قوله قال “فما بالنا نسينا الترفيه الجماعي والخرجات بين الأصدقاء والتمتع الحقيقي؟ لكن ما زالت، ورغم ذلك بعض القاعات تتصارع في العيش ضمن كل الصعوبات” أما الشابة ياسمين البالغة من العمر 19 سنة، فقالت “بالله عليك من يذهب للسينما الأن، كل شيئ موفر في البيت وأأمن، وإن كان على البنات فبعد السبعينيات، هذه الفترة التي عرفت بالعصر الذهبي للسينما في الجزائر، لا أظن أنهن رأين سينما في الجزائر”. ومن جهته أكد علي، وهو في العقد الخامس من عمره، أن آخر مرة دخل فيها قاعة سينما كانت سنة 1989، وعلى حد تعبيره قال “لا أظن عودة أيام “زمان”، فاليوم كل شيء موجود في البيت، فالتكنولوجيا الحديثة والانترنيت قضت على شيء قديم، رغم أنها كانت ولا تزال وتبقى في نظري احسن منبر وفضاء لعرض الافلام، في حين أن رؤيتها على دي في دي أو دي في اكس ليس له نفس النكهة والاحساس الذي يراود المشاهد وهو جالس غلى كرسي داخل قاعة سينما”